المسيح الموعود هو حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام
مولده ونشأته ومسيرته | |||
ولد حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام في قرية قاديان من أعمال البنجاب في الهند سنة 1250هـ الموافق 1835م. وهو ينحدر من أسرة نبيلة من الفرس هاجرت إلى الهند إبان الدولة المغولية. وقد حضر أجداده من سمرقند واستوطنوا في البنجاب حيث اقتطع لهم الإمبراطور المغولي "بابر" عدداً من القرى والضياع.
ولما تراجع نفوذ الدولة المغولية، وقعت منطقة البنجاب تحت قبضة السيخ الذين تمردوا عليها. وقد قاسى المسلمون في البنجاب الأمرّين على يد السيخ الذين قتلوهم وشردوهم وحولوا مساجدهم إلى إسطبلات للخيول والأبقار. وفي تلك الفترة، كانت بريطانيا قد بدأت حملتها في الهند. وما لبث أن امتد حكمها إلى البنجاب وأدى ذلك إلى نوع من التحسن في أحوال المسلمين نتيجة رفع ظلم واضطهاد السيخ عنهم. إلا أن الإنجليز جاؤوا بالقساوسة الذين سعوا إلى نشر المسيحية في الهند. وقد كان انتشار المسيحية في الهند أحد الأدوات التي رغبت بريطانيا من خلالها في بسط نفوذها على تلك البلاد وإخضاع أهلها إلى الأبد. فبدأ هؤلاء القساوسة بالهجوم على الإسلام والقدح في عرض سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بطريقة شرسة لم يسبق لها مثيل. وقد حدث أن اعتنق عديد من المشايخ السفهاء المسيحية وأخذوا يهاجمون الإسلام بشراسة. وقد حرّض هذا الهجوم المسيحي أتباع الديانات الأخرى أيضًا على محاولة النيل من الإسلام أيضاً. فقامت لأول مرة في التاريخ حركات هندوسية تهاجم الإسلام وتدعو إلى عودة المسلمين الهنود إلى دين آبائهم وأجدادهم. وفي تلك الفترة، إنبرى حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام للذّود عن حياض الإسلام وعن عرض المصطفى صلى الله عليه وسلّم، فقام بالرد على مطاعنهم وشبهاتهم. وبدأ بالرد من خلال المقالات في الصحف والرسائل. ثم عمد إلى تأليف كتاب أسماه "البراهين الأحمدية"، وقد ضمّنه أدلة وبراهين على صدق الإسلام وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلّم، وتحدى أتباع الديانات الأخرى، وقام بتأليف المجلد تلو المجلد من الكتب العظيمة حتى وصل عددها إلى نيف وثمانين كتابًا. واتجه حضرته إلى دراسة الكتب المقدسة لهذه الأديان وبخاصة المسيحية، فاكتشف كمًّا هائلاً من التناقضات، مما جعله قادراً على إفحامهم في المناظرات وفي الكتب والمقالات. وقد كان دفاعه عن الإسلام محطّ إعجاب المسلمين جميعاً في الهند. وقد لقبوه ببطل الإسلام، حيث كانوا يجدونه الوحيد القادر على رد الهجمات على الإسلام وعلى إفحام الأعداء. فمدحه المشايخ والعلماء في الهند، ووصفوا كتابه "البراهين" بأنه من أعظم الكتب في الإسلام. وقد أعلن حضرته أن الله تعالى أبلغه أنه الإمام المهدي الذي وعد بقدومه في آخر الزمان، فكان هذا القول مقبولاً عموماً من المسلمين ولم يلقَ معارضة شديدة، وهذا بسبب ثقتهم به ومعرفتهم بتاريخه وسيرة حياته الطاهرة المطهرة. ولكن ما إنْ أعلن أن الله تعالى قد أخبره بأن عيسى ابن مريم عليه السلام قد مات وأنه هو مثيل ابن مريم، حتى تألب عليه المشايخ المعارضون ووقف كثير منهم في صفٍ واحدٍ مع المسيحيين والهندوس في معاداته، وأصدروا الفتاوى بتكفيره. فرد على هذه الشبهات في كتبه وبيّن دعواه بشكل واضح وجلي. وقد سبّب دفاعه عن الإسلام تألُب النصارى عليه بشكل خاص، فسعى القساوسة إلى رميه بتهم جنائية باطلة لإلقائه في السجن. ولكن الله خيّب مسعاهم دائماً، وفضح خططهم، فباؤوا بالخيبة والخسران في كل مرة. كما أن مخططهم في تنصير الهند قد خاب بسبب دفاعه المستميت عن الإسلام. فقد أصبحت المسيحية في وضع لا تُحسَد عليه بسبب كشفه عليه السلام لزيفها وبطلانها من مصادر شتى ومنها كتبهم المقدسة. ورغم كل المعارضة والمعاندة من الأعداء، فإن الله تعالى أيده بنصره عليهم، وحقق له الغلبة على أعداء الإسلام، كما حقق نبوءاته وبشاراته التي بشر بها. وأسس عليه السلام بأمر من الله تعالى الجماعة الإسلامية الأحمدية المنتشرة اليوم في كل أصقاع العالم. كل ذلك بعد أن كان إنساناً وحيداً، تقف الدنيا كلها في وجهه. ولعل انتشار هذه الجماعة وازدهارها المستمر الذي أصبح جلياً للعيان في هذا الوقت، لدليل على أن يد الله كانت مع هذه الجماعة التي ما كانت لتنجح في ظل تلك الظروف غير المؤاتية، ورغم كل الصعوبات والعقبات. | |||
دعواه | |||
يقول حضرته عليه السلام في تبيان دعواه ما نصه:
"قد بينتُ مرارًا وأظهرتُ للناس إظهارًا أني أنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، وكذلك أُمرتُ، وما كان لي أن أعصيَ أمرَ ربي وأُلْحَقَ بالمجرمين. فلا تعجَلوا علي، وتدبَّروا أمري حق التدبر إن كنتم متقين. وعسى أن تكذِّبوا امرأً وهو من عند الله، وعسى أن تفسِّقوا رجلا وهو من الصالحين."
وقال حضرته عليه السلام في هذا السياق أيضاً ما نصه: "إني امرؤ ربَّانيَ الله برحمة من عنده، وأنعم عليَّ بإنعام تام، وما أَلَـتَـني من شيء، وجعلني من المكلَّمين الملهَمين. وعلّمني من لدنه علمًا، وهداني مَسالكَ مرضاته وسِكَكَ تُقاته، وكشف عليَّ أسراره العليا. فطَورًا أيّدني بالمكالمات التي لا غبارَ عليها ولا شبهةَ فيها ولا خفاء، وتارةً نوّرني بنور الكشوف التي تُشبه الضحى. ومِن أعظم المِنن أنه جعلني لهذا العصر ولهذا الزمان إمامًا وخليفةً، وبعثني على رأس هذه المائة مجدِّدًا، لأُخرج الناسَ إلى النور من الدّجَى... ومن آياته المباركة أنه إذا وجد فساد المتنصرين، ورآهم أنهم يصدّون عن الدين صدودًا، ورأى أنهم يؤذون رسول الله ويحتقرونه، ويُطرون ابنَ مريم إطراءً كبيرًا.. فاشتد غضبُه غيرةً من عنده، ونادانى وقال: إني جاعلك عيسى ابنَ مريم، وكان الله على كل شيءٍ مقتدِرًا. فأنا غيرة الله التي فارت في وقتها، لكي يعلَمَ الذين غَلَوْا في عيسى أنّ عيسى ما تفرَّدَ كتفرُّدِ الله، وأن الله قادر على أن يجعل عيسى واحدًا من أمة نبيه، وكان هذا وعدًا مفعولا."
وقال عليه السلام ما نصه: "اِسمعوا يا سادة، هداكم الله إلى طرق السعادة، إني أنا المستفتي وأنا المدعي. وما أتكلم بحجاب، بل إني على بصيرة من رب وهاب. بعثني الله على رأس المائة... لأجدّد الدين وأنوّر وجهَ الملة، وأكسِّر الصليب وأُطفئ نارَ النصرانية، وأقيمَ سنةَ خير البرية، ولأصلحَ ما فسد وأروِّجَ ما كسد. وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود. منَّ الله عليَّ بالوحي والإلهام، وكلّمني كما كلّم برسله الكرام، وشهد على صدقي بآيات تشاهدونها، وأرى وجهي بأنوار تعرفونها. ولا أقول لكم أن تقبلوني من غير برهان، وأن تؤمنوا بي من غير سلطان، بل أنادي بينكم أن تقوموا لله مقسطين، ثم إلى ما أنـزل الله لي من الآيات والبراهين والشهادات. فإن لم تجدوا آياتي كمثل ما جرت عادةُ الله في الصادقين وخلَتْ سنتُه في النبيين الأولين، فرُدُّوني ولا تقبَلوني يا معشرَ المنكرين".
| |||
آخر لحظات حياته الشريفة | |||
كان سيدنا أحمد عليه السلام قد وصل إلى لاهور في صحبة السيدة زوجته وبعض أفراد عائلته وصحابته، ونزل في بيت واحد من فضلاء أفراد جماعته هناك. وكان عليه السلام يعاني من مرض الدوسنطاريا الذي كان يعاوده من حين لآخر، وفي يوم 23 من ربيع الثاني 1326هـ الموافق 25 أيار (مايو) 1908، عاوده المرض، وقد جمع صلاتي المغرب والعشاء، وتناول قليلا من الطعام. ثم أحس بالرغبة في قضاء حاجته، فذهب إلى بيت الخلاء، ثم عاد إلى غرفته لينال قسطا من الراحة. ونام بعض الوقت، ونام أهله، ولكنه استيقظ مرة أو مرتين أثناء الليل لقضاء حاجته. وعند الساعة الحادية عشرة في تلك الليلة، استيقظ مرة أخرى وقد شعر بضعف شديد فأيقظ زوجته، وبعد قليل ازداد شعوره بالضعف، فاستأذنته زوجته أن تدعو حضرة المولوي نور الدين رضي الله عنه الذي كان طبيبا حاذقا وكان أيضا من أقرب وأحب صحابته إليه، فوافق حضرته على استدعائه واستدعاء ابنه (سيدنا) محمود أحمد رضي الله عنه، وكان حينئذ في التاسعة عشرة من عمره.
وقد جاء مولانا نور الدين رضي الله عنه، كما جاء الدكتور محمد حسين والدكتور يعقوب بيك، وقال لهم عليه السلام إنه يعاني من الدوسنطاريا وسألهم أن يقترحوا له دواء، ثم أضاف قائلا: في الحقيقة إن الدواء موجود في السماء، فعليكم بالدواء والدعاء. وقد قام الأطباء بمعالجته، ولكن الضعف كان يزداد، وشعر بالجفاف في لسانه وحلقه، وكان عليه السلام يردد بين حين وآخر: "يا إلهي يا حبيبي". ولعل هذا يُذكّرنا بما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، إذ ورد في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رأس النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي، فغشي عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال: "اللهم الرفيقَ الأعلى" (باب آخر ما تكلم النبي صلى الله عليه وسلم) كان صحابة سيدنا أحمد عليه السلام وجميع الحاضرين في حالة من القلق والاضطراب، وكان البعض يقوم بخدمته والبعض الآخر يؤدون صلاة التهجد، وقد كتب ابنه ميرزا بشير أحمد رضي الله عنه يقول: "... حينما رأيت وجه والدي في صباح ذلك اليوم انتابني القلق، واستولى عليّ شعور بأن هذا ليس إلا مرض الموت". حول الساعة الخامسة صباحا وصل نواب محمد عليّ رضي الله عنه، وهو زوج ابنته عليه السلام ومن أبرز صحابته، ولما دخل سلّم على سيدنا أحمد فردّ عليه السلام، ثم سأل: هل حان وقت صلاة الفجر؟ قيل: نعم. فضرب بكفّيه على الفراش وتيمم ثم أخذ يصلي الفجر. ولكنه غُشي عليه أثناء الصلاة، وبعد قليل أفاق فسأل ثانية: هل حان وقت صلاة الفجر؟ فقيل: نعم. فنوى لصلاة الفجر ثانية، وراح يؤدي الصلاة حتى فرغ منها، ثم غشي عليه وهو يردد هذا الكلمات: "يا إلهي يا حبيبي". في الساعة الثامنة صباحا سأله أحد الأطباء الذين كانوا يتولون علاجه عما إذا كان يشعر بألم أو أذى في أي جزء من أجزاء جسده الشريف، ولكنه لم يستطع أن يجيبه لشدة الضعف، وأشار إلى الحاضرين طالبا ورقة وقلما، وكتب أنه يشعر بضعف شديد ولذلك فإنه لا يردّ عليهم. وفي الساعة التاسعة صباحا تدهورت حالته وكانت أنفاسه الشريفة طويلة، وقد بات واضحا للحاضرين أنه في اللحظات الأخيرة من حياته. وفي الساعة الحادية عشرة قبيل ظهر ذلك اليوم، فاضت روحه الطاهرة للقاء حبيبها وهو على فراشه، وانتقل إلى الرفيق الأعلى في جنة الخلد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وبذلك انقضت أيام عمره المبارك الذي بلغ فيه الخامسة والسبعين ونصف العام. وللمزيد يراجع كتاب (السيرة المطهرة) في معرض الكتب في هذا الموقع. وكتاب (سيرة المهدي) بالأوردو على هذا الرابط: ملف PDF كما يمكن مراجعة بند الأسئلة والأجوبة في هذا الموقع. |
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.