حقيقة المسيح الدجال
إن الخطأ الشائع بين عامة المسلمين أن ذكر موضوع الساعة وظهور المسيح الدجّال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها، إنّما هو ضرب من إضاعة الوقت والجهد وانصراف عمّا هو أهمّ، لذلك تجد أن من النادر ورود ذكر هذه المواضيع على ألسنة علماء اليوم. إنَّ المطَّلِع على دراسات العلماء المسلمين من السلف الصالح يجد أنّ مواضيع الساعة كانت بالنسبة إليهم في غاية الأهمية إلى درجة أنهم قد ألَّفوا مجلدات خاصة بها لتدريسها وتبيان فتنها وأخطارها على المسلمين وعلى الدين والإيمان وأمروا أن تُعَمَّمَ وتُدَرَّسَ في مدارس الأطفال حتى تستوعبها أجيال المسلمين.
إنّ قراءة أخبار الساعة وما يتصل بها من مواضيع لها بالغ الأثر في تصحيح سلوك الناس وتحسين أعمالهم، كما أنّ البعد عن قراءتها والتفكُّر بها يُنسي على طول الزمن تلك الحقائق من الأذهان، ويُقَلِّصُها في النفوس، فيقع الاستبعاد لها والاستخفاف بها، أو الإنكار لوقوعها مِمَّن لا علم عندهم. وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّمهم هذا الدُّعاء كما يُعلِّمهم السورة من القرآن، يقول: (قولوا " اللَّهمَّ إنّي أعوذُ بك من عذاب جهنَّم، وأعوذُ بك من عذاب القبر، وأعوذُ بك من فتنة المسيح الدجّال، وأعوذُ بك من فتنة المَحْيا والمَمات).
قال مسلم بن الحجّاج: بلغني أنّ طاووساً وهو راوي هذا الحديث عن ابن عباس قال لابنه: " أدَعَوتَ بها في صلاتك ؟ قال: لا، قال: أعِدْ صلاتك ".
وروى مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهَّدَ أحدكم فليستعِذْ بالله من أربع، يقول: اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المَحْيا والممات، ومن شَرِّ فتنة المسيح الدجّال).
وما هذا الاهتمام العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدّعاء عملاً وأمراً وتعليماً إلاّ لما حواه من التعوُّذ من عظائم الأمور والأهوال الكائنة الحقيقية ولا ريب، ولهذا جزم الإمام ابن حزم الظاهري بفرضيّة قراءة هذا التعوُّذ بعد الفراغ من التشهُّد كما في كتابه (المحلّى) أخذاً من ظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال العلاّمة السَّفاريني في شرح منظومته في العقيدة الإسلامية المُسَمّى (لوامع الأسرار البهيَّة):
" ينبغي لكلِّ عالم أن يَبُثَّ أحاديث الدّجال بين الأولاد والنساء والرجال، ولا سيَّما في زماننا هذا الذي اشرأبت فيه الفتن وكَثُرَت فيه المحن، واندرست فيه معالم السُّنَن، وصارت السُّنَّة فيه كالبدع شرع يُتَّبع ".
أشراط السّاعة وعلاماتها
وأمّا العلامات الكبرى فهي على الشكل الآتي:
حقيقة المسيح الدَّجّال
حِمار الدجّال
المعنى اللغوي للفظ الدجّال
أشراط السّاعة وعلاماتها
قَسَّمَ علماؤنا من السلف الصالح علامات الساعة إلى قسمين: علامات صغرى وعلامات كبرى، والعلامات الصغرى كثيرة جداً منثورة في كتب الصحاح وإليك أخي القارئ بعضاً منها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنّ من أشراط الساعة أن يقلَّ العلم، ويكثر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويقلَّ الرجال، ويكثر النساء، حتى يكونَ لخمسين امرأة القيِّمُ الواحد). [ رواه البخاري ].
وعبارة: أن يقلَّ العلم: يُقصد به العلم الديني الحقيقي.
وعبارة: يقلّ الرجال، ويكثر النساء: من جراء الحروب العالمية التي حدثت بين أقوام يأجوج ومأجوج في أوربا وآسيا منذ خمسين عاماً، حيث قضت على الملايين من الرجال.
عن أنس أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أشراط الساعة أن يتباهى الناسُ في المساجد) أي يتباهون في عمارتها ونقشها وتزويقها، كما يحدث اليوم ونرى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ إذ جاء أعرابي فقال: متى الساعة ؟ قال: (إذا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظر الساعة). [ رواه البخاري ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يُمَرَّ بقبرِ الرجل فيقول: يا ليتني مكانه).(رواه البخاري). وذلك بسبب تكاليف الحياة والمعيشة وتعقيداتها، انطلاقاً من كون الرجل هو ربُّ الأسرة والمسؤول عن الإنفاق عليها ورعايتها، وبسبب الفِتن الدُنيوية التي تشدُّ الناس إليها بقوّة.
عن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: (ذاك عند أوان ذهاب العلم، قلتُ: يا رسول الله كيف يَذهَبُ العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرِئُهُ أبناءنا إلى يوم القيامة ؟ قال: ثَكِلَتكَ أمّك يا زياد إنْ كنتُ لأراك من أفقه رجال المدينة، أوليس اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيءٍ مِمّا فيه).
(إبن ماجة ـ كتاب الفتن)
ابن ماجة والحاكم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عن الدجّال: (يُصيب الناس في زمنه جفاف، فقيل يا رسول الله فمِمَا يعيش الناس إذا كان ذلك ؟ قال: التسبيح والتكبير، يجري ذلك منهم مجرى الطعام).
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُحشَرُ الناس على ثلاث طرق: راغبين وراهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويُحشر بقيتهم النار، تُقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتُمسي معهم حيث أمسوا). ألفاظ هذا الحديث الشريف تتعلق بأمرين الأول اختراع وسائل نقل تتسع لأكثر من راكب واحد وتكون بديلاً عن وسائل النقل المعروفة قديماً كالجمال والخيل، وفي هذا تأكيد لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليتركن القلاص فلا يسعى إليها) أي الجمال فلا يستعملنها، والأمر الثاني يتعلق باختراع الكهرباء لأنّ الكهرباء شكلٌ من أشكال النار، وهي التي يجتمع عليها الناس في منازلهم وأماكن عملهم بالليل والنهار، كما نشاهد اليوم، وممّا جاء في علامات الساعة أيضاً حديث: تَشَبَّهَتِ النساء بالرجال والرجال بالنساء، وأنّ الدول الحديثة تستعين بأعداد كبيرة من رجال الشرطة والأمن السرّي من أجل استتباب الأمن في بلادها كما نرى اليوم.
لك من علامات الساعة: كثرة المغنّين والمطربين واهتمام الناس بالغناء والطرب والاستمتاع إليه والانشغال به وتعظيم أعلامه التَّشبُّه بهم وتقليدهم، ومن علاماتها أيضاً: إنشاء حدائق للحيوانات في بلاد شَتّى من أنحاء العالم، مصداقاً لقوله تعالى في سورة التكوير: {وإذا الوحوشُ حُشِرَت} أي جُمِعَت في حدائق خاصة بها.
وقوله تعالى أيضاً: {وإذا الصُّحُفُ نُشِرَت} إشارة إلى انتشار الصُّحف والمجلاّت بكثرة في أنحاء العالم كما نشاهد اليوم.
وقوله تعالى أيضاً: {وإذا المَوؤودةُُ سُئِلت. بأيِّ ذنبٍ قُتِلَتْ}. وهنا إشارة إلى الصيحات والنداءات التي سوف يُطلِقها أصحاب الفكر وأصحاب الأقلام من أجل تحرير المرأة المُكَبَّلة والمُقَيَّدة بقيود الماضي المليء بالجهل والتخلّف، لذلك قال الله تعالى: {وإذا المَوؤودةُُ سُئِلَت} لأنَّ قتلها معنوي وليس حقيقياً، ولو كان قتلها حقيقياً لكان الله سأل قاتلها لماذا قَتَلها، لأنّ الأصل في سؤال القاتل وليس سؤال المقتول إذا كان القتل حقيقياً مادّياً.
وأمّا العلامات الكبرى فهي على الشكل الآتي:
عن حذيفة بن أُسَيْدٍ الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: (ما تَذاكَرون ؟ قالوا: نَذْكُر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تَرَوا قَبْلَها عَشْرَ آيات، فذَكَر الدُّخانَ، والدَّجّالَ، والدّابَّةَ وطلوع الّشمس من مغربها، ونزولَ عيسى بن مريم، ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خُسوفٍ: خسْف بالمشرق، وخَسْف بالمغرب، وخَسْف بجزيرة العرب، وآخِرُ ذلك نارٌ تَخْرُجُ من اليَمَن، تَطْرُدُ الناسَ إلى محشرهم).
(رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة)
قال الطيبي رحمه الله نقلاً عن الحافـظ بن حجر في فتـح الباري: " هـذه أماراتٌ وعلاماتٌ للساعة إمّا على حصولها وقيامها، فمن أمارات قربها: الدَّجال، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن أمارات قيامها: الدُّخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدّابة، والنار التي تحشرُ الناس ".
والحقيقة أنّ هذه الآيات العشر علامات على قرب موعد الساعة واقتراب وقوعها، منها ما ظهر وشاهدناه عياناً كالدّخان، والدّجّال والدّابة، ويأجوج ومأجوج ومنها ما يزال في عالم الغيب لا يعلم وقت ظهوره سوى الله جلّ شأنه.
فالدخان هو إشارة إلى ظهور صناعات جديدة ومعامل كبيرة ينطلق من أبراجها الدخان بكثرة، وكذلك ظهور اختراعات حديثة تعتمد أساساً في تشغيلها على موادّ قابلة للاشتعال كالبترول والفحم الحجري ينتج عن احتراقها الدّخان أيضاً. ويشير أيضاً إلى تطوير القديمة واختراع أسلحة جديدة ينتج الدّخان عن استعمالها، وآخر هذه الأسلحة الفتّاكة القنابل الذّرّية. فالدخان هو ميزة هذا العصر فلذلك يمكن تسمية عصرنا هذا بعصر الدخان.
والدّجّال: هو ما يُسمّى اليوم بالاستعمار أو الرجل الأبيض وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.
والدّابّة: هي وسائط النقل الحديثة كالطّائرات والقطارات والسيارات والبواخر التي حلَّت بدلاً عن وسائل النقل القديمة مصداقاً لقوله تعالى في سورة التكوير: {وإذا العِشارُ عُطِّلَتْ} أي استغناء الناس عن الاعتماد على الجِمال وغيرها من الحيوانات في ركوبهم وسفرهم وتنقّلاتهم، واستبدالها بمخترعات حديثة أقوى وأسرع، كما يقول تعالى {وَخَلَقْنا لَهُم منِ مثلِهِ ما يركبون}
والحقيقة أن الأحاديث الشريفة التي تتضمَّن أنباء غيبية عن المستقبل لا يمكن لأيّ إنسان مهما كانت درجة علمه أن يعرف كيفية وقوعها قبل أن تقع وتظهر حقائقها للناس، خاصة تلك الأحاديث التي عَلَّمنا إيّاها المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وكانت تتعلق بكشوف أو رؤى رآها صلى الله عليه وسلم في منامه ومنها أحاديث الدَّجّال ويأجوج ومأجوج.
فمثلاً: رأى الرسول صلى الله عليه وسلم مرّةً في منامه أبا جهل في الجنّة، فقال عليه السلام: [ ما لأبي جهل والجنّة ] فلمّا أسلم ولدُه عكرمة بن أبي جهل أوَّل بذلك وعرف حقيقة الرؤيا بأنّ المقصود بالرؤيا عكرمة وليس أبو جهل.
وأكبر مثال على ذلك ما ذكره جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن ابن صيّاد وقصّته مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما اللذين اعتقدا أنَّه المسيح الدَّجّال وقال عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: ائذَنْ لي فأقتله يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يكن هو فلستَ صاحبه).
وهذا ما لم ينتبه إليه الكثير من علمائنا الأكارم فقاموا يشرحون هذه الأحاديث متمسِّكين بظاهر ألفاظها معتقدين أنَّها لا تقبل التأويل، فكانت النتيجة أنهم وضعوا شروحاً وتفاسير بعيدة عن الحقيقة قريبة من الخيال، غير قابلة التَّحقُّق والظهور. وممّا يؤكِّد أنّ أحاديث الدَّجّال كانت نتيجة كشوف ورؤى رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ما ورد في صحيح البخاري ومسلم، وإليك أخي نَصَّه: [ وأراني الليلة عند الكعبة في المنام:..... ثمّ رأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور العين اليمنى، كأشبه ما رأيت بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هذا ؟ قالوا: المسيح الدّجَّال ]. والحقيقة أنَّ علم تأويل الرؤيا هو علم إلهي وهذا ما تعلّمناه من القرآن المجيد، يقول تعالى في سورة يوسف: {كذلك ولنعلمه من تأويل الأحاديث}.
حقيقة المسيح الدَّجّال
لقد بدأت حديثي عن الدّجّال ذاكراً أهمية هذا الموضوع واهتمام علماء السلف الصالح بهذا الأمر نتيجة اهتمام النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمر الدّجّال، ولنستمع معاً إلى ما رواه نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فتنة الدجّال:
(إنّما أُحدِّثُكم هذا لِتعقلوه، وتفهموه، وتفقهوه، وتَعوه فاعملوا عليه، وحَدِّثوا به مَن خَلْفكُم، وَلِيُحدِّث الآخَرُ الآخَرَ فإنَّهُ من أشدِّ الفِتَن).
وروى عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال) صحيح مسلم ـ وجاء في تفسير هذا الحديث في صحيح مسلم: المراد: ليس هنالك أكبر فتنة منه.
وعن سَفينةَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ ألا لم يكن نبيٌّ قبلي إلاّ قد حّذَّرَ الدجّال أُمَّتَهُ ]. لهذا كان اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأمر شديداً لدرجة أن أكثرهم اعتقد أنَّه سيرى الدجّال في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو في زمن أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده.
وفي الواقع فإنّ الروايات والأحاديث المتضمنة أخبار الدجّال كثيرة جداً إلاّ أنّه يمكننا الاستشهاد بأهمّها وأكثرها وضوحاً لكي نتمكّن من تبسيط الموضوع وتقديمه بشكل يَسْهلُ على القارئ فهمه ومعرفة حقائقه المخفيَّة.
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجّال ذات غداةٍ فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتى ظَنَنّاه في طائفة النخل، فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رحنا إليه، فعرف ذلك فينا فقال: (ما شأنكم ؟ فقلنا يا رسول الله ذكرتَ الدجّال غداةً فخَفَّضتَ فيه ورفَّعتَ حتى ظننّاه في طائفة النخل. فقال: غيرُ الدجّال أخوَفُني عليكم إن يخرجْ وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإنْ يخرجْ ولستُ فيكم فامرؤ حجيجُ نَفْسِه، والله خليفتي على كلّ مسلم. فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف، إنه خارجٌ خَلَّةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله / وما لَبْثُه في الأرض ؟ فقال: أربعون يوماً، يومٌ كَسَنةٍ ويومٌ كشَهر ٍ، ويومٌ كجُمعةٍ وسائرُ أيامِهِ كأيّامكم. قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال: كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً، واسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيدهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً شاباً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك).
إذا درسنا هذا الحديث الشريف دراسة موضوعية نخرج بالنتائج التالية:
أولاً: كل من استمع إلى هذا الحديث من رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم اعتقد أن الدجال قريب منهم يسكن بساتين النخيل في المدينة المنورة، وذلك بسبب الشروح المتكررة التي ضمَّنها الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم أوصاف الدجال وأحواله واقتراب موعد ظهوره وخروجه.
ثانياً: عند ظهور الدجال وخروجه وحلوله في بلاد المسلمين، سينشأ بينه وبين المسلمين جدال ونقاش حول أمر يدعو له ويعمل من أجله بقوة. لذلك قال النبي صلى اللـه عليه وسلم: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم).
ثالثاً: يصفه الرسول صلى اللـه عليه وسلم: أنه شاب قطط أي شعره أجعد جعودة مكروهة. وعينه اليمين طافئة أو ممسوحة أي ذهب نورها.
رابعاً: أمرنا النبي صلى اللـه عليه وسلم حين مشاهدته وإدراكه أن نقرأ عليه فواتح سورة الكهف وفواتح سورة الكهف هي: (وينذر الذين قالوا اتخذ اللـه ولداً ما لهم به من علمٍ ولا لآبائهم كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) كي يعلم الدجال صدق القرآن المجيد في معلوماته وأخباره الغيبية التي تتعلق بمستقبل البشرية والمتعلقة أيضاً بحقائق خروج المسيح الدجال ونهايته.
خامساً: يخبرنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم: أن الدجال حين يخرج من مكمنه ينزل في بلاد الشام والعراق: أي يغزوها ويحتلها وهذا ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى حين زحفت جحافل الغرب على البلاد العربية في المشرق والمغرب.
سادساً: يصف الرسول الكريم صلى الـه عليه وسلم سرعة الدجال في سفره وانتقاله بأنها تعادل سرعة الريح وهذا الوصف إشارة إلى استعماله وسائط نقل سريعة وقوية يستغني بها عن وسائط النقل القديمة المعروفة.
سابعاً: ويصفه أيضاً أن لديه إمكانيات ووسائل تمكنه من إنزال المطر وزراعة الأرض زراعة جيدة وإنبات محاصيل ذات مواصفات جيدة أيضاً وأنه نتيجة اعتماده على وسائل متقدمة ومتطورة في مجال الري والزراعة وتربية الحيوانات الداجنة سينعم بخيرات لا حدود لها، وهذا الأمر ذكُر في روايات أخرى بأن الدجال حينما يخرج، يخرج معه جبال من خبز وجبال من فواكه وجبال من الخضرة وجبال من ثريد، أي تتبعه خيرات الأرض يتصرف بها حسب أهوائه.
ثامناً: ثم يخبرنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم: أن البلاد والشعوب التي تقاطعه وتخالفه وتقطع صلاته به: تُمهل بلادها فيصبحون ليس بأيديهم شيء من أموالهم وخيراتهم وهذا إشارة إلى الحصار الاقتصادي الذي يقيمه الدجال ضد الدول التي تختلف معه بنظام حكمها وبآرائها السياسية ومواقفها الدولية، ولأن خيرات الأرض بيديه يتصرف بها حسب أهوائه وميوله الاستعمارية.
تاسعاً: يُعلمنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم: أن الدجال لديه إمكانات تساعده في استخراج كنوز الأرض وخيراتها من الذهب والمعادن الأخرى والبترول، يقول عليه السلام: (يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك). وأن الدجال هو أكثر الناس فائدة من استخراج هذه الكنوز وأنه يحملها إلى بلاده لينعم بخيراتها ويستفيد لوحده منها، وإن هذه الأراضي المليئة بالخيرات والكنوز تكون مهملة من قبل أصحابها الحقيقيين بسبب جهلهم وتخلفهم العلمي.
عاشراً: ثم يصور لنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم صورة حقيقية عن تقدم الدجال في مجال الطب لدرجة أنه يقوم بإجراء عمليات جراحية يكون الإنسان خلالها كالميت تماماً وبعد انتهاء العملية ونجاحها يعود الإنسان أكثر حيوية وأكثر نشاطاً وقوة. (ثم يدعو رجلاً شاباً، فيضربه بالسيف فيقطعه، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك).
وجاء في حديث تميم الداري أنه رأى الدجال مقيداً بالسلاسل في دير أو كنيسة في جزيرة، وقال:
(فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشدَّه وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد). هذه الصورة عن حال الدجال التي صورها الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم تدل على واقع الدجال قبل خروجه من جزيرته حيث أنه يقع تحت تأثير الكنيسة ومكبل بأغلالها وأنه حينما ينطلق ويخرج يعمل من أجل نشر تعاليمها و بِوَحيها.
لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه) وقال عليه السلام أيضاً:
(فاقرأ عليه فواتح سورة الكهف) التي تتضمَّن إنذاراً من الله إلى الدجّال يُنذره فيه بسوء العاقبة وتدمير حضارته ومُشَيَّداته العظيمة إذا استمرّ بدعوته إلى عبادة المخلوق عيسى بن مريم عليه السلام. (وَيُنذِرَ الذين قالوا اتَّخذ الله ولدا) وفي حديث حُذيفة بن أُسَيْد عن الدجّال قال: (يَخرجُ في نَقصٍ من الناس وخِفَّةٍ من الدّين، وسوءِ ذات بَيْن، فَيَردُ كلَّ منهل وتطوى له الأرض طيَّ فَرْوَة الكَبْش).
هذا الحديث فيه إشارة إلى سوء أحوال المسلمين يوم خروج الدجّال من جزيرته وكنيسته وأنّ الدجّال يسوح في الأرض فلا يترك شبراً منها إلاّ وصل إليه وعايَنَه عدا مكّة والمدينة فلا يستطيع دخولهما. (يَرِدُ كلَّ ماءٍ ومَنْهَلٍ إلاّ المدينة ومكّة حَرَّمهما الله تعالى عليه) فلا يدخلهما.
وفي حديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنَّه لم تكن فِتنةٌ في الأرض مُنْذُ ذَرَأَ الله ذُرّيّةَ آدم أعظَمَ من فتنةِ الدجّال وإنّه مكتوب بين عينيه كافر يقرأُهُ كلُّ مؤمنٍ كاتبٍ أو غير كاتب، وإنَّ من فتنته أنَّ معه جنَّةً وناراً. فناره جَنَّةٌ، وجنَّتُهُ نار). وفي هذا إشارة إلى كمالياته ومغرياته الدنيوية. في حديث حذيفة السابق وضَّحْنا كيف أنّ الدجّال يسوح في الأرض من أجل نشر دينه وعقيدته والتبشير بهما، لكن هنالك إشارة خفيّة ذكرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم تتعلَّق بدراسته السِرّيَّة لموارد الرزق وكنوز الأرض وخيراتها المتواجدة في تلك البلاد التي يزورها ويقصدها، (يَرِدُ كلَّ ماءٍ ومَنْهَل).
وفي حديث الباهلي رضي الله عنه الذي أكَّدَ فيه عظمة فتنة الدجَال وأنّه لم تكن مثلها فتنة منذ أن خلق اللهُ آدمَ أوّلَ رسول للبشر وأنّه مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كاتب وغير كاتب. في هذا الحديث الشريف وضَّح النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنّه بالرغم من وضوح كفر الدجّال وبيان خطئه بِدعوته الناس إلى الإيمان والاعتقاد بالمسيح على أنّه الربُّ والإله، مع هذا الوضوح في دعوته الباطلة، وأنّ المسلمين لا يمكن أن ينخدعوا بمثل هذا الكلام فالمُتعلِّم وغير المتعلِّم منهم يعلمُ علمَ اليقين أنّ دعوة الدجّال باطلة وكُفره ظاهرٌ للجميع كأنه مكتوب على جبينه ومطبوع عليه، مع هذا فقد أكْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم فتنة الدجّال وعَظَّمها، لِما يملك الدجّال وَقْتَها من الحِيَلِ والألاعيب المُموَّهة وكذلك لِما يملك من إمكانات وخيرات وكنوز ومخترعات حديثة وتفوّق علمي في كل مجالات الحياة المدنية والعسكرية مِمّا يساعده على إقناع الشعوب وكافّة الناس بالأخذ بِفكرهِ ومعتقداتهِ والوقوف إلى جانبه والاستعانة بعلومه ونظرياته ومخترعاته والاعتماد على مساعداته المادية في كل مجالات الحياة.
من هنا جاء خوف النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أن تتأثَّر أُمَّتُه بهذه الحضارة المزيّفة التي يدعو إليها الدجّالُ ويعمل من أجلها، خاصةً أنها تكون في تلك الأيام أحْوَج ما تكون إلى تلك المساعدات والمخترعات والتجهيزات المتطوِّرة وبحاجة أكثر إلى علومه المتقدمة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة، نظراً لِتفكُّكِها وتراجعها عن ركب الحضارة بسبب انشغالها بتوافه الأمور وافتقارها إلى علماء حقيقيين في شتّى العلوم الدينية والدنيوية.
ثمّ يذكر الباهلي رضي الله عنه:
(أنَّ الدجّال يأتي بسبعين ألف من اليهود يحملون أسلحتهم وسيوفهم) وفي هذا الكلام إشارة إلى مساعدة الدجّال لليهود واعتمادهم عليه في العودة إلى فلسطين وطنهم المزعوم واستعمارها.
حِمار الدجّال
من خلال الأحاديث الشريفة التي تضمَّنت وصف حمار الدجّال نستخلص منها الآتي:
أولاً: في حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وصف الحمار على الشكل الآتي:
(تحت الدجّال حمار أقمر طولُ كلِّ أذن من أُذنيه ثلاثون ذراعاً يتناول السَّحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغربها) كنز العمّال.
في هذا الحديث إشارة واضحة إلى الطائرة التي هي من مخترعات الدجّال في آخر الزمان، فلفظ حمار أقمر أي لونه فضّي، وهذا هو لون الطائرة وأُذناه الطويلتان هما جناحا الطائرة، وما تبقّى من ألفاظ الحديث لا ينطبق إلاّ على الطائرة. لأنّه لا يسبق الشمسَ إلى مغربها إلا الطائرة.
ثانياً: وروى أبو نعيم عن أبي حذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يصف حمارَ الدجّال: يخوض البحرَ لا يبلغ حقويه وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيبلغ قعره فيخرج الحيتان ما يريد). وهذا الحديث يُشير إلى اختراع البواخر العملاقة منها ما هو مُخَصَّص لصيد الحيتان ومنها ما هو مُخصَّص لنقل البضائع وشحنها، وهذا النوع مزوَّد بروافع آلية من أجل تحميل البضائع إلى السفينة ثمّ تفريغها منها. والبواخر هي وسيلة النقل التي خرج بها الدجّالُ من جزيرته إلى شتّى أنحاء العالم، وقد وُصِفَت بأنّ صوتها يصل إلى الخافقين من شدّته ويخرج الدخان من خلفه.
ثالثاً: الوصف الأخير لحمار الدجّال ينطبق على القطارات التي كانت تعتمد في سيرها على الفحم الحجري، وهي وسيلة النقل البرية الأساسية التي كان الدجّال يعتمد عليها في تنقُّلاته البرية الداخلية في البلاد التي وصل إليها واستعمرها، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن هذا الحمار: (يأكل الحجارة ـ أي الفحم الحجري ـ ويسبقه جبل من دخان ـ أي يخرج دُخانه الكثيف من مقدمته ـ ويركب الناس في جوفه ـ أي بداخله ـ وليس على ظهره). وهذا مصداق قوله تعالى في سورة التكوير: (وإذا العِشارُ عُطِّلَت) أي أن في آخر الزمن زمن خروج الدجّال وزمن عودة اليهود إلى فلسطين يستغني الإنسان عن ركوب واستعمال الجمال بسبب اختراع وسائل نقل أقوى وأسرع.
المعنى اللغوي للفظ الدجّال
وردت في معاجم اللغة العربية المعاني التالية:
الدجّال: الكذّاب، من الدَجَل والتغطية، وسُمّي الكذاب دجّالاً لأنّه يغطي الحقَّ بالباطل، أو هو المُموِّه، فالدجّال يُلبس على الناس ويموّه لهم، وقيل سُمّي دجّالاً من دَجَلَ إذا ساح في الأرض.
وجاء في التفسير الكبير: " وأمّا المسيح الدجّال فإنّما سُمّي مسيحاً لأحد وجهين أولهما: لأنّه ممسوح العين اليمنى، وثانيهما: لأنّه يمسح الأرض، أي يقطعها في زمن قصير، لهذا قيل له: دجّال لضربه في الأرض وقطعه أكثر نواحيها وقيل سُمّي دجّالاً من قوله: دَجَلَ الرجلُ إذا مَوَّه ولبَّس ".
وجاء في أقرب الموارد مادّة الدجّال بالتشديد للرفقة العظيمة تغطّي الأرض بكثرة أهلها. وقيل الدجّال: الرفقة العظيمة تحمل المتاع للتجارة.
وجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّ معنى الدجّال: الخلق: أي الناس قال عليه السلام: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبر من الدجّال)
( صحيح مسلم )
وجاء في المنجد: الخلق: الناس.
وجاء في كتاب تعطير الأنام في تعبير المنام للشيخ الإمام عبد الغني النابلسي رحمه الله في معنى رؤية الشاب في المنام إذا كان شعره جعد كما هي صورة الدجّال التي رآها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المنام كما ورد في صحيح البخاري ومسلم ما يلي:
رؤية الشاب في المنام هي: عَدوٌّ وإذا كان الشاب أبيض فهو عَدوٌّ مستورٌ والشاب أيضاً يرمز إلى المَكر والخديعة و هو عدوٌّ مكروه.
والشعر الجعد يرمز إلى: العِزّ والرياسة والسيادة واجتماع الأمور.
فاعتماداً على هذا التأويل واعتماداً على ما جاء في معاجم اللغة العربية حول معنى الدجّال من أنّه الكذّاب المُموِّه الذي يسيح في الأرض وأنّه الرفقة العظيمة التي تُغطّي الأرض بكثرة أهلها، واعتماداً على الأوصاف التي وردت على لسان الصّادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم لأحوال الدجّال والتي سبق شرحها، نستنتج من ذلك كلّه أن الدجّال بشكل عام هو شعوب أوربا الغربية وبشكل خاصّ هو سكّان الجزر البريطانية الذين خرجوا من بلادهم بعد عصر الاكتشافات الجغرافية الذي بَدَأَه الأمير هنري ابن ملك البرتغال، وساحوا في الأرض يكتشفونها، ويبحثون عن خيراتها، ويستعمرونها، وقد وزَّعوا الإرساليّات التبشيرية في كلّ أنحاء الأرض لتدعو إلى عبادة المخلوق وَلتُشيع أنّ المسيح ابن الله وأنّ لله ولداً هو عيسى ابن مريم.
والله سبحانه يقول :
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا }
ومن أجل هذه الدعوة الباطلة التي يُشيعها الدجّال في الأرض جاء الإنذار الإلهي في فواتح سورة الكهف بأنّ الدجّال إذا استمرّ على هذه الدعوة الباطلة مستعملاً أساليب المكر والتمويه فإنّ عذاب الله ينتظره، يقول تعالى:
{ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا }
ثم يقول تعالى: {إنّا جَعَلْنا ما على الأرض زينةً لها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أحسَنُ عملاً. إنّا لَجاعلونَ ما عليها صّعيداً جُزُراً}.
فالعذاب الذي ينتظر الدجّال الذي يرمز إلى شعوب أوربا الغربية بما فيها إنكلترا وأمريكا لأنّ سكّان أمريكا هم بالأصل من شعوب أوربا الغربية، وهؤلاء جميعاً ينتمون إلى أقوام يأجوج ومأجوج أيضاً الذي أخبَرَنا الله تعالى عن قيام حرب بينهم في آخر الزمان زمن عودة اليهود إلى فلسطين بمساعدة الدجّال ـ أي الإنكليز ـ وشعوب أوربا الغربية، وأنّ هذه الحرب لا مثيل لها، ولم تشهد البشرية قديماً، ولن تشهد حديثاً ما يُشبِهها أو ما يُماثِلها، وأنّ من نتائج هذه الحرب الكونية أن يُقضى على حضارة شعوب أوربا وأمريكا، وأنّه نتيجة استعمال الأسلحة الذرّية ستفقد الأرض خصوبتها وتمتنع عن إنبات أية نبتة بسبب تلوّثها بالإشعاع الذرّي، وهذا ما تُشير إليه الآية الكريمة الأخيرة {وإنّا لَجاعِلون ما عليها صّعيداً جُزراً} أي أن جميع منشآت الدجّال الحضارية ستتحوَّل إلى تراب مقطع، وأنّ التراب سيمتنع عن إنبات النبات ويصبح جافاً لا حياة فيه.
واستمع معي إلى تحديد وصف شعوب الدجّال وأقوام يأجوج ومأجوج وذِكرهم بما اشتُهروا به وكان علامةً خاصّةً بهم، يقول تعالى في سورة طه:
{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا }
فكلمة زُرقاً تشير إلى أنهم أصحاب العيون الزرق وهم أهل أوربا وأمريكا، إذن فالدجّال هو من ساعد اليهود على استعمار فلسطين واغتصابها، والدجّال هو من اخترع وسائل نقل جديدة تسابق الريح في سرعتها وتُخرِج من خلفها الدخان وصوتها يصل إلى الخافقين من قوّته، والناس يركبون في جوفها، وهي تتَّسع لأكثر من راكب، ويمكن أن يركب فيها أكثر من عشرة أشخاص.. وهي تطير في السماء، وتسبق الشمسَ إلى مغربها، وتغوص في البحار وتصطاد الحيتان، ومنها ما يتغذّى على الفحم الحجري أي القطارات التي تعمل بالقوّة البخارية.
والدجّال هو الذي يستخرج كنوز الأرض ويسرقها ثم ينقلها إلى بلاده لينعم بها وحده ويحرم منها أصحابها الحقيقيين من الشعوب المغلوبة على أمرها، وهو الذي يغزو بلاد الشام والعراق فيعيث فيها يميناً ويساراً، وهو الذي يستعمر أكثر بلاد العالم ليستفيد من خيراتها ومواردها وأرزاقها، ويُسخِّر شعوبها لخدمته وخدمة أهدافه اللاإنسانية !..
ألا ينطبق هذا الوصف على ما نُسمّيه اليوم اصطلاحاً بالاستعمار، نعم إنه هو الاستعمار الدجّال الذي حَذَّرَنا منه نبيُّنا محمد عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرناً من اليوم، ونَبَّهَنا إلى فتنته ومكائده وأحابيله الماكرة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنْ خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإنْ خرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه) لأنّ الدجّال يدعو إلى دعوة باطلة، وعلى المسلمين جميعهم أن يردّوا عليه دعوته بالحجّة والدليل والبرهان مصداقاً لقوله تعالى:
{ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.