الـمـسـيـح تـابـع لـشـريـعـة مـوسـى عـلـيـهمـا الـسـلام
{ ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون } (آل عمران 51)
لقد جاء عيسى ابن مريم عليه السلام متمّماً أي مطبّقا للنبؤات التي تنبأ بها الأنبياء السابقون له في التوراة، ولكنه لم يأت بشريعة جديدة بل كان تابعاً لشريعة موسى عليه السلام. وقد كان حضرته عليه السلام مدركاً لهذا المقام من النبوة فجاء في إنجيل متى 5:17-18 وتابع :
{ لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.} (متى 5:17-18 )
فنلاحظ أنه جاء ليكمل هذه الوصايا أي ليطبقها وليس لينسخها كما ظن البعض فهو يقول ماجئت لأنقض الناموس أي الشريعة لأن حرف واحد او نقطة منها لن تزول الى نهاية السموات والأرض فكيف إذن تظنون أني أنقضها إنما أنا أكمّل أي أتمّم وأنفذ ما جاء فيها حقاً، وكلمة يكمّل ويتمّم تعني يطبّق أو ينفّذ فالترجمة الإنكليزية لهذه الآية جاءت بلفظ (To Fulfill) أي لأنفّذ وهذا يوضح معنى اللفظ لأكمّل، ثم عرّج حضرته استكمالاً لقوله عن تطبيق الشريعة وإيصالها:
" فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ ".. إذاً فالموضوع يتعلّق بالوصايا العشر التي هي شريعة بني اسرائيل فلايزول منها حرف الى الأبد حسب قول المسيح ع، فكيف (يشرّع) لهم ولاينقض أو يغير من الشريعة شيئا ؟
الآن وقد اتّضح أن عيسى عليه السلام لم يأت بشريعة جديدة، إذاً فما معنى ماجاء في الآية الكريمة " ولأحل لكم بعض الذي حرّم عليكم" ؟ والجواب هو أن المسيح ع كان يتكلم عن الأشياء التي حرّمها بنو اسرائيل على أنفسهم وليس هنالك أي تغيير أو نسخ لشريعة موسى ع، فقد ورد في سورة النساء الآية :
{ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } ( النساء 161)
كما ورد في سورة آل عمران { كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه } (آل عمران 94)
وكذلك في سورة الزخرف {وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (الزخرف 44)
وهكذا فالمسيح الناصري عليه السلام قد جاء حكماً وقاضياً يبين لبني اسرائيل بعض الذي يختلفون فيه ولم يأت بشرع جديد فهو حكم عادل فقط لبني اسرائيل ليحكم بين اختلافات الفرق حول التحريم والتحليل لبعض الأمور التي حرموا منها أنفسهم بأيديهم وظلمهم وبذلك يبيّن أن ما حرموا منه بسبب سوء عملهم يمكن أن يعود إذا تبعوه وآمنوا به.
ومن التفاسير التي تؤيد هذا القول ما جاء في تفسير ابن كثير للآية المذكورة ( ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئاً، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه )
كما ورد في تفسير البحر المحيط للآية المذكورة ( وقال بعض المفسرين: حرم عليكم، إشارة إلى ما حرمه الأحبار بعد موسى وشرعوه، فكأن عيسى رد أحكام التوراة إلى حقائقها التي نزلت من عند الله. إنتهى كلامه.) (تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٩٠)
و جاء في تفسير فتح القدير للآية المذكورة ( وقيل إنما أحل لهم ما حرمته عليهم الأحبار ولم تحرمه التوراة ) ( تفسير فتح القدير للشوكاني الجزء 1/5 صفحة - 342 / 545)
وقد جاء عيسى بن مريم عليه السلام ينفي كل هذا التكلف في الدين ، و يعيد الناس الى عبادة ربهم الواحد ، و يأمرهم بالإهتمام بروح الدين وليس حدوده فقط ، فقد ورد في انجيل متى أن عيسى ع يؤنب فرق اليهود على نفاقهم وتمسكهم بالظاهر وتركهم لجوهر الشريعة :
( وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.
أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً. أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ ) ( إنجيل متى : 23 - 29 )
لم يكن المسيح عليه الصلاة والسلام إلّا تابعاً لشريعة موسى عليه السلام وهو أي المسيح عليه السلام الحكم العدل لبني اسرائيل يبين لهم ما اختلفوا فيه بالإضافة الى التبشير والكرازة بمجيء النبي الخاتم محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم صاحب الشريعة الكاملة
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.