رؤيا الله ﷻ في المنام
الاعتراض:
لقد قال مؤسس جماعتكم بأنه رأى الله متمثلا في الشكل الإنساني وقال له: لو كُنتَ لي لكان العالم لك ! فالسؤال: هل يليق بالله التمثل بالشكل الإنساني ؟ طبعا لا يليق ! كما أن عبارة لو كنت لي لكان العالم كله لك يعني بأن المؤسس ليس من الله ! ثم إن المؤسس كان في نزهة أي في اليقظة، وهنالك فرق بين الحلم واليقظة فقرأ عليه أحد سورة الدهر، هل تعرف ما هي سورة الدهر أم لا ؟ ثم هل الله يتمنى ؟ فسر لي كيف تمنى الله أن يكون المؤسس له ! كيف يُعقل هذا ؟
الرد:
يقول حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن رؤياه:
"رأيتُ اللهَ تعالى متمثلاً في الشكل الإنساني، فقال الله تعالى لي واضعا يده على رقبتي: «لو كُنتَ لي لكان العالم كله لك»." ("البدر"، المجلد 2، رقم 16، 8 مايو، 1903، ص 123 الحاشية)
يقول عبد اللطيف البهاولبوري بأن هذه الرؤيا قديمة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قبل تأليف البراهين الأحمدية بوقت طويل رآها حضرته عندما كان في الثلاثين من عمره، كما في كتاب "سيرة أحمد" للمولوي قدرة الله السنوري، الصفحة 191، الطبعة الأولى المؤرخة في 1926 مطبعة ضياء الإسلام بربوة.
لقد كانت هذه الرؤيا بشرى عظيمة من الله تبارك وتعالى للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قبل بعثته بزمن طويل؛ أنه سيكون لله تعالى فيعطيه الله تعالى العالم كله أي يرسله إماماً مهدياً ومسيحاً موعوداً للعالم كافة. وهذا الذي حصل بعد ذلك بالفعل !
أما الاعتراض على رؤيا الله تعالى في المنام فهو جهل معتاد من خصوم الجماعة بالإسلام وتجارب صلحاء الأمة بل بأحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من باب أولى.
الحقيقة أن رؤيا المؤمن ربّه في المنام ثابتة في الحديث الشريف حيث أخرج الترمذي في سننه روايات عديدة تقول بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رأى الله ﷻ في عالم الرؤيا بأحسن صورة، وتحدث معه ﷻ، فعن معاذ بن جبل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال:
"احتبسَ عنّا رَّسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وتجوز في صلاته، فلما سلم دعا بصوته، فقال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل إلينا، ثم قال: أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت: لا أدري -قالها ثلاثا- قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي." (سنن الترمذي 5: 343، كتاب تفسير القرآن باب 39، باب تفسير سورة ص، حديث 3235. قال الترمذي بعد إخراجه لهذا الحديث: "سألتُ عن صحّته محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: هذا حديث حسن صحيح" 344)
يقول الحافظ ابن العربي المالكي -543 ه- عند شرحه هذا الحديث وتوثيقه:
"وقد كان الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني شيخ العلماء والزهاد رأى الباري في المنام، فقال له: رب أسألك التوبة ثلاثين سنة أو أربعين سنة ولم تستجب لي بعد ! فقال له: يا أبا إسحاق، إنك سألت في عظيم، إنما سألت حبنا." (عارضة الأحوذي، 12: 117)
ونقل الشعراني (طبقات الشعراني، 1: 44) وابن الجوزي (مناقب أحمد بن حنبل: 434) والشبلنجي (نور الأبصار: 248) عن أحمد بن حنبل أنه قال:
"رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب، ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك ؟ فقال: بكلامي يا أحمد، فقلت: بفهم أو بغير فهم ؟ قال: بفهم وبغير فهم.". أهـ
وقال الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني -1270 ه-:
"فأنا ولله تعالى الحمد قد رأيت ربي مناما ثلاث مرات، وكانت المرة الثالثة في السنة 1246 بعد الهجرة، رأيته جل شأنه وله من النور ما له، متوجها جهة المشرق فكلمني بكلمات أنسيتها حتى استيقظت." (روح المعاني 9: 52)
كذلك عند سلف الأمة أهل العلم والتفسير رؤيا الحق تبارك وتعالى في المنام جائزة، ومنه ما قاله الشيخ ابن تيمية رحمه الله:
".. فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا، ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس .. وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه." (بيان تلبيس الجهمية 1/325-328)
ويقول أيضا:
"وَقَدْ يَرَى الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فِي صُوَرٍ مُتَنَوِّعَةٍ عَلَى قَدْرِ إيمَانِهِ وَيَقِينِهِ؛ فَإِذَا كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا لَمْ يَرَهُ إلَّا فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ فِي إيمَانِهِ نَقْصٌ رَأَى مَا يُشْبِهُ إيمَانَهُ، وَرُؤْيَا الْمَنَامِ لَهَا حُكْمٌ غَيْرُ رُؤْيَا الْحَقِيقَةِ فِي الْيَقَظَةِ وَلَهَا "تَعْبِيرٌ وَتَأْوِيلٌ" لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ لِلْحَقَائِقِ. وَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي الْيَقَظَةِ أَيْضًا مِنْ الرُّؤْيَا نَظِيرُ مَا يَحْصُلُ لِلنَّائِمِ فِي الْمَنَامِ: فَيَرَى بِقَلْبِهِ مِثْلَ مَا يَرَى النَّائِمُ. وَقَدْ يَتَجَلَّى لَهُ مِنْ الْحَقَائِقِ مَا يَشْهَدُهُ بِقَلْبِهِ فَهَذَا كُلُّهُ يَقَعُ فِي الدُّنْيَا. وَرُبَّمَا غَلَبَ أَحَدُهُمْ مَا يَشْهَدُهُ قَلْبُهُ وَتَجْمَعُهُ حَوَاسُّهُ فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَنَامٌ، وَرُبَّمَا عَلِمَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ مَنَامٌ." (مجموع الفتاوى 3/387)
كما أن في ذلك أدلة كثيرة كالحديث القدسي الذي تلقاه نبينا المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من ربّه ﷻ وفيه يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
"إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَاتَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ". (البخاري، كتاب الرقاق)
ومن روايات الشيعة:
عن الدقاق عن الاسدي عن النخعي عن النوفلي عن علي بن الحسين عمن حدثه عن عبدالرحمان بن كثير عن أبي عبدالله عليه السلام قال:
"إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أنا علم الله، وأنا قلب الله الواعي ولسان الله الناطق، وعين الله الناظرة، وأنا جنب الله، وأنا يداللهء» (توحيد الصدوق: 154 و 155. كتاب الكافي 1/113 وكتاب "التوحيد" باب "النوادر")
كما روى شيخهم العالم العلاّم مرزا محمد تقي الملّقب بحجة الاسلام هذه الرواية نقلا من مدينة المعاجز عن دلائل الطبري: قال:
"أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون عن أبيه عن أبي علي محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن الحسين بن علي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبدالله (ع) لما منع الحسين (ع) وأصحابه الماء نادى فيهم من كان ظمآن ... ! جميع الانبياء ! ومن ورائهم المؤمنون ومن ورائهم الملائكة ينظرون ما يقول الحسين (ع) ... حتى يأتي كربلاء فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلاّ حفّوا بالحسين (ع) حتى أن الله تعالى يزور الحسين (ع) ويصافحه ويقعد معه على سرير، يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء" أهـ
ثم قال في تعليقه على الرواية ما نصه:
"يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب: هذا الحديث من الأحاديث المستصعبة !! التي لا يحتملها إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان." أهـ
إذن الأمر ثابت في الحديث الشريف وأقوال السلف، وفي الحديث الأخير شرح لطيف لهذا المعنى، فمن أحبه اللهُ كان سمعه وبصره ويده ورجله، وهذا لا يعني أن الله صار كذلك على الحقيقة بل هو تعبير مجازي، وما رآه حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كان رؤيا والرؤيا لها تأويل ولا تؤخذ على ظاهرها. وتأويلها البشرى وقد تحققت كما أُريدَ لها ولله المنة.
أما النزهة فالوحي ورد منفصلاً ونُشر كذلك في كتاب "التذكرة" بدون قصة النزهة، ولكن مجلة التقوى أدرجت ذلك بشكل كامل ولكنه في الحقيقة وحي منفصل أي تمت النزهة ثم بعد ذلك قَص المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام رؤياه. أما سورة الدهر فمعروفة وتبدأ بعد البسملة بقوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾. فهل سورة الدهر مجهولة عند المعترضين ! امر غريب
أما حكاية التمني فهي أغرب لأن (لو) هو حرف شرط غير جازم يدخل في جملة وجواب الشرط، فيفيد عقد السببية والمسببية بين جملتين بعده، ويأتي مقرونًا باللام، أو بالفاء، (لو كذا لكذا)، وهو أن يكون المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لله تعالى لكي ينال الجزاء الموعود.
فأين التمني ؟
لقد ورد حرف (لو) في قوله تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
أي أن شرط الثواب هو الإيمان والتقوى، وليس معناه أن الله تعالى يتمنى ذلك !
يبدو أن المعترضين بحاجة لدورة بأسس العربية ولا عيب في ذلك بالطبع، ولكن العيب هو الاعتراض بجهل وتسرع. سلمنا الله وإياكم اللهم آمين
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
مسلم لله
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.