تفسير حديث ظهور الشمس من المغرب وخروج الدابه تكلم الناس
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون. فيومئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" (صحيح مسلم: الجزء الأول باب بيان الزمن الذي لا يُقبل فيه الإيمان).
لا ينخدعنّ أحد من هذا الحديث أن الشمس في الظاهر تطلع من المغرب، لأن هذا الرأي مخالف للقرآن صراحة ويناقضه، يقول الله تعالى: ((فَإِن اللهَ يَأْتِي بِالشمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ(( (البقرة 259) و((لا الشمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا الليْلُ سَابِقُ النَّهَارِ(( (يس 41)، فهل تتبدل الحركة الأرضية أو ينقل المشرق إلى المغرب والمغرب إلى المشرق خلاف سنة الله المستمرة؟ يقول الله تبارك وتعالى: ((فَلَنْ تَجِدَ لِسُنةِ اللهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنةِ اللهِ تَحْوِيلا(( (فاطر 44)، فالمعنى الصحيح الذي لا يخالف القرآن أن الله تعالى ينوّر البلاد الغربية بشمس الصدق ويهدي الله الغارقين في الضلالة والكفر والظلمة منذ أمد بعيد إلى الإسلام فكأنما شمس الإسلام تطلع من مغربها.
وأما ما ورد "فيومئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا"، فمعناه أنه إذا دخل أهل الغرب في الإسلام أفواجًا بعد أفواج وطلعت شمس الإسلام تمامًا على الديار الغربية، فيحرم عن الإسلام أولئك الذين تكون فطرتهم مخالفة للإسلام ولا يريدون أن يدخلوا في الإسلام، فينسد عليهم باب التوبة، ولا تقبل توبتهم. وليس المراد منه أنهم يتوبون ويخضعون ويخشعون ولكن الله لا يقبل توبتهم. لأن هذا لبعيد عن الله تعالى، إنه رؤوف رحيم يقبل التوبة عن عباده ويغفر السيئات.
والحق أن قلوبهم ستصير قاسية وأنهم لا يوفقون للتوبة، وهؤلاء هم الأشرار الذين تقوم الساعة عليهم، وقد طلعت شمس الهداية والصدق بمجيء المسيح الموعود عليه السلام من مغربها لأن كثيرًا من الأوروبيين قد دخلوا في الإسلام بواسطة الجماعة الأحمدية، وسيظلون يدخلون بإذن الله. (القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح بتصرف).
ومن معانيها أيضا أن الشمس تبدو أنها تظهر من الغرب لراكب طائرة عند الغروب.
أما خروج الدابة فقد جاء في التفسير الكبير لحضرة الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام للآية (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) ما يلي:
شرح الكلمات:
تُكلِّمهم: كلّمه: حدّثه؛ وجرّحه. (الأقرب) التفسير: أي عندما يصدر من السماء القرار بعقاب هؤلاء الموتى والصمّ والعمي روحانيًا، سيُخرج الله من الأرض دودة تجرحهم، وسننـزل عليهم هذا العذاب لأنهم لم يوقنوا بآياتنا.
واعلم أن نبأ خروج دابة الأرض هذا قد أوضحه النبي عليه السلام في أحاديث أخرى، وأخبر أن خروجها سيكون في آخر الزمان الذي هو زمن ظهور المسيح والمهدي (تفسير ابن كثير). كما بين النبي عليه السلام أيضًا أنه عندما تشتد المعارضة ضد المسيح الموعود "فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم." (مسلم: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال).. أي أن معارضي المسيح الموعود سيصابون بمرض الدمامل في رقابهم بأمر الله تعالى فيهلكون بها.
وعندما ندرس هاتين الروايتين معًا يتضح لنا جليًا أن دابة الأرض التي أخبر القرآن عن ظهورها هنا هي في الواقع مرض الطاعون الذي قد تفشى في زمن المسيح الموعود عليه السلام وأهلكَ مئات الآلاف من الناس.
وسبب هذا المرض دودةٌ تدخل في جسم الإنسان من الأرض، فيظهر دمّلٌ خطير في عنقه أو عند أصل الفخذ، ولذلك سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدودة دابة الأرض وأيضًا النغَف. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتبر خروج دابة الأرض من علامات الزمن الأخير، فثبت أن قوله تعالى ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ)) إنما يشير إلى أولئك القوم الذين يكذّبون المسيح الموعود عليه السلام، ولن يروا آيات السماء لمرضهم الروحاني، ولن يسمعوا كلام الله تعالى جرّاء صممهم الروحاني، ولن يفعلوا الخيرات لحرمانهم من الحياة الروحانية. وسيبطش الله تعالى بهم من جراء معاصيهم فيسلّط عليهم الله دودة أرضية لتُهلكهم. لقد تردوا وأصبحوا ديدانًا أرضية بكفرهم بآيات الله، فيسلّط الله عليهم دودة من الأرض كعقاب.
فهذه نبوءة عظيمة قد تحققت في عهد المسيح الموعود عليه السلام. وقد أشارت إليها أنباؤه عليه السلام أيضًا بكل وضوح وجلاء. وبيان ذلك أنه لما وقع خسوف القمر بحسب نبوءة النبي عليه السلام في الليلة الثالثة عشرة من رمضان وكسوف الشمس في اليوم الثامن والعشرين من رمضان نفسه أخبر الله المسيح الموعود عليه السلام أن الناس إذا لم ينتفعوا من هذه الآية ولم يؤمنوا به عليه السلام فسينـزل عليهم عذاب شديد. فقد كتب عليه السلام بصدد هذه الآية ما نصه:
"وحاصل الكلام أن الخسوف والكسوف آيتان مخوّفتان، وإذا اجتمعا فهو تهديد شديد من الرحمن، وإشارة إلى أن العذاب قد تقرر وأُكّد من الله لأهل العدوان." (نور الحق الجزء الثاني، الخزائن الروحانية ص 232)
وتحقيقًا لهذا النبأ ألقى الله في روع المسيح الموعود عليه السلام أن يدعو لنـزول وباء عام حيث قال عليه السلام عام 1894م في قصيدة عربية:
فلما طغى الفسقُ المـبيدُ بسيلهِ تمنيتُ لو كان الوباءُ المتبِّـرُ
فإنّ هلاك الناس عند أُولي النهى أحَبُّ وأَولَى مِن ضلال يُخسِّرُ
(حمامة البشرى، الخزائن الروحانية المجلد 7 ص 326)
ثم في عام 1897م كتب حضرته عليه السلام ما تعريبه:
لقد تلقيت إلهامًا من الله تعالى: "يا مسيحَ الخلق عَدْوانا".. أي يا مسيح الخلق اهتمّ بمرضنا.
وأضاف بعد ذلك قائلاً:
"فلا ندري بأي وقت تتعلق هذه الأخبار ومتى تتحقق. فترون أنهم يموتون بالدعاء تارة ويحيون بالدعاء تارة أخرى." (سراج منير، الخزائن الروحانية المجلد 12 ص 70-71)
عندما أُشيعتْ هذه النبوءة الأخيرة كان الطاعون قد تفشى في مدينة مومباي فقط، وكان انتشارها فيها قد توقف بعد سنة، فكان الناس فرحين أن الأطباء قد تمكنوا من إيقافه، ولكن أنباء الله تعالى كانت خلاف ذلك. فبينما كان الناس يعتبرون هجمة الطاعون هجمة عابرة، إذ كان قد خف واختفى من منطقة مومبي وكانت منطقة بنجاب محفوظة منه ما عدا قرية أو قريتين، نشر المسيح الموعود عليه السلام إعلانًا آخر قال فيه ما تعريبه:
"هناك أمر هام آخر أجدني مندفعًا لذكره هنا بدافع الشفقة على الإنسانية. وبرغم أني أعلم جيدًا بأن المحرومين من الروحانية سيضحكون علي بسببه ويستهزئون، إلا أني أرى كشفه للناس واجبًا عليّ شفقةً على الإنسانية، وهذا الأمر هو: أني رأيت في المنام اليوم 6 فبراير/شباط 1898م يوم الأحد أن ملائكة الله يغرسون في شتى مناطق البنجاب أشجارًا سوداء كريهة الشكل مخيفة المظهر وقصيرة الطول، فسألت بعض هؤلاء الزارعين: ما هذه الأشجار؟ فقالوا: إنها أشجار الطاعون الذي سيتفشى في البلاد عن قريب. لقد اشتبه عليّ الأمر فيما إذا قالوا إن هذا المرض سيتفشى في فصل الشتاء القادم أم في الذي بعده، ولكن ما رأيته كان منظرًا مخيفًا جدًا. وقد تلقيتُ قبله إلهامًا عن الطاعون وهو: "إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم، إنه آوى القرية".. أي لن يزول هذا الوباء الظاهر ما لم يزُلْ وباء المعصية من القلوب." (أيام الصلح، الخزائن الروحانية المجلد 14 ص 360-361)
وقد سجل حضرته عليه السلام في آخر هذا الإعلان أبياتًا فارسية وهي فيما يلي:
?ر آں ?يزے كه مے بينم عزيزاں نيز ديدندے
ز د نيا توبه كردندے ب?شم زار وخوں بارے
خور ِ تاباں سيه ?شت است از بد كارئ مردم
زميں طاعوں همے آرد ?ۓ تخويف وانذارے
به تشويشِ قيامت ماند ايں تشويش ?ر بيني
علاجے نيست بهرِ دفع آن جُز حسنِ كردارے
من از همدردى ات ?فتم تو خود هم فكر كن بارے
خرد از بهرِ ايں روز است اے دانا وهوشيارے
(المرجع السابق ص 363)
أي لو رأى أصدقائي ما أراه لتابوا عن حب الدنيا باكين. قد اسودت الشمس المضيئة من جراء سيئات العباد، كما أخرجت الأرض الطاعون تحذيرًا للناس. لو أمعنتم النظر لوجدتم أن هذه المصيبة هي كمصيبة القيامة، ولا علاج لها إلا صالح الأعمال. لقد ذكرتُ هذا الأمر بدافع الشفقة، فتدبر في الأمر أيها الإنسان العاقل الذكي إذ قد أُعطيت العقل لمثل هذا اليوم.
لقد تبين من هنا أن سيدنا المسيح الموعود عليه السلام قد تنبأ قبل عام 1894م بنـزول عذاب شديد، ثم أنبأ صراحة عن تفشي الطاعون، ثم قبل تفشّيه في الهند أخبر عن الدمار الذي سيخلفه الطاعون في منطقة البنجاب خاصة، واعتبره نموذجًا للقيامة، وأخبر أنه لن يختفي إلا إذا أصلح الناس قلوبهم.
وأما ما حدث بعد ذلك فلا يمكن وصفه بالكلمات. لقد بدأ الطاعون من مومباي، وكان الأقرب إلى القياس أنه سيكون شديد الوطء هناك، ولكنه ترك مومباي وخيّم في منطقة البنجاب، وكان شديد الوطء جدًا، حتى مات في بعض المرات ثلاثون ألف شخص في أسبوع واحد، ومات مئات الآلاف في سنة واحدة. لقد عُيّن مئات الأطباء لمكافحته، واختُرعتْ عشرات الطرق لعلاجه، ولكن بدون جدوى حيث صار الطاعون كلَّ سنة أشدَّ فتكًا من ذي قبل، ووقفت الدولة عاجزة حياله. وأدرك كثير من الناس أن هذا العذاب إنما نـزل بسبب تكذيب المسيح الموعود عليه السلام، وبرؤية هذه الآية القاهرة قبِل مئاتُ الآلاف الحقَّ وآمنوا بالمأمور المبعوث من عند الله تعالى. ولم تخفّ وطأة الطاعون إلا بعد أن أوحى الله تعالى إلى المسيح الموعود عليه السلام ما تعريبه:
"ذهب الطاعون ولكن بقيت الحمى" (تذكرة: الطبعة الثالثة ص 512 الهامش، تاريخ الإلهام: 28 إبريل/نيسان 1904). وبعدها أخذ الطاعون يخفّ ويختفي باستمرار.
إن هذه الآية تبلغ من الوضوح والجلاء بحيث لا يسع المؤمن والكافر إلا تصديقها، ولو أنكرها أحد عنادًا ومكابرة فلا شك أنه يستحق الرثاء. أما الذي عنده عين مبصرة فيمكن أن يرى بجلاء ما يلي:
أولاً: لقد تم الإخبار عن الطاعون قبل تفشّيه بمدة طويلة، مع أنه ليست هناك وسيلة طبية للإنباء عن الأمراض قبل تفشيها بهذه المدة الطويلة.
ثانيًا: لقد تم الإعلان قبل ظهور الطاعون أنه لن يكون مؤقتًا هذه المرة، بل سيظل يصول ويهاجم سنوات متتالية.
ثالثًا: لقد قيل قبل تفشّيه أيضًا أنه سيشتد في منطقة البنجاب خاصة. وهذا ما أكدته الأحداث فيما بعد إذ تفشّى في البنجاب خاصة وكان أكثر فتكًا بأهلها مقارنة بالمناطق الأخرى.
رابعًا: لقد أعلن الأطباء بالتكرار أنهم قد سيطروا على هذا المرض، ولكن المسيح الموعود عليه السلام أخبر الناس أنهم مهما فعلوا فإن وطأة الطاعون لن تخفّ ما لم يتم علاجه من عند الله تعالى. وهذا ما حصل بالفعل، إذ ظل الطاعون يشتد ويشتد طيلة تسع سنوات على التوالي.
خامسًا: وفي النهاية رحم الله العباد ووعد بكسر حدة الطاعون فأخبر المسيح الموعود عليه السلام: "ذهب الطاعون ولكن بقيت الحمى". وبالفعل بعد هذا الوحي الإلهي أخذ الطاعون يخفّ، وتفشّى مرض الحمى واشتد في منطقة البنجاب التي لم يخلُ منها بيت واحد، حتى اعترفت الحكومة في تقاريرها الرسمية بأنها حمى غير عادية.
باختصار لقد أخبر الله في هذه الآية أنه بعد إقامة الحجة على الناس بالآيات السماوية والأدلة العقلية سيرسل لعقاب الموتى والصم والعمي الروحانيين دابة من الأرض تكلّمهم وتجرحهم إذ لم يؤمنوا بآيات الله.
لقد صرح المسيح الموعود عليه السلام في كتبه أيضًا أن الله تعالى قد ألقى في روعه أن دابة الأرض هي الطاعون، وقد أثبت حضرته ذلك بشتى الأدلة والقرائن. (نـزول المسيح، الخزائن الروحانية المجلد 18 ص 415-421)
وجدير بالذكر أن نبأ خروج دابة الأرض لا يُنبئ عن الطاعون فحسب، بل تُنبئ عن اختراع المجهر أيضًا، إذ كان من المستحيل بدونه أن يُعرف أن دابة تسبب هذا المرض، إذ كان الناس قبل اختراع المجهر يُرجعون كل مرض إلى أربعة مواد في البدن الإنساني وهي: البلغم، والصفراء، والسوداء، والدم.
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.