كلمة الله وروح منه
جاءني أحمدي باكستاني يقارب السبعين من عمره يطلب مني أن أناقش مسيحيا عربيا حضر له محاضرةً باللغة الإنجليزية قال فيها: إن القرآن يرفع من شأن المسيح ويصفه بما لم يصف به أي بشر، فهو كلمة الله وروح الله وهو مرفوع إلى السماء.
وحين تدخل الأخ الأحمدي ليعلق وينتقد قال له المسيحي: أنا عربي أفهم القرآن أكثر منك.
فذهبتُ وقلت للدكتور المسيحي :
حين يتحدث القرآن الكريم عن أحداث الأمم السابقة، فإن هذا ليس للتسلية، ولا للقصّ، بل ليُصحح ما جاء في الكتب السابقة من أحداث، وليلفت أنظار المسلمين إلى أن تلك الأحداث إنما هي للعبرة والموعظة للمسلمين.. باعتبارها أنباءً غيبية سوف يقع في المستقبل من الحوادث ما يُشابهها.
فقد قال الله I ( إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنيِ إِسْرَآءِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ%وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )
"والآية الكريمة تشير إلى كثرة الخلافات بين بني إسرائيل وتعددها، وإلى أنه لا سبيل لرفع كل الخلافات التي وقعت في كتبهم المقدسة، وإن غرض القرآن وهدفه ليس مجرد رفع الخلافات وإزالتها من الكتب السابقة.. فليس لذلك نزل القرآن، وإنما هو كتاب فيه (هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). ولهذا فإن القرآن تناول من تلك الاختلافات التي وقعت في كتب بني إسرائيل ما كان منها يتعلق بالأمور التي تنبني عليها الهداية: (وَإِنَّهُ لَهُدًى)، وهو رحمة ترفع الظلم الذي وقع في تلك الكتب على الصالحين والمؤمنين من بني إسرائيل، فهو: (رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)."
فمثلا وصف الله I إبراهيم u بأنه (صديقا نبيا)، بينما لم يصف المسيح بذلك، والسبب أن التوراة نسبت إلى إبراهيم u أنه كذب أكثر من مرة، حيث قال عن زوجته أنها أخته خوفا من أحد الملوك وطمعا في عطاياه. ولكن لم يُنسب للمسيح أنه كذب مثل هذه الكذبة.
وبينما تصف التوراة موسى وهارون بأنهما خانا الله (لأنكما خُنتماني في وسط بني إسرائيل) (تثنية 32)، فإن الله I قد قال ( َفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فيِ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى % وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) . ومن أجل ذلك يُدين الله أولئك الذين آذوا موسى وافتروا عليه الإثم والبهتان فيقول:(يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا) .
وهارون u . نبي الله.. اتهمته التوراة بأنه اشترك في صنع العجل الذي عبده بني إسرائيل، فأوضح القرآن حقيقة موقفه، فقال: ( وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي % قَالُوا لَنْ نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) .
وداود u . ألصقت به التوراة تهمة ارتكاب الزنا والعياذ بالله، فيقول عنه الله تعالى في القرآن: ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخطَابِ% وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَئَابٍ % يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فيِ الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) .
وأيوب u . زعمت التوراة أنه لعن اليوم الذي وُلِد فيه بسبب ما أصابه من ابتلاء، فبرّأه الله I من ذلك وقال عنه: ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (انظر كتاب القرآن معجزة الإسلام للأستاذ مصطفى ثابت).
وهكذا المسيح u الذي وصفه اليهود بالكفر وبأنه ابن الزنا وبأن الشيطان يكلمه ويساعده في إخراج الأرواح، فقد ردّ الله تعالى هذه التهم كلها، فقال إنه كلمة الله، أي أنه ليس كلمة الشيطان، وقال إنه روح من الله، وليس بوحي الشيطان، وقال إنه رفعه إليه، أي رفع منـزلته ومكانته لا أنه ملعون كما يشيع اليهود.
فهذه الأوصاف لردّ تهمة، قبل أن تكون لإثبات ميزة. وهذه هي كل القضية، فليس للمسيح أي ميزة عن بقية الأنبياء في القرآن الكريم.
وقلتُ له: كلمة الله.. تعني أمر الله. وهناك الكثير من الآيات التي تبين ذلك..
(قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) .
(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).
وقال الله: ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) .
(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) .
(كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) .
(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) .
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
وعن المسيح قال الله: ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).
فكلمة الله تعني أمرَ الله، أي أن المسيح وُلد بأمر الله ورعايته، ولم يكن ابن زنا.
أما روح منه فقلتُ له: إن الله أيد المؤمنين بروح منه، فقال I ( َا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) . وهكذا المسيح ( ِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)، وروح القدس هو جبريل الذي نزل ليثبت المؤمنين من أمة محمد r كما يظهر من هذه الآية:
( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) . إذن، لا خصوصية للمسيح، بل إن تلامذة سيدنا محمد r قد أيدهم الله بروح منه.
- فيا عزيزي الدكتور، الأصل أن يكون المرء موضوعيا، فهل يليق أن يُنسب إلى القرآن الكريم أنه يُعلي من شأن المسيح u وهو القائل: ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، والذي قال ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل )، وهو القائل عن المسيح وأمه (كانا يأكلان الطعام) ؟
لو جاز أن نؤله أحدا من خلال النصوص، فهو سيد البشر محمد r الذي قال الله عنه (فكان قاب قوسين أو أدنى) (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وغير ذلك من آيات.
هاني طاهر
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.