الرد على مقال الأستاذ صبحي منصور "الصلاة على النبي"
بـسـم الـلّـه الـرحـمـن الـرحـيـم
والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
في مقال بعنوان "الصلاة على النبى" استهل الأستاذ صبحي منصور كلامه بالنص التالي:
"حين يقال " النبى " فالمقصود دائما لدى المسلمين هو النبى محمد فقط ، وحين يقال الرسول فهو محمد لا غير . وإذا قيل الصلاة على النبى فالمفهوم أنها عبادة وتقديس للنبى محمد ، أى صلاة له وليس صلاة عليه . ومن المتعذر أن يذكر شخص أسم النبى محمد دون أن يقول " صلى الله عليه وسلم " ولابد أن يتسابق السامعون فى قول " صلى الله عليه وسلم " بكل خشوع وخضوع إذا سمعوا اسم النبى محمد".
الرد :
إن كل مسلم على وجه الأرض يسلّم على النبيين كافة عند ذكرهم امتثالاً لقول الله تعالى عن الأنبياء بأسماء بعضهم {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ } (الصافات 80) و قوله {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (الصافات 110) وقوله {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } (الصافات 121) و {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} (الصافات 131)، وكذلك قوله عز وجل عن الأنبياء بشكل عام {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} (الصافات 182). كما أنه يصلّي عليهم لقول الله تعالى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (الأحزاب 44)، فإن كان الله تعالى يصلّي على المؤمنين فالأنبياء أولى بذلك بداهة لعلو شأنهم ومكانتهم ودرجتهم كما قال الحق جل وعلا {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (النساء 70) فالنبيون هم الأعلون في درجات الرقي الروحي، وهكذا فالمسلم لا يقصد بسلامه وصلاته نبياً من الأنبياء وإن كان الأمر في التسليم أوضح من الصلاة عليهم كما تقدم. فالسلام والصلاة على النبيين هي للعموم كما هي للمؤمنين حيث أن الأنبياء هم خير المؤمنين بربهم جل وعلا.
أما فيما يخص قوله أن المسلم لا يقصد بقوله "صلى الله عليه وسلّم" إلا النبي محمد عليه الصلاة والسلام فالأمر واضح من الله تعالى بتخصيص الصلاة على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب 57) انتهى... ولا يختلف أحد غير الأستاذ الجليل صبحي منصور على هوية النبي المقصود في هذه الآية، وذلك لعدم أخذه بالسياق القرآني وإنكاره لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإننا أن قرأنا سورة الأحزاب من بدايتها وصولا الى الأمر بالصلاة على النبي فإننا لا نجدها تتحدث عن غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث نجد أن الله تعالى يخاطب حضرته بتوجيهات خاصة به وبأزواجه وبضمير المخاطب "منك" و "أزواجك" كما أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صريحا في هذا السياق {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب 41). فإهمال السياق القرآني من مؤدّاه ما يقول الأستاذ منصور وما شابه.
أما عبارته "فالمفهوم أنها عبادة وتقديس للنبى محمد ، أى صلاة له وليس صلاة عليه ".. فهي لا تستحق الرد لأنها غير واقعية فلا يقول مسلم عن النبي الأكرم "صلى الله إليه وسلم" بل "صلى الله عليه وسلم ويقصد البركة والرحمة من الله تعالى له ولأمته، بالإضافة الى أن نبرة الأستاذ تنم عن سوء فهم واتهام، فهو يتّهم المسلمين بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله وهذا لا يقرّه ذو لب. المسلم يتبع أمر الله تعالى بالصلاة على نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم فلا يفلسف الأمر أو يقتلعه من سياقه وهذه مشكلة كل من يعص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إن عبارة "ومن المتعذر أن يذكر شخص أسم النبى محمد دون أن يقول " صلى الله عليه وسلم " ولابد أن يتسابق السامعون فى قول " صلى الله عليه وسلم " بكل خشوع وخضوع إذا سمعوا اسم النبى محمد . "انتهى، قد سبق وأجبنا عليها فلا داع للتكرار إلا ان نضيف أن المسلم يعمل كما أمر الله تعالى ولا بد أن يتسابق الناس في عمل الخير وكل أمر من الله سبحانه هو خير، فما دام تعالى أمر بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد من ذلك بل والتسابق عليه كما قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } (فاطر 33)، وقوله {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين 27)، و قوله تعالى {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران 115).
يقول الأستاذ منصور :
"لذلك لا ينبغى للمسلمين ان يغضبوا إذا وصفهم الغرب بانهم ( محمديون ) فذلك وصف دقيق يعبر عن أديانهم الأرضية التى تدور وتتمحور حول محمد بنفس ما تتمحور عقائد النصارى حول المسيح فأصبحوا (مسيحيين ).
ولكن يظل الفارق فى أن المسيحيين يفخرون بهذه الصفة ، ويرونها متسقة مع عقائدهم ، بينما يأنف المسلمون من وصف (المحمديون ) مع أنهم محمديون أسلموا عقائدهم لإله وهمى اسمه محمد ، فهو الذى يشفع فيهم ويدخلهم الجنة و يخرجهم من النار ، وهو الذى تعرض الملائكة أعمالهم عليه وهو فى قبره ، لذا فقد بات أهم أمنية لكل (محمدى ) متدين أن يحج الى قبر محمد وأن يتمسح بشباكه وأستاره طالبا الغفران ونعيم الجنان.
ويوم القيامة سيحمل مفاجأة أليمة للمحمديين ،فلن يأتى الرسول محمد عليه السلام شفيعا فيهم ولكن سيأتى خصما لهم جميعا يتبرأ منهم وينكر عليهم أنهم اتخذوا القرآن الكريم مهجورا ، وبأنهم أعدى أعدائه الذين عبدوه رغم أنفه : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان ـ 03 ـ ). "
الرد :
على العكس، فالمسلم لا يغضبه أن ينتسب الى محمد صلى الله عليه وسلّم بل يسرّه ذلك كل السرور ومن يغضب لذلك فهو غير صائب في ذلك الغضب البتة، إذ أن الله تعالى يأمر باتّباع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأَعراف 159)، وقوله تعالى {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} (التوبة 42)، وقوله تبارك وتعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران 32). مما سبق يتبيّن أن كل مسلم لله تعالى مأمور باتّباع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يغضب من ذلك إلا الذي يعص الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام. إن كل محب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يتشرّف بنسبته إليه لا العكس وخير دليل على هؤلاء هم المسلمون الأحمديون الذين يفتخرون بنسبتهم الى محمد صلى الله عليه وسلم حتى سمّوا بإسمه الكريم.
أن وصف الأستاذ منصور رعاه الله للمسيحيين بفخرهم أنهم مسيحيون أمر صحيح بل هذا الإسم أطلق عليهم أولا في زمن بولس الرسول كما يلي : ( ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ.26 فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعًا غَفِيرًا. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً ) (أعمال الرسل 11:26). لذلك فلهم الحرية في ما يسمّون به انفسهم. أما المسلمون فكما بيّنا يفخرون كل الفخر بانتماهم الى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلّم وخير مثال على ذلك كما سلف هم الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمّى بإسم النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم.
قول الأستاذ منصور "أسلموا عقائدهم لإله وهمى اسمه محمد"... هذا القول فيه تجنّ عظيم على المسلمين، فمن من المسلمين يؤلّه محمدا عليه الصلاة والسلام؟ انما الإله الوهمي هو الذي عطل عن الكلام والوحي وإرسال الرسل وليس الله تعالى الحي الذي يأمرنا بالصلاة على نبيه وطاعته باعتباره خير من طبّق كلام الله عز وجل، وهو إله متكلّم ومنزل للوحي مرسل الأنبياء لا تتعطل صفة من صفاته تبارك وتعالى.
فيما يخص الشفاعة وقول السيد منصور "فهو الذى يشفع فيهم" : يقول الله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (البقرة 256)، وقوله تعالى {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (طه 110)، وقوله تعالى {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ 24) فثبت أن الله تعالى يأذن للنبي أن يشفع عنده وليس الأمر تأليها للذي يشفع عند الله تعالى للمؤمنين والناس أجمعين.
يقول الأستاذ منصور "ويدخلهم الجنة و يخرجهم من النار ، وهو الذى تعرض الملائكة أعمالهم عليه وهو فى قبره ، لذا فقد بات أهم أمنية لكل (محمدى ) متدين أن يحج الى قبر محمد وأن يتمسح بشباكه وأستاره طالبا الغفران ونعيم الجنان."انتهى... نقول لعل أستاذنا الفاضل يخاطب فئة أو طائفة وهمية من المسلمين، فلا يوجد مسلم يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الناس الجنة أو النار ولعل الأستاذ اساء فهم الشفاعة وحسبها شرك بالله تعالى، فالشفاعة جائزة لمن ارتضى الله سبحانه وأذن له كما نص القرآن المجيد. إن من أهم العوامل التي تدفع الى مثل هذا السوء من الفهم هو الاعتقاد ببقاء وأزلية النار، حيث تغلغل هذا المفهوم الفاسد الى الفكر الإسلامي قادما من عقيدة الكتاب المقدس وبحيرة النار والكبريت التي لا يخرج منها أحد الى الأبد، فالقرآن الكريم لا ينص على ذلك مطلقاً بل يؤكّد على فناء النار وشفاعة المؤمنين، ففيم يشفعون إن لم يكن من النار والعقاب؟ أما عرض الأعمال عليه في قبره فهي استعارات ومجاز يرفضها الأستاذ الفاضل على ما يبدو. وبالنسبة للحج فهو مفروض بأمر من الله تعالى وقد تواتر عمليا كما تواترت الصلاة والعبادات والتي ينكرها الأستاذ الجليل. أما التمسح بالقبر كما يقول فهو غير جائز عند جمهور المسلمين وهي عادة خاطئة لا يجب أن تعمم بإطلاقها مع إباحة زيارة روضته الشريفة لا للتعبد بل للتأمل وتذكّر هذا النبي العظيم الذي جاء بالإسلام الكامل كما يتذكر الإبن أباه.
يقول الأستاذ منصور : "ويوم القيامة سيحمل مفاجأة أليمة للمحمديين ،فلن يأتى الرسول محمد عليه السلام شفيعا فيهم ولكن سيأتى خصما لهم جميعا يتبرأ منهم وينكر عليهم أنهم اتخذوا القرآن الكريم مهجورا ، وبأنهم أعدى أعدائه الذين عبدوه رغم أنفه : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان ـ 03 ـ )."
الرد :
الحمد لله، ها أنت تقول عنه على الأقل عليه السلام ولا أدري لم لا تقول صلى الله عليه وسلم ما دام الله تعالى أمرك بذلك؟ المهم، أن الأستاذ منصور نصّب نفسه قاضياً برفضه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للناس بل وحكمه عليهم أن الرسول الكريم سيتبرّا منهم عن بكرة أبيهم وكأن الأستاذ منصور اتخذ عند الله عهدا ! ثم يعود الى نبرته الإتهامية بعبادة المسلمين الذين يطلق عليهم المحمديين تنابزا بالألقاب أو تكفيرا ولا نميل الى ذلك بعبادتهم المزعومة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف ما علاقة شعيرة الحج والشفاعة بعبادة النبي؟
يستشهد الأستاذ منصور بآية ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) ( الزمر 43 : 45 )... ثم يشرح قائلاً : "أرجو من القارىء الكريم أن يتدبر قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) فسيراها تنطبق على المحمديين الذين لا يؤمنون بالاخرة كما جاءت فى القرآن الكريم ."
الرد :
إن استدلال الأستاذ منصور لا يخدمه على الإطلاق، فالذي لا يؤمن بالآخرة ويشمئز من ذكر اسم الله تعالى وتوحيده ويرجو شفاعة غيره ليس مسلما بل هي صفة الذين قالوا اتخذ الله ولدا والذين يعبدون من دونه آلهة وليس المسلم الذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. إن الشفاعة لله تعالى وليس لغيره وهو الذي يأذن لمن ارتضى أن يشفع ويدعو الله تعالى لقومه وهذا في الدنيا حيث يدعو المرء لأخيه بالجنة فما بالك بالآخرة ؟ إن الإستدلال ليس موفقا بالمرّة.
يقول الأستاذ منصور "ومن عجب أن الأمر بالصلاة على النبى محمد جاء مرة واحدة فى القرآن ـ وبمعنى مخالف لما يعتقده المحمديون فى اديانهم الأرضية"انتهى... ولماذا هذا التسرّع في الحكم على الناس باتهامهم بالوثنية؟ نقول أن الصلاة على النبي التي لا تقر بها أتت مرة واحدة وهي كافية، فإذا كنت تعتبر التكرار هو لمجرد التأكيد فهو اعتبار غير صائب حيث أن السياق القرآني يذكر الأمر أحيانا للعبرة و ضرب المثل ولا يحتاج الله تعالى لملء كتابه بالأوامر المكررة ليُشعر القاريء أنه يؤكد على ذلك الأمر بالذات وإلا فما معنى قول الله تعالى لمرة واحدة {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (النساء 95) ؟ هل يصح أن نقول عنه : "ومن عجب أن الأمر بالنهي عن انكار الإيمان على الذين يلقون السلام جاء مرة واحدة فى القرآن ـ وبمعنى مخالف لما يعتقده القرآنيون فى دينهم الأرضي" ؟ هذا الإستدلال أقل ما يقال عنه أنه لا يصح كما تبيّن.
لن نتطرق الى موضوع التسبيح فهو جلي لكل مسلم يسبح الله تعالى بكرة وعشيا.
يسترسل الأستاذ الفاضل قائلا : "والمفهوم لدى المحمديين أن الصلاة نوعان ، فرض لله تعالى وهى الصلوات الخمس ، ثم صلاة سنة وهى صلاة تطوعية يقدمونها للنبى محمد ، وهم يستعملون مصطلح سنة فى التعريف بهذه الصلاة غير المفروضة ."انتهى... وهذا غير صائب أيضا للأسف، فالمسلم لا يعتبر الصلاة النافلة التي وصلت إليه بالسنة العملية من غير الفروض لا يعتبرها موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم بتاتا، وإذا كنت تقصد الصلاة على النبي فهي ليست سنّة ولكن أمر إلهي كما سبق شرحه.
أما قول الأستاذ "وكل الأوامر التى جاءت للنبى محمد عليه السلام باقامة الصلاة ـ أى عدم الوقوع فى المعاصى بعد أداء الصلاة ـ و بأداء النوافل والتسبيح ـ كلها موجهة أيضا لكل مؤمن مسلم ."انتهى... فالرد عليه هو أن الأوامر الموجهة الى الناس جميعا لا تقتضي أن يكون الكل متساوون في تنفيذ تلك الأوامر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وقدوة للناس أجمعين {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (الأَنعام 91) و {خاتم النبيين} أي أفضلهم و {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الأحزاب 47) و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } (الكوثر 2) اي الكثرة من كل خير وهدى، وأضف الى ذلك الأوامر العديدة باتّباع النبي وطاعته، فهو المطبّق لشرع الله تعالى خير تطبيق وعلى أكمل وجه. الواقع أن القدوة الصالحة هي ما ينقص الإخوة منكري السنّة أو ما يطلقون على أنفسهم بالقرآنيين، حيث أن القدوة يكون خير مثال للوصول الى العمل بأوامر الله سبحانه ونواهيه.
يتكلم الأستاذ الفاضل عن مسألة صحيحة حول التفريق بين الصلاة على والصلاة إلى، ولكنه عاد للأسف الى إطلاق لفظ العبادة للرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول : "ووضعت الأحاديث فى تسويغ هذا الحج للقبر"، ولا أعلم أي حديث يقول بالحج الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام ليست من العبادة فأركان الحج هي : الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، وعدَّ الشافعية أيضاً الحلق أو التقصير ركناً من أركان الحج. وأما واجبات الحج فهي: الإحرام من الميقات، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمرات، والمبيت بمنى أيام التشريق، والوقوف بعرفة جزءاً من الليل، والحلق أو التقصير، وطواف الوداع. ولا أدري كيف يعتبر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حجاً !؟
ثم يتكلم الأستاذ منصور عن السلام على الأنبياء ويقرنه بالسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كونه أحد الأنبياء وكأنه نسي أن الله تعالى أمر بكل وضوح بالصلاة عليه بشكل خاص وهو شأو عن العبادة حيث يعترف الأستاذ أن الصلاة على النبي هي طلب الرحمة والبركة والمغفرة وليس العبادة، ولا يوجد مسلم أو محمدي حسب قول أستاذنا الفاضل يصلّي للنبي عليه الصلاة والسلام. الذي اختلط على الأستاذ هو مصطلح السلام والتسليم حيث يقول "فالسلام غير " التسليم " ، السلام تحية ، أما التسليم فاعتقاد فى الله جل وعلا واستسلام له . وهذا هو معنى الاسلام فى العقيدة ، يقول تعالى يأمر خاتم النبيين : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ( الأنعام 162 ـ ) وعن ارتباط التسليم بالايمان الاعتقادى يقول الله جل وعلا يصف بعض الصحابة فى غزوة الأحزاب : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) ( الأحزاب 22 ) فالتسليم هنا مرتبط بالايمان ."... نقول بأن الأستاذ أصاب، ولكنه لم يصب كل الحقيقة حيث أن السلام والتسليم يعنيان أيضا نفس المعنى كما في قوله تعالى "وسلّموا تسليما" فالتسليم هنا هو السلام ويفرّق بينه وبين السلام والتسليم التي تتلوها أداة ( على ) ! كما أننا نجد في معاجم اللغة الجذر اللغوي للسلام، ففي لسان العرب ورد لفظ السلام او سلم كالآتي :
( وسَلَّمَهُ اللُّه تعالى منها تَسْلِيماً.
وسَلَّمْتُهُ إليه تَسْلِيماً فَتَسَلَّمَهُ: أعْطَيْتُهُ فَتناوَلَهُ.
والتَّسْلِيمُ: الرِّضا، والسَّلامُ.
وأسْلَمَ: انْقادَ، وصارَ مُسْلِماً،
كتَسَلَّمَ،
وقرأ أبو عمرو: "ادْخُلوا في السِلْمِ كافَّةً" يذهب بمعناها إلى الإسلام.
والسلْمُ الصلحُ، يفتح ويكسر، ويذكِّر ويؤنث.
والسِلْمُ المُسالِمُ. تقول: أنا سِلْمٌ لمن سالمني.
والسَلامُ: السَلامَةُ.
والسَلامُ: الاستسلامُ.
والسَلامُ: الاسمُ من التسليم.
والسَلامُ: اسمٌ من أسماء الله تعالى..
والسَلامُ: البراءة من العُيوبِ)
فقد أغفل أستاذنا الجليل أداة ( على ) المضافة التي تتلو التسليم والتي تفصل في الموضوع.
نواصل عرض حديث الأستاذ منصور الذي يقول " المساواة بين النبى و المؤمنون ،فالله تعالى يصلى هو وملائكته على النبى وعلى المؤمنين ، ولنضع قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) فى مقابل قوله جل وعلا (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) لتجد التساوى.
و جاء الأمر للمؤمنين بالصلاة على النبى فى هذه السورة (الأحزاب )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وجاء الأمر للنبى محمد بأن يصلى على المؤمنين فى سورة التوبة ؛ يقول تعالى يأمر النبى محمدا عليه السلام متحدثا عن نفر من المؤمنين من الذين خلطوا عملا وصالحا وآخر سيئا ، ويريدون التوبة : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( التوبة 103 ).
ويستنتج الأستاذ منصور من ذلك كما يلي :
"والمستفاد هنا هو التساوى بين النبى والمؤمنين ، فالله تعالى يصلى هو وملائكته على النبى على المؤمنين ، ويأمر الله تعالى المؤمنين بالصلاة على النبى ، كما يأمر النبى محمدا ـ فى حياته ـ بأن يصلى على المؤمنين ."
الرد :
إن الخطأ الذي وقع فيه السيد منصور هو اعتباره الآية (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( التوبة 103 ) اعتباره إياها قاصرة على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فلمّا مات صارت مجرّد خبر ! الحق أن كل آيات القرآن الكريم عاملة الى الأبد وهي إن كانت موجّهة للنبي صلى الله عليه وسلم فهي للمؤمنين أيضا، فلا يصح الاستدلال بأن الأمر كان يخص النبي في حياته إذ أنها تكون معطّلة لكلام الله سبحانه وتعالى. أن الآية تأمر المؤمنين أن يطلبوا المغفرة، والبركة لبعضهم بعضا ولكننا نجد في سورة الأحزاب أمرا للمؤمنين كافة {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب 57)، أي أن الله تعالى وملائكته يصلون بالترحمات والبركات والتزكية لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ثم الأمر الواضح للمؤمنين بالصلاة والتسليم ( عليه ). الأمر واضح ولا ريب فيه أنه أمر من الله تعالى ولا أدري لم لا يقول الأستاذ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ويكتفي ب (عليه السلام) رغم الأمر الواضح بالصلاة والسلام عليه ! أن تساوي النبي عليه الصلاة والسلام معنا هو في كونه بشرا مثلنا وليس من نوع آخر، ولا يقصد بالتساوي السواء الروحي والمقامي فالله تعالى شرّفه على جميع الخلق كما بيّنا آنفاً، كما أن الله تعالى يقول عن الرسل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة 254)، فإذا كان الرسل مفضلون على بعضهم بالدرجات فكم بالحري عنا نحن ؟ وكم بالحري النبي صلى الله عليه وسلم الذي {دَنَا فَتَدَلَّى (9) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } (النجم 9-10) ؟
نترك الأستاذ يسترسل في تفصيل الصلاة على المؤمنين لأنه صحيح ولا نختلف في ذلك إلا ما وضّحنا سابقا، ألا أن السيد منصور يعود أخيراً للقول بأن التسليم غير السلام والذي بيّنا عدم جدواه إذ يمكن الأخذ بالمعنيين على حد سواء فلا يتعارض السلام على النبي مع الطاعة.
يقول الأستاذ منصور أعانه الله "ولكن المحمديين يصممون على ان النبى محمدا لايزال يعيش فى قبره ولا يزال يستغفر لأمّته حيث تعرض عليه أعمال الناس فيستغفر لهم ويشفع فيهم ..أى يحكمون على النبى محمد أن يظل مسجونا فى حفرة تحت الأرض وتحت أقدام الناس القادمين للتبرك به ،وأن يظل يعمل 24 ساعة يوميا فى مراجعة أعمال بلايين المسلمين ، وأن يعمل وحده دون سكرتارية ومساعدين ، وكل ذلك كى يستغفر لهم .!!. ولذلك يقول المحمديون (يا بختنا بالنبى ) . وشر البلية ما يضحك .."
الرد :
إذا كان ثمة من يعتقد بذلك فلا حرج على السيد منصور مذهبه هذا، إذ أنه من العبث افتراض أن إنسانا مات قبل ما يزيد على الألف عام يعيش في قبره ويقوم بكل ذلك مما يقوم به البشر وهم فوق الأرض فيكون بذلك دونهم وتحت أقدامهم، ولكن ما لا يجب أن يكون هو إسقاط الفهم السطحي للأحاديث عليها جملة وتفصيلاً وإلغائها من الأصل، والصواب تأويلها بما يتّفق مع القرآن الكريم والعقل ولابد أن لها سياقاً كما أن للآيات القرآنية سياقها الذي غالبا ما يقتطع منه المغرضون عبارات يراد بها التشبيه على الناس في أمور دينهم. إذا أخذنا الحديث على أنه استعارة ويشتمل على محذوف فلا يتعارض مع أي من المسلّمات الإسلامية فيكون معناه أن الله تعالى كأنه يرد الروح الى النبي عند الصلاة عليه كما يقول الله تعالى عن الذين قتلوا في سبيله أحياء ويرزقون بينما يعرف الكل أنهم ماتوا وربما تقطعت أجزائهم فلا يعرف لهم قبر.
ننتقل الآن الى مسألة هامة في حديث الأستاذ منصور، حيث ذكر في شيء من التفصيل بأن القرآن الكريم هو الرحمة التي تستمر حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر صحيح مئة بالمئة ولا غبار عليه. ما يسترعي الإنتباه هو أن الأستاذ يحاول أن يوحي أن لا أهمية للسنة ولا الأحاديث ولا أخاله يجهل الفرق بين الإثنين فالسنة كما لا يخفى هي التطبيق العملي للقرآن الكريم على أحسن صورة، وما دام الله تعالى أمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فلابد أن الأمر ممتد حتى بعد وفاته، فكيف نطيعه ؟ إن السنة أي الطريقة كما اتّضح هي التطبيق الفعلي للقرآن الكريم وتفصيل مجمله، يقول الله تعالى {َرسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (البقرة 130)، فلابد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم الناس كتاب الله العزيز ويشرح لهم بالتوضيح ما جاء فيه بتأييد من الله العلي القدير وذلك ما نسمّيه السنة فهي تعاليم القرآن الحكيم بشرح رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتأديتها الأداء العملي الذي يجب أن يكون مصحوباً بالكلام وليس الإشارة فقط. إن ما وصل إلينا من تواتر في أداء العبادات التي ورد ذكرها في القرآن المجيد لهو خير دليل على أن السنّة هي الصورة العملية لتعاليم القرآن الكريم. أما الأحاديث فهي روايات عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد تصح وقد لا تصح، والمهم قِرانها بالقرآن الكريم فأن وافقته ولم تخالفه فهي صحيحة بداهة، وإن لم تفعل فلا يؤخذ بها بل يجب بذل الجهد في محاولة تأويلها بما يتّفق مع كلام الله عز وجل. الواقع أن الله تعالى قد وضع لنا منهجا دقيقا في رفض وقبول الحديث فيقول سبحانه {َفبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (المرسلات 51) أي بأي حديث خلاف القرآن يؤمنون ! فما خالف القرآن المجيد لا يجب الأخذ به وهذا هو المنهج السليم، حيث أن تضييع هذه الثروة العظيمة يبعد الإنسان عن الدين ويجعله يعيش في جو بعيد عن الروحانية والرقي بل أقرب ما يكون الى الآلة الميكانيكة لا الإنسان الربّاني الذي يأخذ بكل شيء ويعمل عقله وفق القاعدة الإلهية العظيمة، فلا يقصد بالحديث ما جاء في البخاري ومسلم ولا في الصحاح الستة فحسب بل كل حديث في الكتب اللاحقة وما يرد في الأديان الأخرى أيضا مادام لا يصطدم مع القرآن الكريم.
إن المتسلّح بالعلم والمعرفة الحق لا يهاب الخوض في أي حديث لأنه يعلم جيدا أن القرآن الكريم هو القاضي وهو الحكم وهو المرجع فوق كل كتاب وقول.
ثم يتطرّق الاستاذ الى مسألة الصلاة على النبي ويقارنها بمضادها أي إيذاء النبي من قبل المنافقين وهو ما نراه صحيحاً أيضاً ولا نختلف حوله. الحق أن هذا الكلام هو حجة على منكري السنّة إذ أنهم من جهة لا يصلّون على النبي ومن جهة أخرى يقرّون أن الصلاة عكس الإيذاء، وحيث أن النبي صلى الله عليه وسلّم يتعرض الى اساءات متكررة في أيامنا هذه فالواجب أمام ذلك هو الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإبراز صورته الطيبة للعالم ليعرفوا قيمة هذا النبي الذي أنكروه بلا هدى ولا كتاب منير وهو ما لم نسمعه من أي أخ منكر للسنّة.
يعود السيد منصور الى الحديث عن تأليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما فنّدناه آنفاً ولا داع إلا بالتذكير بالأساس القرآني المتين {َفبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (51)} (المرسلات 51)، حيث يضع لنا قاعدة صلبة للتعامل مع الأحاديث أيا كانت ولا داع ألبتة لاعتبارها مصيبة المصائب وسبب تأليه النبي وانحراف الأمة. أي حديث ولو أتى من كتب الهندوس نعرضه على القرآن الكريم ونقارنه بكل دقة، فإن أبى إلا الشذوذ فلا اعتبار له ولا قيمة بل تتحول القضية من بحث الى دعوة للحق بالحكمة والموعظة الحسنة.
ثم يذكر الأستاذ الفاضل عدد من الأحاديث الواهية للإستدلال على نفي الأحاديث بجملتها، ونحن نقول أن القاعدة القرآنية ترفض مثل هذه الأحاديث لأنها تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتحث على السوء لذا فلا يعتد بها، فالأساس قائم وهو القرآن المجيد الذي لا يزيغ عنه إلا هالك. الواقع أن الصلاة على النبي هي بالقول والعمل وليس القول وترك العمل، أما بالقول فهو الإقرار بالصلاة عليه كما علّما ربنا تبارك وتعالى، وأما بالعمل فبإبراز محاسن النبي صلى الله عليه وسلّم إذا ما تعرّض إسمه ودينه الى الإيذاء فتكون الصلاة قولا وعملا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مسلم لله
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.