لا كتاب مقدس بالعربية إلا القرآن
يؤكد الله تعالى في كتابه العَزِيز على أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي أنزله الله تعالى بلسان عربي فيما كانت الكتب قبله بلسان الأعجمين. يبين الله تعالى ذلك في سورة إِبْرَاهِيمَ، حيث يقول سبحانه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :
[وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]
[إبراهيم الآية: ٥]
فلم يرسل الله تعالى قبل خاتم النبيين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إلا رسلاً بألسنة قومهم، وفي ذلك إشارة إلى حصر الرسالات السابقة بأقوام محددين وليس كرسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم التي هي للناس كافة. وقد يعترض أحد فيقول بأن رسالة النبي ﷺ هي أيضا للعرب فهي بلسان عربي مبين كما في قول الحق تبارك وتعالى، وجواب ذلك هو أن اللغة العربية هي أم اللغات وأصلها ومنها اشتقت كل لغة ولسان فجعل الحق تعالى ختم الكمال في اللسان الأصلي ليعيد الناس إلى لغة الوحي وأصل اللسان، ولمزيد من الاطلاع يرجى قراءة كتاب منن الرحمن للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.
ولنعد للآية من سورة ابراهيم التي تتحدث عن إرسال الرسل بلسان قومهم. فقد تحدّث الله تعالى بعد هذه الآية عن عدد من الأنبياء بدأهم بموسى عَلَيهِ السَلام كما في قوله تعالى بعد الأية السابقة مباشرة:
[وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ]
[إبراهيم الآية: ٦]
أي أن موسى عَلَيهِ السَلام كان من بين أولئك الرسل الذين أرسلوا بلسان قومهم وليس بلسانك يا محمد ﷺ حسب سياق حديث الآيات. ثم تتوالى الآيات بعد ذلك حول طائفة من الأقوام كقوم نوح وعاد وثمود وكيف واجهوا رسلهم الذين ذكر الله تعالى في بداية الآيات أنهم أُرسلوا بلسان قومهم. وليؤكد الله ﷻ أن ما سبق كان مثالاً عن اللسان يختم ذلك بقوله جلّ وعلا:
[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ]
[إبراهيم الآية: ٢٥]
مقابل :
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ
[إبراهيم الآية: ٢٧]
فالمثل الذي ضربه الله تعالى في الآيات أعلاه من سورة إبراهيم كان حول كلام الرسل لأقوامهم وشبّهه بالشجرة الطيبة المرتبطة بالسماء (الوحي الإلهي)، بينما شبّه رد أقوامهم الإنكاري بالشجرة الخبيثة المقطوعة الخالية من الثمر.
لمّا ثبت أن كل نبي قبل سيدنا رسول الله ﷺ أرسل بلسان قومه، فما هو لسان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ؟ يقول تعالى:
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا
[مريم الآية: ٩٨]
و:
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
[الدخان الآية: ٥٩]
أي أن القرآن الكريم إنما أنزل بلسانك أنت يا محمد ﷺ أي ليس بلسان السلف من الرسل. ولنتعرف على طبيعة هذا اللسان نقرأ قوله تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
[الشعراء الآية: ٩٣-٩٦]
يقول تعالى أيضا:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[يوسف الآية: ٣]
يكرر الله تعالى المقارنة بين لسان الرسل من قبل سيدنا رسول الله ﷺ لتبيان مكانة القرآن مع الكتب الأخرى. ولا عجب أن يذكر ثانيةً ما أنزل بلسان موسى عَلَيهِ السَلام. إذ يقول تعالى:
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
[الأحقاف الآية: ١٣]
فكتاب موسى الذي سبق القرآن لم يكن عربياً بدليل ما سبق من آيات دلّت على المغايرة حيث نزل كل كتاب بلسان قوم نبيهم وجاء ذكر عدد من الأنبياء ومن بينهم موسى عَلَيهِ السَلام فيما نزل القرآن بلسان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. وها هو التأكيد يتكرر على أن القرآن الكريم الذي نزل بلسان نبينا ومولانا محمد ﷺ إنما نزل بلسان عربي مبين، وذلك يكفي لكل متدبر يأخذ بمجموع القرآن ذلك الكتاب المتين المترابط في سرده وفصاحته. بل إن الله تعالى يؤكد هذه الحقيقة والمغايرة بين لسان الرسل ولسان القرآن الكريم، وهذه المرة يطلق الله تعالى على ما أنزل من قبل القرآن باللسان الأعجمي كما ويذكر من جديد مثال موسى عَلَيْهِ السَلام للتأكيد على اختلاف لسان التوراة، فيقول سبحانه:
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۗ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
[فصلت الآية: ٤٥-٤٦]
أي لو أنزلنا القرآن بلسان بني اسرائيل الأعجمي عن العرب لاعترضوا قائلين؛ كيف لنا أن نفهم هذا الكتاب الأعجمي ؟ أليس من الواجب أن ينزل بلساننا العربي ؟ (لاحظ أن الله تعالى سمى غير العربية الأعجمية لقصرها عن إيصال المعنى الكامل) ثم ذكر الله تعالى المماثلة في موقف هؤلاء مع قوم موسى عَلَيهِ السَلام حين أنزل الله تعالى التوراة بلسان بني اسرائيل فكان تماماً من حيث الوضوح وتلبية الحاجة لذلك القوم، ومع ذلك اختلفوا فيه ولا يزالون مختلفين. فالمحصلة أن الله تعالى لا يرسل الرسل إلا بلسان قومهم لتتم الحجة وبيان الأوامر والنواهي لخيرهم لو كانوا يعلمون. يقول تعالى:
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
[الزمر الآية: ٢٩]
أي أن هذا القرآن بلسانكم العربي وبما تعارفتم عَلَيْهِ من خطاب لا عوج فيه ولا عجمة، أفلا تخشون الله الذي لم يفرط فيه من شيء ؟
لقد ذكر حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أيضا هذا الموضوع مؤكدا أن العربية وحدها هي التي نزل بها كتاب الله فقال:
"فمن مقتضى الإيمان أن نقول إنها (العربية) هي اللغة الوحيدة التي استحقت بالجدارة لآن ينزل بها وحي الله الأعلى والأكمل (أي القرآن الكريم)".
(منن الرحمن، ص ٢١)
ويقول حضرته عَلَيهِ السَلام في مكان آخر:
"بيد أنه كان لزاماً أن ينزل الكتاب الأقوى والأعلى باللغة العربية حتماً، لأنها أم الألسنة، ولغة إلهامية أصلية خرجت من لدن الله تعالى. ولما كان القرآن هو الذي أتى بهذا الدليل، وهو الذي ادّعى بهذه الدعوى، وليس هناك كتاب مقدس سواه باللغة العربية يدّعي بهذه الدعوى، فلا بد من الاعتراف أن القرآن الكريم من عند الله تعالى، وأنه مهيمن على الصحف كلها، وإلا صارت كل الصحف الأخرى باطلة".
(منن الرحمن، ص ٣)
كما يقول عَلَيهِ السَلام في بيت شعر له بالفارسية تعريبه:
"لقد كسر (أي النبي ﷺ) أوثان بلاد العرب بالتجلّي الأول ليعالج سكانها علاجا روحانيا"
(البراهين الأحمدية، ص ٢٣)
فيثبت من ذلك أن العربية هي أصل اللسان وببعثة النبي ﷺكان التجلّي الأول وبه ختم الله الرسالة لكمال البيان فلم تستحق لغة غيرها هذا القرآن ولم ينزل بهذه اللسان كتاب مقدس غير كتاب الله المنّان.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مسلم لله
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.