مناقشة وتفنيد سحر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
خرافة سحر نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين تشبه خرافة الغرانيق التي كان يعتقد بها كثير من المسلمين في يوم من الأيام، ثم رفضوها بفضل الله تعالى. بيد أن قصة السحر لا زال يرى صحتها كثير من العلماء والعامة.
وهذه القصة الاستفزازية تراها في كتب الحديث وفي كتب التفسير عند تفسير سورة الفلق عند قوله تعالى (من شر حاسد إذا حسد). ويَرى المعتقدون بذلك أن يهوديًا سحر نبينا الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم "حتى كان يُخيّل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله" أو "حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن"أو حتى "لبث ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي".
إن هذه الروايات باطلة سندًا ومتنًا:
أما من ناحية السند فإن مدار غالبية الروايات على هشام بن عروة، الذي رواها عن أبيه. ومعلوم أن هشام يرسل الروايات عن أبيه، حيث قال عنه يعقوب بن أبي شيبة:"هشام بن عروة ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر عليه ذلك أهل بلده، فإنه كان لا يحدث عن أبيه إلا ما سمعه منه، ثم تسهل فكان يرسل عن أبيه" . وقال مالك بن خراش: كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقًا تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكًا نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرات، قَدْمَةً كان يقول: حدثني أبي سمعت عائشة، وقدم الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة" وقال الآجري عن أبي داود: لما حدث هشام بن عروة بحديث أم زرع، هجره أبو الأسود يتيم عروة، وقال العقيلي: قال ابن لهيعة: كان أبو الأسود يعجب من حديث هشام عن أبيه، وربما مكث سنة لا يكلمه. قال أبو الأسود: لم يكن أحد يرفع حديث أم زرع غيره. وقال أبو الحسن بن القطان: تغير قبل موته، ولم نر له في ذلك سلفًا" . "ولا يقوي هذه الرواية تلك الرواية التي جاءت من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم، وذلك لسببين: أولهما : تدليس الأعمش الذي لم يصرح بالسماع هنا، وثانيهما:أن يزيد بن حيان لم يصرح بالسماع من زيد بن أرقم في هذه الرواية. ويجدر أن نعلم أن يزيد بن حيان رغم أنه يوصف بأنه ثقة، إلا أنه لم يرو عن زيد بن أرقم إلا حديث السحر وحديث يبيِّن فيه مكانة أهل البيت، وهو حديث يستدل به الشيعة كثيرًا، وقد ردّ الاستنتاجَ المرويَّ عن زيدِ بن أرقم في هذا الموضوع ابنُ حزم الأندلسي ، كما روى يزيد عن كدير الضبي، وهو من غلاة الشيعة . والمعنى أن يزيد بن حيان ليس معروفًا برواية الحديث .
أما المتن فهو باطل من أوجه عديدة. أهمها:
1- قال الله تعالى عن المشركين وقال الذين كفروا إن تتبعون إلا رجلا مسحورا). وقد رد الله قولهم وأبطله، فقال تعالى(انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا). "لذا يجب علينا اعتقاد أن القرآن جاء بنفي السحر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث نسب القول بإثباته إلى المشركين ووبخهم على ذلك"
2- "سورة الفلق مكية، في قول عطاء وقتادة وجابر، وما يزعمونه من السحر إنما وقع في المدينة" والمعنى أن ما قيل إن السورة نزلت بشأنه لا يمكن أن يصح، فالسورة نزلت قبل ما قيل إنه سبب نزولها بسنوات. حيث إن قصة السحر المخترعة حدثت في المدينة باتفاق القائلين بسحر النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يرد الحديث متنًا.
3- تتعارض هذه الروايات مع قوله تعالى (والله يعصمك من الناس). فهل معنى هذه الآية أن يتمكن يهودي من التأثير على النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يجعله لا يدري أتى زوجاته أم لم يأتهن، أو أنه فعل الشيء أم لم يفعله.
4- تتعارض هذه الروايات مع عصمة النبي، إذ إن الروايات تتحدث عن نسيان يتعلق بأمور دينية هامة، فالذي لا يدري فيما إذا أتى زوجاته أم لا، لا يدري أهو جنب أم طاهر، وهذا يتعلق بجواز الصلاة أو عدمه. والذي ينسى أنه أتى زوجته أم لا، قد يظلم الزوجة الأخرى بتكرار إتيان الأولى، وقد يظلم الزوجة بعدم إتيانها لظنه أنه قد أتاها. كما أن الذي لا يدري أنه فعل الشيء ولم يفعله، أو أنه أتى زوجته أم لا، يكون في حالة صعبة جدًا، إذ إن هذا يدل على حالة نفسية صعبة جدُّ صعبة. ولا نشك لحظة في أن رسولنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين تعرَّض لذلك لحظة واحدة. إذ لو تعرض لهذا ما انفرد بهذه الروايات هشام عن أبيه.
5- هذه الحكاية، لو صحت، لكانت مثار جدل ونقاش وتساؤلات، ولقال كثير من المنافقين: ما بال الرسول هكذا، ولوجد اليهود شبهاتٍ تفرحهم مع العلم أن سفيانَ وصف سحر الرسول بأنه من أشد ما يكون من السحر، ولذهب المسلمون ليزوروا رسولهم مطمئنين على صحته، ولوقف عمر قائلا: دعني أضرب عنق هذا اليهودي الذي سحرك هذه الأشهر كلها، ولحدثت أمور كثيرة متعلقة بهذا الحدث الغريب والمتعلق بنبي الأمة، وحاكمها، وقائد جيشها، والقارئ على الناس ما يتنـزل من قرآن كريم.
لكن شيئا من هذا لم يحدث، فلم يروِ هذه الخرافة سوى هشام الذي يرسل عن أبيه، والأعمش الذي يدلس عن يزيد شبه المجهول؟
6- ثبت، عقلاً، أن السحر تمويه وخداع وليس له حقيقة، وأكرر التحدي الذي أعلنته لكل السحرة وأعوانهم أن يسببوا لي مرضًا عضويًا أو تأثيرًا على عقلي.
ومن هنا فإننا ندعو أن تهمل هذه الخرافة كما أهملت خرافة الغرانيق من قبلها.
7- ورد في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير … إلا كانت له حرزًا من الشيطان. فهل غاب هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألم يكن قلبه مطمئنا بذكر الله دوما؟
هاني طاهر
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.