وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا .. التفسير المقارن
جاء في تفسير الجلالين:
"أخرجت الأرضُ كنوزَها وموتاها فألقَتْها على ظهرها".
يعني أنه في يوم القيامة ستُخرِج الكرة الأرضية الموتى وتلقيهم على سطحها!! وكأن الجثث لا زالت جثثًا!! إن جثث الناس الذين ماتوا قبل عشرات آلاف السنين قد تحللت وتغذت عليها الديدان والأشجار، وهذه الأشجار أكل منها الحيوان والإنسان قبل آلاف السنين، ثم مات وتحلل، ثم تغذت على جثته الأشجار، وهكذا.. فأي جثث هذه التي ستُلقى؟ ثم ماذا نستفيد من إلقائها إن كانت ستُلقى؟ وما العبرة من إلقائها؟ وما الدرس الذي نستفيده من إلقائها؟ وهل ستُلقى جثث الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين جميعا في العراء؟
وأما سيد قطب فيقول:
"وتُخرج الأرض ما يُثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلاً. وكأنها تتخفف من هذه الأثقال، التي حملتها طويلاً!"
قلتُ: ولماذا تُخرج الأرض المعادنَ يوم القيامة؟ لا شك أن الأثقال تتضمن المعادن، لكن هذا الإخراج حاصل الآن، وحصل منذ مئات السنين، وليس هو من أحداث يوم القيامة.
ثم ما معنى الأثقال؟ هل الجثث هي أثقال الأرض؟ تعالوا نتتبع الكلمة في القرآن الكريم:
يقول الله تعالى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}.. فالأثقال هنا الأمتعة. ويقول تعالى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } والأثقال هنا الخطايا. ويقول تعالى {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } وأثقلت هنا يعني حملت جنينها في بطنها.
فأين كانت الأثقال بمعنى الجثث؟ الأثقال هي ما يُحمل من أمتعة أو ذنوب أو الجنين الذي تحمله المرأة. والأرض تحمل المعادن والكنوز والبترول والمياه الجوفية والغاز وحجارة البناء والإسمنت والفحم الحجري، فهذه هي الأثقال، أما الجثث فهي تتحلل وتتغذى عليها كائنات أخرى وتصبح جزءا من بِنْيَتهم.
وإذا كانت الأرض قد أخرجت كثيرا من أثقالها ولا زالت تُخرج، فما هي الزلزلة في الآية ]إذا زلزلت الأرض زلزالها[؟
الزلزلة هي الارتجاف، وهذا ناتج عن قصف الطائرات والقاذفات والقنابل الرهيبة، والمتفجرات والديناميت، والقطارات العظيمة التي كلما مرت هزّت الأرض هزًّا، وما أكثر مرورها!
كما يمكن أن تكون الأرض بمعنى أهل الأرض، كما في ]واسأل القرية[، والمعنى هنا: ستتزلزل أخلاق الناس وأديانهم وأنظمتهم السياسية والاقتصادية. وليس الحديث هنا عن زلزال يوم القيامة، لأن الدمار في يوم القيامة سينتج عن أمور أعظم من مجرد زلزال، والزلزال لا شيء مقارنة بتلك.
]وقال الإنسان مالها[.. ]يومئذ تحدث أخبارها[.. فإنَّ الصُّحف تَنْشُر أخبار السياسيين وفضائحهم، وأخبار الفنانين وعريهم، ولم يَعُد شيء مخفيًّا.
هذه الآيات وهذه السورة ترسم أحداث القرون التي نعيشها، وعلينا أن نأخذ منها العِبَر، ثم هي تشكّل نبوءات تدلّ على صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أما لو كانت تتحدث عن القيامة فلا عبرة فيها، عدا عن أنها تستخدم ألفاظا غير دقيقة المعاني.
منقول
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.