إنه يراكم هو وقبيله
إذا حذّرك صاحبك من النيازك الهائلة التي إذا سقطت فهي تقتلك لهول حجمها سواء كنتَ ماشيا أم نائما، فتحذيره لا يُجدي، لأنه لا يُبنى عليه عمل، بل هو تحذير مضرّ، لأنه مُحبط. فالأفضل أن يظل المرء جاهلا بمثل هذه النيازك إن لم يكن لمعرفتها أي أثر في الحدّ من خطرها؛ فالجهل بها يحنّب المرء من الرعب على الأقل.
التحذير المُجدي هو الذي يُبنى عليه عمل، فإذا حذرناك من أشعة الشمس الحارقة لبستَ نظارة شمسية وحملت مظلة، وإذا حذرناك من الأعداء تنبهتَ لتحركاتهم.
هذه بدهية، ولكن ما أكثر البدهيات التي ينقضونها! وإلا لماذا ينسبون إلى القرآن الكريم أنه حذَّر من الجنّ الشبحي مع أنه لا يُرى؟ كيف يمكن أن أحذر هذا المخلوق إذا كان يراقبني هو وقبيله وأنا لا أراه ولا يمكن أن أراه؟ ولا ينفعني هذا التحذير شيئا!! هذا هو ما يفسرون به هذه الآية الكريمة يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(الأَعراف).
أقول إن الآية هنا لا تتحدث عن الجن، بل عن الشيطان. والشيطان يُطلَق -من ضمن ما يُطلق- على الأشرار وعتاة الكفر الذين يصدّون عن سبيل الله، كما في قوله تعالى وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون، فالشيطان وجماعته يراقبون المؤمنين ويقتنصون الفرص للإيقاع بهم، فهم يؤثّرون على الإنسان بأساليب غير مكشوفة، هذا هو معنى إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ؛ إن الشيطان ومن معه "لا يبيّنون حقيقة أمرهم أمام المرء، ويظلون يبحثون عن مواطن الضعف فيه لاستغلالها وجرّه إلى طريق الفساد".
وقد سبقت هذه الآيةَ آيةٌ مماثلة على لسان إبليس يهدد بقوله ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ.. فهو يريد أن يُضِلَّ الناس من شتّى الاتجاهات، لكن الحل معه بسيط جدًّا، وهو قوله تعالى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فكل تحرّكات إبليس والشيطان لا تسبب أي إضرار بعباد الله الصالحين. فكن تقيًّا متوكلا على الله ولن يضرك شيطان قط.
إذن، إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ إنما تعبر عن مراقبة الشياطين للمؤمنين بهدف إغوائهم، وليس لها أي علاقة بالجن الشبحي أو بالسحر. والقاعدة الهامة هي كُن مؤمنا صالحا عابدا فلن تؤثر فيك أي وساوس.
والقول إن هناك أناسًا يتعاملون مع الجن بحيث يأمرون هذا الجن الشبحي بأن يضر بفلان من الناس.. هذا القول باطل جدًّا، ومُحبط، ومدمِّر لكل من يؤمن به، وما أسوأ أن تتصور أن هناك أشباحا تلاحقك وقد تضر بك في أي لحظة!! إنه الرعب الأبدي!
منقول
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.