المعلوم من الدين بالضرورة
في كلمات مبهمة فضفاضة عرّف كثير من الفقهاء المسلمَ بأنه من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولم ينكر معلومًا من الدين بالضرورة.
والمشكلة في أنهم لم يحددوا لنا ما هو المعلوم من الدين بالضرورة، بل اكتفوا بضرب أمثلة لا خلاف في أنها من المتفق عليها عند كل مسلم. ولكنهم، لم يتطرقوا إلى أي مثال من الأمور الحساسة التي اختلف الفقهاء في التكفير بناء عليها.
والمعنى أن تعريفهم لم يُفِد شيئا، لأن أهمية التعريف -أي تعريف- في أنه يوضح حدود الاصطلاح الواجب فهمه. أي أنه يبين ما هو داخله وما هو خارجه. أما أن يزيد في فضفاضيّته، أو أن (يفسر الماء بعد جهد بالماء)، فهذا لا قيمة له.
إن المسلم هو من أعلن قبوله بالانتساب للدين الذي جاء به محمد r من عند ربه. وهذا يتضمن أن يشهد لله بالوحدانية وللرسول محمد r بالرسالة، وللقرآن بوجوب الاتباع. فإذا أنكر شيئًا من هذا فإنما أعلن خروجه من هذا الدين. وأما إن فسّر شيئا بطريقة خاطئة، فليس هذا منه بإعلان خروج.
لذا من وصله أن كبار الصحابة كفروا، أو أن عليًّا هو وصيّ النبي r وأنه معصوم فيما يبلغ عن ربه، وأن هنالك أحد عشر إمامًا معصومًا بعده، فلم ينكر الإسلام. ومثله من أنكر وفاة المسيح وظنّ أنه في السماء، ومثله من أنكر نـزول المسيح، أو من فسّر نـزوله بمجيء شخص شبيه به. ومثله من قال إن المسيح لم يُعلّق على الصليب، أو قال إنه علّق ولم يمت.
بمعنى آخر، فإن أي تفسير ظنّه صاحبُه صحيحًا، فلا يُعتبر خروجًا من الدين، مهما كان هذا التفسير بعيدًا وغريبًا وشاذًّا.. المهم هو قناعة صاحبه به والتي لا نعرفها إلا من ادّعائه، وليس بالكشف عن قلبه.
لذا فلا مبرر لتعريفهم المسلم بأنَّه من لم يُنكر معلومًا من الدين بالضرورة، ليس لأنهم لم يحدّدوا لنا هذا المعلوم من الدين بالضرورة فقط، بل لأنه لا مبرر له، فمن دخل الإسلام، فلا نتوقع منه تعمّد إنكار أي شيء منه مع استمراريّته في إعلانه الانتساب إليه. إن هذه مسألة بدهية، فما دام المرء ينكر شيئًا من دين، فلا يمكن أن ينتسب إليه، لأن الدين من عند الله، وهو لا يحتمل الخطأ، فإن قال رجل بوجود خطأ فيه، فقد أنكر كونه من عند الله، وبالتالي فقد أعلن خروجه منه ولا بدّ.
إن تعريفهم هذا استُخدم أداة لإرعاب المفكرين والمجددين عبر التاريخ، بحيث ظلّ أداة قاسية بيد الغالبية لتضطهد الأقلية. وقد حدثنا التاريخ أمثلة كثيرة حول ذلك فالمعتزلة عندما كانوا حكامًا- قتلوا عددا من أهل الحديث بعد تكفيرهم بسبب عدم قولهم بخلق القرآن، أي لإنكارهم (شيئا معلومًا من الدين بالضرورة). وحين حكم أهل الحديث قتلوا المعتزلة بسبب قولهم بخلق القرآن، أي لإنكارهم (شيئا معلوما من الدين بالضرورة) كذلك. وفي المناطق السنية اضطُهد الشيعي وقُتل لإنكاره معلومًا من الدين بالضرورة، وفي المناطق الشيعية لا بدّ لهم أن يُكفّروا من أنكر الإمامة والوصية والغيبة باعتبارها من المعلوم من الدين بالضرورة.
ولم يكتفوا بتكفير من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، بل أضافوا إليه من أنكر أي شيء بعد إقامة الحجة عليه، ثم لم يوضحوا لنا كيف تُقام الحجة على شخص! وهل إعلانُ فلانٍ أنه أقام الحجة على علانٍ يوجب علينا تصديقه؟ وكيف إذا أعلن كلُّ شخصٍ أنه هو مَنْ أقام الحجة على الآخر؟ وكم عدد المرات التي أقامت فيها الفِرق المختلفة الحجةَ على بعضها باعتراف الناس؟ ألا يخرج الناس بعد كل مناظرة مُجمعين على صحة رأي مُمثلهم، وبطلان حجة الطرف الآخر وتفنيدها وإقامة الحجة عليه؟ هذا كله على فرض أنهم كانوا يسمعون ما يدور، فكيف والحال أن جهدهم يكون منصبًّا على إسماع الآخرين من غير أن يسمعوا ما عندهم!
من هنا فيجب العمل على إلغاء التعريف التقليدي للمسلم، والعمل على تقديم تعريف آخر، ألا وهو: كل من أعلن أنه ينتمي للدين الإسلامي. لأن من أنكر (معلومًا من الدين بالضرورة) بشكل حقيقي، فإنه يعلن خروجه من الدين.
إن ضبابية تعريفهم التقليدي هي التي فتحت باب التكفير على مصراعيه. ثم أنتجت شخصيات قلقة متوترة كارهة شكاكة ظانَّة ظنّ السوء. فلنوقن أن دين الله محفوظ بحفظ الله، وليس بخوفهم المزعوم!
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.