الأزهر الشريف ١٩٥٩: ترجمة الأحمدية لمعاني القرآن الكريم هي خير الترجمات المتوفرة.
محمد ﷺ حبيب الأمم
محمد ﷺ حبيب الأمم
اقتلوا أنفسكم
اقتلوا أنفسكم
يقول تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }
يقول صاحب تفسير روح البيان حول تفسير الآية أعلاه من سورة البقرة:
[[ { فاقتلوا انفسكم } بقمع الهوى لان الهوى هو حياة النفس وبالهوى ادعى فرعون الربوبية وعبد بنوا اسرائيل العجل وبالهوى أبى واستكبر ابليس اوارجعوا بالاستنصار على قتل النفس بنهيها عن هواها فاقتلوا انفسكم بنصر الله وعونه فان قتل النفس في الظاهر ييسر للمؤمن والكافر فاما قتل النفس فى الباطن وقهرها فامر صعب لا يتيسر الا لخواص الحق بسيف الصدق وبنصر الحق ولهذا جعل مرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداء وكان النبى صلى الله عليه وسلم اذا رجع من غزو يقول " رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر ".
وذلك لان المجاهد اذا قتل بسيف الكفار يستريح من التعب بمرة واحدة واذا قتل بسيف الصدق فى يوم الف مرة تحيى كل مرة نفس على بصيرة اخرى وتزداد فى مكرها فلا يستريح المجاهد طرفة عين من جهادها ولا يأمن مكرها وبالحقيقة النفس هى صورة مكرالحق ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون { ذلكم خير لكم عند بارئكم } يعنى قتل النفس بسيف الصدق خير لكم لان بكل قتلة رفعة ودرجة لكم عند بارئكم فانتم تتقربون الى الله بقتل النفس وقمع الهوى وهو يتقرب اليكم بالتوفيق للتوبة والرحمة عليكم كما قال " من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا " وذلك قوله { فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم }. ]] انتهى
( تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي، الآية ٥٤ من سورة البقرة )
ويقول الإمام القشيري في تفسيره للآية :
[[ وقتل النفس في الحقيقة التبري عن حوْلِها وقوتها أو شهود شيءٍ منها، ورد دعواها إليها، وتشويش تدبيرها عليها، وتسليم الأمور إلى الحق - سبحانه - بجملتها، وانسلاخها من اختِيارها وإرادتها، وانمحاء آثار البشرية عنها، فأمَّا بقاء الرسوم والهياكل فلا خطرَ له ولا عبرةَ به. ]] انتهى
( تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) )
الخلاصة مما سلف أن الأمر بقتل النفس في الآية إنما هو قتل النفس الأمّارة بقمع الشهوات الجامحة ونهي النفس عن الهوى ليتوب الله تعالى عليهم لا كما يروّج دعاة قتل المرتد كالمودودي وأظلاله ممن يشوهون تعاليم الإسلام بأن قتل المرتد من أصول الدين ويجعلون آرائهم وما يستنبطوه ناسخاً لكلام العزة تبارك وتعالى وكفى بالقرآن المجيد الذي ينسف هذه الدعوى ناسخاً لما دونه من تعليم.
(استقراء من درس للخليفة الرابع مرزا طاهر احمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)
يرفع الله الذين آمنوا
المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) في نظر السلف
المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) في نظر السلف
* عيسى هو الإمام المهدي
ذكر النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) بأن المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) هو الإمام المهدي في الحديث التالي:
"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَلْبَثُ الدَّجَّالُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ وَعَلَى مِلَّتِهِ إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ."
(أخرجه الطبراني في الكبير ، والبيهقي في البعث بسند جيد)
* ما هي شريعة المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) ؟
يتكرر السؤال ؛ بأي شريعة سيحكم عيسى (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) عند نزوله وهل سيكون مجتهدا ؟
يجيب الإمام السيوطي رحمه الله بنفسه عن هذا السؤال :
"وَقَوْلُ السَّائِلِ : وَإِذَا قُلْتُمْ : إِنَّهُ يَحْكُمُ بِشَرْعِ نَبِيِّنَا فَكَيْفَ طَرِيقُ حُكْمِهِ بِهِ أَبِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ ؟ هَذَا السُّؤَالُ عَجَبٌ مِنْ سَائِلِهِ وَأَشَدُّ عَجَبًا مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ : بِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَهَلْ خَطَرَ بِبَالِ السَّائِلِ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ الشَّرِيفَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَالْمُجْتَهِدُونَ مِنَ الْأُمَّةِ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً ، وَكُلٌّ لَهُ مَذْهَبٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا ، وَقَدْ كَانَ فِي السِّنِينَ الْخَوَالِي نَحْوُ عَشَرَةِ مَذَاهِبَ مُقَلِّدَةٌ أَرْبَابُهَا مُدَوَّنَةٌ كُتُبُهَا وَهِيَ : الْأَرْبَعَةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَمَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَمَذْهَبُ إسحاق بن راهويه ، وَمَذْهَبُ ابْنِ جَرِيرٍ ، وَمَذْهَبُ داوود ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَتْبَاعٌ يُفْتُونَ بِقَوْلِهِمْ وَيَقْضُونَ ، وَإِنَّمَا انْقَرَضُوا بَعْدَ الْخَمْسِمِائَةِ لِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ وَقُصُورِ الْهِمَمِ ، فَالْمَذَاهِبُ كَثِيرَةٌ ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّصَ السَّائِلُ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ ؟ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِنَبِيٍّ أَنَّهُ يُقَلِّدُ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ ، وَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ : إِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا ، فَإِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ لَا يُقَلِّدُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ أَنَّهُ يُقَلِّدُ ؟ فَإِنْ قُلْتَ : فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ ، قُلْتُ : لَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْكُمُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ اجْتِهَادًا ، كَمَا لَا يُسَمَّى تَقْلِيدًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ حَكَوْا خِلَافًا فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِمَا يَفْهَمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ يُسَمَّى اجْتِهَادًا لَمْ تَتَّجِهْ حِكَايَةُ الْخِلَافِ . " انتهى
(الحاوي للفتاوي، الفتاوى الحديثية، كتاب البعث، مبحث النبوات، كتاب الإعلام بحكم عيسى عليه السلام)
- وذلك يرد على مزاعم خصوم المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) في أنه يخالف علماء الأمة وأقوال السلف حيث يتبين أن قوله هو القول الفصل لكونه هو الحكم العدل بين الفرق جميعا. وأن ما يقوله لن يكون اجتهادا بل بوحي مباشر من الله تبارك وتعالى.
* المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) لا يحتاج إلى الأحاديث بقدر حاجته للقرآن الكريم
ورد في نفس الكتاب حول مسألة اعتماد المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) على القرآن الكريم وجعله حَكَماً على الأحاديث وما سواها:
"أَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْقُرْآنِ فَيَفْهَمَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى مُرَاجَعَةِ الْأَحَادِيثِ كَمَا فَهِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ قَدِ انْطَوَى عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَفَهِمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَهْمِهِ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ ، ثُمَّ شَرَحَهَا لِأُمَّتِهِ فِي السُّنَّةِ ، وَأَفْهَامُ الْأُمَّةِ تَقْصُرُ عَنْ إِدْرَاكِ مَا أَدْرَكَهُ صَاحِبُ النُّبُوَّةِ ، وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَفْهَمَ مِنَ الْقُرْآنِ كَفَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَاهِدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَهِمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ - قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ . وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ حَدِيثِ عائشة ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنِّي لَا أُحِلُّ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَلَا أُحَرِّمُ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا : جَمِيعُ مَا تَقُولُهُ الْأُمَّةُ شَرْحٌ لِلسُّنَّةِ ، وَجَمِيعُ السُّنَّةِ شَرْحٌ لِلْقُرْآنِ ." أهـ.
- وفي ذلك رد على زعم من يتهم المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) بأنه يقول بأحاديث لا وجود لها -مع أنها ثابتة متوفرة- وأنه لا يفهم في صنعة الحديث.
* المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) نبي يوحى إليه بواسطة جبريل
ونبقى في الحاوي للإمام السيوطي رحمه الله حيث يروي كيف كانت إجابة الخليفة الْمُتَوَكِّلَ عَلَى اللَّهِ، حيث يقول في المبحث الرابع حول مسألة الوحي للمسيح الموعود (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) وكون جبريل هو حامل هذا الوحي ما نصه :
" .. ثُمَّ إِنَّ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَخَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَابْنَ عَمِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ الْإِمَامَ ، الْمُتَوَكِّلَ عَلَى اللَّهِ ، أَعَزَّهُ اللَّهُ وَأَعَزَّ بِهِ الدِّينَ ، وَهُوَ الْآمِرُ بِالْكِتَابَةِ أَوَّلًا - أَعَادَ الْأَمْرَ ثَانِيًا ، هَلْ ثَبَتَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ يَأْتِيهِ وَحْيٌ ؟ وَالْجَوَابُ : نَعَمْ ، رَوَى مُسْلِمٌ ، وأحمد ، وأبو داود ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ ، مِنْ حَدِيثِ النواس بن سمعان قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ - إِلَى أَنْ قَالَ - : فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، فَيَتْبَعُهُ فَيُدْرِكُهُ ، فَيَقْتُلُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَىابْنِ مَرْيَمَ أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي لَا يَدَانِ لَكَ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّرْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ الْحَدِيثَ .
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بَعْدَ النُّزُولِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَائِيَ إِلَيْهِ بِالْوَحْيِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بَلْ هُوَ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ وَلَا يُتَرَدَّدُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَتُهُ ، وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ ، لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ .
.. خَاتِمَةٌ : اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ جِبْرِيلَ لَا يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا أَصْلَ لَهُ . وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْكَبِيرِ " ، عَنْ ميمونة بنت سعد قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ يَرْقُدُ الْجُنُبُ ؟ قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنْ يَرْقُدَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُتَوَفَّى فَلَا يَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ ، وَيَحْضُرُ مَوْتَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ ." أهـ.
ثم يضيف السيوطي حول مسألة انقطاع الوحي :
"قَالَ زَاعِمٌ : الْوَحْيُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مُؤَوَّلٌ بِوَحْيِ الْإِلْهَامِ . قُلْتُ : قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ : التَّأْوِيلُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِدَلِيلٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِدَلِيلٍ فَلَعِبٌ لَا تَأْوِيلٌ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا فَهُوَ لَعِبٌ بِالْحَدِيثِ .
قَالَ زَاعِمٌ : الدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ " لَا وَحْيَ بَعْدِي " قُلْنَا : هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ بَاطِلٌ ." أهـ.
وحول حديث لا نبي بعدي يقول :
"قَالَ زَاعِمٌ : الدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ " لَا نَبِيَّ بَعْدِي " قُلْنَا : يَا مِسْكِينُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْتَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ بَعْثُ نَبِيٍّ بِشَرْعٍ يَنْسَخُ شَرْعَهُ كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ.. فَيَلْزَمُكَ عَلَيْهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إِمَّا نَفْيُ نُزُولِ عِيسَى ، أَوْ نَفْيُ النُّبُوَّةِ عَنْهُ وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ." أهـ.
ثم يذكر السيوطي جواب ابن حجر رحمه الله على سؤال ورد حول أخذ آلإمام المهدي و المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) للعلم من النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) فيقول :
"مَا قَوْلُكُمْ فِي قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَكَمًا . فَهَلْ يَنْزِلُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَافِظًا لِكِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَلِسُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ يَتَلَقَّى الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عَنْ عُلَمَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيَجْتَهِدُ فِيهَا ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ ؟ فَأَجَابَ (يقصد ابن حجر) بِمَا نَصُّهُ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ (أي السيوطي) : لَمْ يُنْقَلْ لَنَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ صَرِيحٌ ، وَالَّذِي يَلِيقُ بِمَقَامِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ يَتَلَقَّى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَحْكُمُ فِي أُمَّتِهِ بِمَا تَلَقَّاهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ خَلِيفَةٌ عَنْهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ." أهـ.
- فثبت من قول السلف وفهمهم أن المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) سوف يكون نبياً و يتلقى الوحي المباشر من الله تعالى كالأنبياء وأن الواسطة كما فهموا هو جبريل (عَلَيهِ السَلام).
* المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) يلقى النبي ﷺ في الكشف
بداية ننقل قول الإمام السيوطي من مصدر آخر ما يؤيد اعتقاده بجواز لقاء الأنبياء عن طريق الكشف كما يلي:
“إنَّ جماعة من أئمة الشريعة مضوا على أَنَّ مِن كرامة الولي أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويجتمع به في اليقظة ويأخذ ما قسم له مِن معارف ومواهب” أهـ. ونَسَبَ السيوطي هذا القول لجماعةٍ ذكرهم عنده.
("نزول عيسى بن مريم آخر الزمان” للسيوطي (ص:44) تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان.) و ("الإنصاف في حقيقة الأولياء” للصنعاني (ص/125).)
ويؤكد ذلك الحديث التالي الذي يؤكد أن النبي ﷺ كان يلتقي بالأنبياء يقظة لا مناما:
"عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، إِذْ رَأَيْتُهُ صَافَحَ شَيْئًا لَا نَرَاهُ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ صَافَحْتَ شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ ! قَالَ : ذَاكَ أَخِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، انْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ . فَحِينَئِذٍ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْكَامَهُ الْمُتَعَلِّقَةَ بِشَرِيعَتِهِ الْمُخَالِفَةَ لِشَرِيعَةِ الْإِنْجِيلِ ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَنْزِلُ فِي أُمَّتِهِ وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِشَرِيعَتِهِ ، فَأَخَذَهَا عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ ."
(أخرجه ابن عساكر)
وهذا الحديث:
"قال أبو يعلى : حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا المستلم بن سعيد عن الحجاج عن ثابت البناني : عن أنس بن مالك :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون"
(أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء في قبورهم [ص /٢٣ طبعة مكتبة الإيمان])
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [٨ / ٣٨٦ ] : رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبو يعلى ثقات. و نقل ابن الملقن في البدر المنير [٥ / ٢٨٥] عن البيهقي أنه قال بعد أن ساق هذا الطريق :
« هَذَا إِسْنَاد صَحِيح » ثم قال ابن الملقن : «وَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَن رِجَاله كلهم ثِقَات» و صححه الألباني (السلسلة الصحيحة رقم ٦٢١). انتهى
- ولا يمكن أن يلتقي الميت بالحي إلا بالكشف أو الرؤى المنامية كما لا يخفى على باحث.
والخلاصة مما ثبت هي أن عيسى (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) إنما هو رجل من الأمة الإسلامية لا الإسرائيلية وهو نفسه الإمام المهدي ينزل نبياً ليحكم بين الناس بالعدل ولا يتبع مذهباً من المذاهب ولا يقول بالاجتهاد إنما بما يتلقاه من وحي ربه تبارك وتعالى ومتبوعه هو الأكرم محمد ﷺ الذي يلتقي به في اليقظة (أي الكشف) والإمام المهدي والمسيح الموعود هو الذي سوف يقرر عل ضوء القرآن المجيد ما الصحيح من الحديث وما هو غير ذلك وذلك هو مفهوم السلف كما تبين من أمر المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام).
مسلم لله