الموسيقى والغناء
يرى بعض المشايخ أن سماع الموسيقى من الكبائر، مع أن القرآن الكريم لم يتحدث عن تحريمها ألبتة، ومع أنه لا يمكن الاستغناء عنها، فهناك الموسيقى العسكرية والموسيقى الوطنية، وموسيقى الأطفال، وموسيقى هادئة تريح أعصاب المنهكين، وهناك الموسيقى الفاصلة بين البرامج التلفزيونية وغير ذلك.. فالقول بتحريم الموسيقى يعني تحريم ذلك كله.
معلوم أن هنالك العديد من الأحاديث التي تفيد تحريم الموسيقى، بيد أن الفقهاء اتفقوا على تضعيف أكثرها، لكنهم اختلفوا كثيرا في الحكم على الحديث التالي الذي أورده البخاري في صحيحه، والذي ظلّ حجة لكثير من القائلين بحرمة الموسيقى:
قال البخاري:بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأشْعَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
أسباب ضعف هذا الحديث:
أ) هذا الحديث من معلقات البخاري؛ أي أنه لم يروه عن شيخه بقوله (حدّثني)، بل بصيغة: (قال) أو (رُويَ) أو (عَنْ)، وهذا دليل على أنه لا يقول بصحته.
ب) إن هذا الحديث ضعيف السند، حيث إن رجاله ليسوا معروفين برواية الحديث، حيث إنَّ
1) فيه هشام بن عمار. ولم يحتج به البخاري في صحيحه، إنما روى له حديثين تعليقا ومتابعة. وحديثين لهما شواهد.
2) في السند أيضا صدقة بن خالد، حيث لم يرو له مسلم ولا مالك. أما البخاري فلم يرو له إلا حديثا سوى هذا الحديث المعلَّق.
3) وفيه عطية بن قيس الكلابي الذي لم يرو له البخاري غير هذا الحديث المعلّق، ولم يوثقه سوى ابن حبّان.
ج) لم يستدل البخاري بهذا الحديث على تحريم المعازف، بل أورده تحت باب (مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ). ولو صحّ عند البخاري لاحتج به وجعل بابا بعنوان: تحريم المعازف، وجاء به ليكون أصلا في المسألة، بيد أن البخاري جعله تحت باب آخر مختلف.. ما يؤكد أن البخاري -رحمه الله- لا يقول بصحته.. وهو من معلّقاته.
وعليه فلا يصحّ أهم حديث استُدِلَّ به على حرمة الموسيقى؛ فيكون سماعها مباحا.. لكن من سمعها ليقوم بعمل حرام، أو كانت تلهيه عن طاعة الله، أو تضيع وقته.. فتصبح حراما لأي سبب من هذه الأسباب.. أما إذا كان السماع ينشط الذاكرة ويساعد على استغلال الوقت، فيصبح السماع مستحبا.. وإذا كان سماعها لا يؤدي إلى حرام ولا يشجع على الواجب والمندوب، يكون سماعها مباحا.
أما تفريق البعض بين الأدوات الموسيقية، بحيث يبيح الطبل ويحرم غيره، فهذا ترف فقهي لا أصل له..
أما الغناء فالأصل أنه مباح، لأنه لم يرد أي دليل يفيد حرمته. وهو كأي مباح آخر، يمكن أن يصبح حراما إن خالط الحرام أو إن تسبب في حرام، فالغناء المصحوب برقص وخلاعة وميوعة وتخنث وسكر لا يجوز، وكذلك ما كانت كلماته منافية للدين والأخلاق. أما ما عداه من غناء فليس تحريمه إلا من باب النـزعة نحو القتامة والعبوس والانعزاليّة.
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.