الــقــرآن و الــســنّــة
( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) [آل عمران : 8]
(.... فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا % وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا % وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا % وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا % وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا % )
[سورة النساء : 66-70]
.....................
نلاحظ أن الآية الأولى هي من سورة آل عمران والثانية من سورة النساء بالترتيب، فكأن الإولى هي السؤال والثانية هي الجواب.
نجد أيضاً أن الله I تكلم عن المحكم والمتشابه في كتابه العزيز وبيّن I أن الراسخين في العلم أي أولى الألباب يؤمنون بالكتاب جميعا ويقولون كله من عند الله فلا نقص فيه ولا زيادة ولا اختلاف وبذلك يكون القرآن الكريم عندهم كله محكم. أما الذين يبحثون عن المتشابه و لا يفهموه وفق المحكم ويفسروه بعيدا عن القرآن الكريم فقد وصفهم الله I بأن في قلوبهم زيغ وأنهم يفسرون القرآن لتحريفه وإثارة الفتنة والفرقة والاختلاف بين الناس.
كان ذلك هو الموضوع الأول، أما الآية الثانية فهي ترد على الذين يتبعون المتشابه ويختلفون بسبب ذلك (من الذين سبق وصفهم) ترد عليهم أن يحكّموا الرسول r فيما شجر بينهم واختلفوا فيه وبأن عليهم الرضى بحكم رسول الله r وإلا فلا إيمان لهم، وهذا بيان جلي لكل منكر لسنة المصطفى r أن يرتدع عن هذه العقيدة لأن الله U قرن الإيمان بالحكم في المتشابه الى رسول الله r وفي هذا إشارة الى أن سنة النبي r هي مفصلة وشارحة للقرآن الكريم، ويؤكد I على هذه المسألة الهامة أي طاعة رسول الله r وليس فقط القرآن الكريم بقوله (ُيحَكِّمُوكَ) أي أنت يا محمد r ثم بقوله U ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ) ، فبما أن القرآن الكريم بيد الجميع ومع ذلك أُختلف فيه وبما أن القرآن الكريم بحر لا نهاية لمعانيه كما قال الحق I ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) ولا يوجد ذي لب يظن أن الكلمات المقصودة هي الألفاظ المحصورة بين دفتي كتاب الله I، فلا حل بداهةً إلا بسنة المصطفى r وأقواله الصحيحة التي تفصّل ما جاء في كتاب الله U بما لا يتعارض ويصطدم بآيات القرآن المجيد بعضه بعضا وهذه دعامة أخرى تعضّد عرض الحديث على كتاب الله I للموافقة التي بيّنها الله Y في قوله ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) أي خلافه وقوله تعالى ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) والبعدية هنا هي البعدية الخلافية بمعنى المخالفة، لقول الله Y ولإستحالة قول رسول الله r ما يخالف قول الله I وبما أن رسول الله r قد مات فعلينا بسنته وأقواله التي نعرضها على قول الله I كما سبق بيانه لتحل الخلاف في تفصيل ما أُجمل في كتاب الله Y وإذاً فهو r حي بسنته وأحاديثه التي سخّر الله لجمعها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولا ننسى أن رسول الله r كان قرآنا يمشي أي أنه لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علّمه شديد القوى، وبجمع هذه الآيات مع بعضها تكتمل الصورة لمن في قلبه شك من سنة خير الورى بوجوب الرجوع الى أفعاله وأقواله r عند الحاجة الى الفصل في مسألة، وحيث لا خلاف بين الفرق سوى في تأويل القرآن كان لابد من العودة الى من أوتي جوامع الكلم ولم ينطق عن هوى لأخذ ما هو خير وأحسن تأويلا.
ولو تعمقنا أكثر في ذات الآية ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ) فإننا نجد أن اتّباع الرسول r وتحكيمه فيما نختلف فيه بكل ما في الكلمة من معنى فإن الله I سيجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا، وفيه إشارة أيضا الى مقام النبوة المُنعَم به على خير أمة أُخرجت للناس بسبب إتّباع سنة محمد المصطفى r وهي فيوض نبوّته وأنوار تعاليمه r وهذا ما تقوله الآية الكريمة بكل وضوح وصراحة في سياقها لمن ألقى السمع وهو شهيد.
أخوكم مسلم لله
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.