ما الحكمة في ذكر اسماء الرسل والانبياء تباعا في الايات 84 و85 و 86 من سورة الانعام حيث ذكر اسحاق في بداية الترتيب واسماعيل في زمرة اخر الترتيب وهل في ذلك علاقة بما ذكر في اخر الاية 83 من نفس السورة ؟
الجواب :
جاء في التفسير الوسيط عند تفسير هذه الآيات: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (الأنعام 84-86)
"خبر هذه الآية والآيات التالية أن "إبراهيم" عليه السلام لم يكن وحده فحسب بل إن أنبياء آخرين أيضًا قد ناهضوا الشِرك. تذكر الآية الكريمة التي نحن بصددها نسل "إبراهيم" عليه السلام حتى الجيل الثاني، فتحدثت عن ابنه "إسحاق" وحفيده "يعقوب أو إسرائيل" أما "إسماعيل" -الإبن الأكبر- فقد جاء ذِكره ضمن مجموعة منفصلة (الآية 87 فيما بعد) وليس بشكل ثانوي تحت "إبراهيم" عليه السلام.
من الملاحظ في هذه الآية والآيتين التاليتين أن الأنبياء من ذرية "نوح" عليه السلام قد قُسِّموا على 3 مجموعات وأُضيف لكل مجموعة منها وصف منفصل. المجموعة المشار إليها في هذه الآية تضم "داود وسُليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون" وهم أنبياء أعطاهم الله السُلطة والثروة ومن ثمَّ استطاعوا أن يفعلوا الخير من أجل الإنسانية ولهذا لُقِّبَ أنبياء هذه المجموعة بـ"المحسنين" لأنهم بسلطانهم وثرواتهم قد فعلوا ما فيه الخير للناس. لقد كان داود وسليمان ملوكًا؛ ويوسف وأيوب كانا ذوي ثروة كبيرة بعد ابتلاءهما وتحملهما المحن بصبر عجيب؛ أما موسى وهارون فكانا ذوي سلطان عظيم بين قومهم.
تتكون المجموعة الثانية (الآية 86) من "زكريا ويحيى وعيسى وإلياس"، لم يكن لأحدٍ منهم سُلطة مدنية أو وفرة دنيوية، وعاشوا حياة متواضعة من الناحية المادية وبسيطة حتى أنه قيل عن "إلياس" أنه نادرًا ما كان يُرى وأنه بوجه عام كان يعيش في الغابات. لذا تميزت هذه المجموعة بكونها "الصالحين" كما جاء في الآية 86. كان "زكريا ويحيى وعيسى" معاصرين لبعض، أما "إلياس" فرغم أنه لم يكن معاصرًا لهم إلا أنه كان يشابه إلى حد كبير "يحيى" قوة وروحانية لذا وضع ضمن هذه المجموعة.
تتكون المجموعة الثالثة (الآية 87) من "إسماعيل واليَسَع ويُونُس ولوط"، وهم أيضًا لم تكن لهم سلطة دنيوية ولكن أنعم الله سبحانه وتعالى عليهم وفضَّلهم. هناك زعم ضدهم أنهم قد تمنوا ما للغير من قوة وثروة؛ فالتوراة تقول عن إسماعيل "وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ" (سِفْرُ التَّكْوِينِ 16 : 12). أما التلمود فإنه يزعم أن إسماعيل سار مبتهجًا خلف أبيه إبراهيم عندما أخذ إسحق ليضحي به لأنه سوف يرث كل الأراضي والقطعان. وقيل عن اليَسَع أنه تسبب في ذبح ملك لم يطعه من أجل الحصول على نفوذ سياسي. أما يونس فقيل أنه غَضِب من الله لأنه أخزاه فلم يحقق نبوءته التي تنبأ بها إظهارًا لسلطانه. وزُعِمَ عن لوط أنه اشتهى الأراضي خصبة المرعى المملوكة للغير وكان دائم الشجار مع قريبه إبراهيم. مما سبق يتبين أن كل هؤلاء الأنبياء قد اتُهِموا برغبتهم فيما لدى الغير من ثروة وقوة، ولكن أعلن القرآن الكريم أن كل هذه التُهم باطلة غير صحيحة وأن هؤلاء الأنبياء كانوا زمرة من الربانيين أنعم الله سبحانه وتعالى عليهم بمعيتة. لم يكونوا بحاجة لاشتهاء ما لدى الغير أو أن ينشدوا نفوذًا؛ لأنه كما جاء في الآية 87: الله سبحانه وتعالى فضَّلهم على العالمين".
منقول
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.