هل نزل الوحي على سيدنا محمد عن طريق جبريل ولم ياتيه مباشرة؟
هذه فكرة خاطئة، بل نزل القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة.
إن القول أن القرآن الكريم جاء به جبريل عليه السلام من عند الله تعالى، بينما سمع موسى عليه السلام التوراة من الله مباشرة.. هذا القول وهْم وخطأ. مِن أين أتوْا بأن جبريل كان ينـزل عند كل وحي قرآني ويقول أن الله قد أمره بتبليغ الآيات الفلانية؟
يقول الخليفة الثاني في التفسير الكبير: "هناك خمسة أمثلة أو سبعة في الحديث ورد فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أتاني جبريل".. وذُكر ذلك بصدد شهر رمضان، إذ كان جبريل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدارس معه القرآن، لكن هذا الوضع يختلف؛ إذ لم يكن جبريل في هذه الحالة إلا مجرد سامع، وكان مجيئه ضروريا لأن واجب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظ كل كلمة من القرآن الكريم. أما غيره فلو أخطأوا في قراءة القرآن الكريم لأصلحهم الآخرون، ولكن لو أخطأ الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يصلح الناس؟.... أما باقي الوحي فنـزول الملائكة معه إنما يعني أن الله تعالى ينـزل وحيه في حراسة الملائكة".
يقول الله تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)
يقول الخليفة الثاني في تفسيرها بعد أن أطال في نقض التفسير التقليدي: "(إِلَّا وَحْيًا) يعني وحيًا من دون واسطة. و (مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يعني في المنام أو بالإشارة والتلميح. أما قوله (يُرْسِلَ رَسُولًا) أنه يوحي بالواسطة.. أي يوحي أولا إلى الملَك الرسول الذي يبلغ البشر الرسول. وحيث إن هذا النوع الأخير يتم بالواسطة فقد يشتبه أحد أنه ليس وحيا، فأضاف الله تعالى قوله (فيوحي بإذنه ما يشاء) دفعا لهذه الشبهة وموضحا أن هذا النوع أيضا أحد أنواع الوحي.
إذن، صار للوحي ثلاثة أقسام:
أولا الوحي الحقيقي بلا واسطة، أي أن الله تعالى يُنـزل كلامه على عبده من دون واسطة.
ثانيا: الوحي التابع، حيث لا تنـزل كلمات من عند الله تعالى، بل ينـزل كلامه في تمثيل يكون بحاجة إلى تأويل، أو في صورة مشهد لا يحتاج إلى أي تأويل. ويُترك للعبد أمرُ تحويله إلى كلمات.
ثالثا: الوحي الحقيقي بالواسطة، حيث ينـزل الله كلامه على الملاك فيبلغه الملاك إلى العبد". (التفسير الكبير)
باختصار، أنواع الوحي الثلاثة هي: كلام واضح من الله مباشرة، ورؤى وكشوف من الله مباشرة أيضا لكنها بحاجة إلى تأويل، وكلام عن طريق الملاك. وهذه الأنواع تتفرع إلى أنواع كثيرة، وقد تحدث الخليفة الثاني عن 23 نوعا، وذلك حسب أداة الاستقبال في المرء: مشاهدة، أم سماع، وحسب نوع الوحي: نصّ أم رؤيا، وحسب المتلقي: فردا أم جماعة وغير ذلك.
وما تلقاه الأنبياء لا يختلف في أسلوب تلقيه، ولكنه يختلف في كميته ونسبة كل نوع منه، أي نسبة ما هو من النوع الأول، وهو أعظم الأنواع، ونسبة ما هو من النوعين الثاني والثالث. ونحن نؤمن أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد تلقى الوحي القرآني من الله مباشرة، وأن الملائكة نزلت لحراسة هذا الوحي وليس لإبلاغه.
فالظن أن تلقي الوحي عن طريق جبريل هو أرفع أنواع الوحي خطأ، والظن أن الله كلّم موسى عليه السلام وحده خطأ آخر، والظنّ أن وحي التوراة نزل من الله مباشرة، بينما نزل وحي القرآن عن طريق ملاك فهو أكبر الأخطاء، وهو تفضيلٌ للتوراة على القرآن العظيم.
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.