الرد على حملة معاداة الإسلام لليهود بقلم الأستاذ المسلم الأحمدي قاسم راشد المحترم الكاتب في صحيفة الـ (تايم) العالمية الشهيرة
تفنيد أسطورة المتطرفين بأن الإسلام يدعو لكراهية اليهود
ظهرت إعلانات جديدة على الحافلات في العاصمة الأمريكية مفادها أن القرآن يشجع على كراهية اليهود. الحق أن ذلك اتهام خطير لا أساس له.
ويستمر مسلسل الفشل.
حيث يقوم أعداء الإسلام بالترويج للأسطورة القائلة بأن الإسلام يشجع على الكراهية وذلك بإنتاج الإعلانات ووضعها على حافلات العاصمة. لنلق نظرة على الإعلان في الصورة المرفقة، هل تلمسون مدى الجنون الذي دفع هؤلاء الجهلة لينفقوا أموالهم في سبيل نشر صور أدولف هتلر؟
بالتأكيد يوجد بعض المسلمين المعادين لليهود، وكذلك منهم المسيحيين واللادينيين والملحدين. ورغم ذلك فلا يوجد في القرآن الكريم ولا في سنة النبي محمد ﷺ ما يتفق مع أسطورة "كراهية اليهود."
ستجدون تفاصيل ذلك إنْ شاءَ الله في كتابي القادم بعنوان "المتطرفون"، وهي دراسة موضوعية للإسلام تفند أسطورة كراهية الإسلام لليهود وتجعلها تهوي كما ينهار بيت من الورق.
لذلك دعونا نتعمق في هذه النقطة.
إن الذين يعلنون كراهية الإسلام لليهود يقومون بتحريف متعمد لمعنى الآية 167 من سورة الأعراف من بين الآيات الكثيرة الأخرى. والتحليل النظري للآية 7:167 عندي ينطبق بالمثل على كل الآيات "المعادية لليهود" حسب زعمهم ويتضح منها بلا أدنى شك عدم وجود أي "معاداة لليهود"، وحتى أكون موضوعياً أقتبس قول الدكتور 'فيليب جينكينز' -وهو شخصية أكاديمية غير مسلمة- حين سُئِل حول مسألة كراهية الإسلام لليهود كما ورد في كتابه 'وضع السيف' :
"من أجل جعل هذه النصوص تبدو شريرة فإن النقاد المعادين للإسلام يبالغون بشكل ممنهج حول العنصر اليهودي في النصوص ... لا يقدم القرآن أي شيء غامض بل يقدم تعاليمه بصراحة تماثل صراحة العبارات الواردة في العهد الجديد من كلام يسوع نفسه -الذي يعتبره المسيحيون تجسداً للإله- وهو يتحدث بشراسة ضد "اليهود". إن يسوع العهد الجديد هو الذي يدعو أعدائه بأنهم (ليسوا أبناء إبراهيم) بل أبناء إبليس أبو الكذب. [ولكن يسوع] لم يكن يدين جميع اليهود بالمعنى العنصري بل كان يهاجم رؤساء الكهنة والزعماء في زمنه. وهذا هو النموذج الذي نجده في القرآن. في الواقع، فإن القرآن لا يمكن أن تؤخذ منه أي إدانة ضد اليهود ولا أي مجموعة عرقية أخرى". انتهى
بل أن القرآن الكريم يدين كل سلوك فيه ظلم ويشيد بكل سلوك صالح بغض النظر عن فاعله. إن مجرد قراءة الآيات 7:166 و 7:167 معاً يوضح ذلك:
"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ". [الأعراف، الآية: :166-167]
هنا يتحدث القرآن الكريم عن اليهود والسبت. فالله تعالى "أَخَذ الَّذِينَ ظَلَمُوا" بسبب أنهم "كَانُوا يَفْسُقُونَ"، وبنفس القدر من الأهمية نجَّى الله "الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ". فالتمييز إذاً لا علاقة له باليهود وغير اليهود؛ بل التمييز هو بين اليهود الذين حفظوا السبت واليهود الذين استباحوه. في حين أن القرآن الكريم يشير بتعبير مجازي فقط بلقب "القردة" لأولئك اليهود الذين خرقوا السبت حصراً، ألا أننا نجد أن الكتاب المقدس يشير لليهود الذين استباحوا السبت في سفر الخروج 31:15 بمنتهى الخطورة حيث يقول: "كُلُّ مَنْ صَنَعَ عَمَلاً فِي يَوْمِ السَّبْتِ يُقْتَلُ قَتْلاً".
إن القرآن الكريم يعلن مرارا وتكرارا كما في الآية "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة:٦٣] أي أن اليهود سوف يدخلون الجنة خالدين فيها أبدا. كذلك يذكر القرآن المجيد اسم النبي موسى (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) أكثر من أي نبي آخر، فقد ذكر اسم حضرته أكثر من 150 مرة، كما يعترف الإسلام بالأصل الإلهي للتوراة ومزامير داود. إن المعاملة الطيبة التي كان يؤديها النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) لليهود كانت عامل جذب وحب لليهود نحو هذا النبي. يروي صفوان بن عسال بأن بعض اليهود كانوا يقبّلون يدَي وقدمَي النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) عند اللقاء به [الحديث رواه الترمذي (5/77) وقال الحافظ في تلخيص الحبير (4/93) إسناده قوي]، فيستحيل أن يكون هذا الرجل قد كسب مثل هذا الحب من مواطنيه بالقوة أو العنف. وبسبب هذا المثال الرائع من المعاملة فقد ازدهر اليهود عبر التاريخ الإسلامي تحت حكم المسلمين في أجزاء من شمال أفريقيا والقدس وبلاد فارس وإسبانيا.
يكتب 'جنكينز' بأن إنجيل يوحنا يشتمل على تحذير وخوف واضحين من خطر اليهود على حياة السيد المسيح ولذلك أطلق عليهم اسماءً مثل الكلاب والخنازير، وفي انجيل متى لقبهم بالأفاعي بينما يعلن انجيل يوحنا بأن أبا اليهود هو إبليس. هذا ما كتبه مارتن لوثر "فماذا عسانا نحن المسيحيون فاعلين بهذا العرق اللعين من اليهود؟ ... يجب أن تُحرَق معابدهم ... وينبغي أيضا هدم منازلهم وتدميرها ... يجب أن يتم منع الحاخامات تحت التهديد بالقتل من التعليم بعد الآن ... [لنسترح] من هذه الأعباء اليهودية الشيطانية التي لا تطاق. يقول البابا كليمنت الثامن: "العالم كله يعاني من اليهود بسبب الربا والاحتكار والمكر الذي يتصفون به.".
لقد قتل الآلاف من اليهود أثناء الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش الإسبانية وفي أوقات مختلفة في أوروبا وروسيا. إن كلمة الـ 'غيتو' يرجع أصلها إلى أحياء مدينة البندقية حيث كان يعيش اليهود. لقد كان الأب 'تشارلز كافلين' يأمر جمهوره الإذاعي الأسبوعي الذي يزيد على ثلاثين مليون أميركي متعطش في ثلاثينيات القرن الماضي بدعم معاداة السامية كأدولف هتلر وبنيتو موسوليني وبشكل علني. ولكي لا ننسى؛ فـ هتلر كان مسيحيا.
وهكذا وبكل عمى يلقون باللائمة على الإسلام -مع أنه غير مسؤول عن أي من الفظائع المذكورة أعلاه- متجاهلين أن معاداة السامية هي وباء منتشر في العالم أجمع. لقد خلصت رابطة مكافحة التشهير العالمية في تقريرها لعام 2012 بشأن معاداة السامية في عشر دول أوروبية إلى القول: " كما سبق من استطلاعات الرأي الماضية، فإن البيانات المستمدة من أحدث ردود لمستطلعين أوروبيين لعام 2012 تشير إلى أن نسبة كبيرة من الأوروبيين لا زالوا يبدون بعضاً من وجهات النظر الأشد معاداة للسامية."، وكان تقرير استطلاع الرأي السابق لعام 2011 قد خلص إلى أن نحو 15 بالمئة من الأمريكيين في الولايات المتحدة (أي 45 مليون نسمة) وقعوا ضمن أشد الناس عداءً للسامية".
إن ادعاء كراهية الإسلام لليهود لهو أمر جد خطير إذ أنه لا يقوم على أساس كما أنه يخلق خوفاً لا مبرر له ولا يعقل من الإسلام والمسلمين بالإضافة إلى تجاهله للوقائع التي أثبتت تنامي معاداة السامية في أوروبا وأمريكا بشكل ملحوظ. أما عن تعاليم الإسلام، فقد كان النبي محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) يعامل اليهود بالمساواة والمواساة والرحمة. لذلك، فلتكفّوا عن نشر هذه الإعلانات السخيفة على واجهات الحافلات وابحثوا عن موضع مثمر لتنفقوا فيه أموالكم. دعونا نكف عن إلقاء اللوم على الإسلام بغير علم بمعاداة السامية ولنعمل بدلا من ذلك معا لاستئصال معاداة السامية حيثما وجدت.
قاسم رشيد: محام ومؤلف وكاتب رسمي في صحيفة الـ 'تايم' والمتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية الأحمدية في الولايات المتحدة الأمريكية. صاحب كتاب "مسلم من النوع الخطأ، القصة غير المعلنة من الاضطهاد والمثابرة" كتابه القادم بعنوان "المتطرفون" (وهو رد على مزاعم خيرت فيلدرز والإرهابيين في كل مكان) وسيطرح للأسواق في 28 مايو. يمكن متابعته على حسابه الرسمي في تويتر MuslimIQ@.
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.