إلقاء الشيطان في أمنية الرسول .. التفسير المقارن

إلقاء الشيطان في أمنية الرسول .. التفسير المقارن

يقول الله تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحج)

جاء في تفسير الجلالين: 

{إِلاَّ إِذَا تمنّى} قرأ {أَلْقَى الشيطان فيِ أُمْنِيَّتِهِ} قراءته ما ليس من القرآن... وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى} بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم به: (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهنّ لترتجى) ففرحوا بذلك، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن، فَسُلِّي بهذه الآيات ليطمئن {فَيَنسَخُ الله} يُبطل {مَا يُلْقِى الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آياته} يثبتها.

جاء في تفسير الطبري: 

قيل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان كان ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم ما لم ينـزله الله عليه، فاشتدّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتمَّ به، فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات. 

أما سيد قطب فرغم أنه يرفض هذه الرواية، لكنه يقول:

"إن الرسل عندما يكلفون حمل الرسالة إلى الناس، يكون أحب شيء إلى نفوسهم أن يجتمع الناس على الدعوة، وأن يدركوا الخير الذي جاءوهم به من عند الله فيتبعوه.. ولكن العقبات في طريق الدعوات كثيرة . والرسل بشر محدودو الأجل. وهم يحسون هذا ويعلمونه. فيتمنون لو يجذبون الناس إلى دعوتهم بأسرع طريق.. يودون مثلاً لو هادنوا الناس فيما يعز على الناس أن يتركوه من عادات وتقاليد وموروثات فيسكتوا عنها مؤقتًا لعل الناس أن يفيئوا إلى الهدى، فإذ دخلوا فيه أمكن صرفهم عن تلك الموروثات العزيزة! ويودون مثلاً لو جاروهم في شيء يسير من رغبات نفوسهم رجاء استدراجهم إلى العقيدة، على أمل أن تتم فيما بعد تربيتهم الصحيحة التي تطرد هذه الرغبات المألوفة!"

يريد سيد قطب أن يقول إن هذا هو خطأ الأنبياء. 

ويتابع قائلا: "ويجد الشيطان في تلك الرغبات البشرية، وفي بعض ما يترجم عنها من تصرفات أو كلمات، فرصة للكيد للدعوة..... ولكن الله يحول دون كيد الشيطان، ويبين الحكم الفاصل فيما وقع من تصرفات أو كلمات، ويكلف الرسل أن يكشفوا للناس عن الحكم الفاصل، وعما يكون قد وقع منهم من خطأ في اجتهادهم للدعوة. كما حدث في بعض تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم وفي بعض اتجاهاته، مما بين الله فيه بياناً في القرآن".. 

ثم يضرب سيد قطب مثالا على ذلك بما اعتبره خطأَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في التعامل مع ابن أم مكتوم ليبرهن على صحة تفسيره.. يعني أن سيد قطب يعتبر نفسه أكثر فهمًا وفقهًا ومعرفة بالأصول من الأنبياء جميعا، فهو لم يتنازل قيد أنملة، بينما تنازلوا هم مِن أجل مصلحة الدعوة!! وسيد قطب يوجِّه الأنبياء جميعا عبر التاريخ ويلومهم على تقديم مصلحة الدعوة على المبادئ.. وينـزه نفسَه عن ذلك!!

أما ابن كثير فقد أنكر قصة الغَرَانيق، وقال: "إنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح". ولكنه لم يقدِّم تفسيرا معقولا لها. 

التفسير الأحمدي (التفسير الكبير): 

"هذه الآية لا تذكر البتة أن الشيطان أجرى بعض الكلمات على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تعني فقط أن كل نبي حين يتمنى شيئًا - وليست أمنية أي نبي إلا إصلاح الناس- يلقي الشيطان في طريقه العراقيل لأنه لا يريد نجاحه. فمن معاني الإلقاء أيضًا وضعُ الشيء في مكان وطرحُه فيه؛ وعليه فقوله تعالى ]أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[ إنما يعني أن الشيطان يضع العراقيل في طريق النبي. 

إذن، معنى الآية ببساطة: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى انتصار الحق وانتشار الدعوة وإيمان القوم أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ العراقيل، فيلغي اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ من عراقيل وينصره عليهم.

وقد بيّن حضرة الخليفة الثاني أنه لا يوجد بين سورة الحج وسورة النجم أي علاقة على الإطلاق. وسورة النجم ورد فيها قصة الغرانيق المزعومة، وسورة الحج ورد فيها (ألقى الشيطان في أمنيته). ثم يفنّد حضرته رواية الغرانيق بناء على نصها وبناء على ظروفها ولا يُبقي مجالا للشك.. وحبذا الرجوع هناك لقراءة هذا كله.

تبين من هذا المثال أن كثيرا من التفسير التقليدي لا يأبه كثيرا بأن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكوارث، بل إن بعضهم ينسب للأنبياء ما لا يقبل أن يُنسب إليه. ثم هو يفسر الكلمة تفسيرًا لا تحتمله بحال من أجل روايات موضوعة، وإلا فمتى كانت القراءةُ من معاني الأمنية؟ ومتى كانت تمنى بمعنى قرأ؟ 

منقول