متى كان الصليب في أوج قوته والإسلام في أقصى ضعفه؟
تعرض العالم الإسلامي لعدد من الهجمات، مثل الحروب الصليبية وغزوات التتار، وقد بدأ ذلك في القرن الحادي عشر الميلادي، لكن هذه الاعتداءات لم تنل من قوة الإسلام الفكرية، ذلك أنها لم تنصِّر الناس، بل إن من نتائج الحروب الصليبية إسلام كثير من نصارى الشام. ومن نتائج غزوات التتار أن أسلم التتار أنفسهم.
لذلك لا يصحّ القول أن الإسلام كان ضعيفا في ذلك الوقت، بل إن الضعف العسكري لا يستلزم الضعف الفكري. أما سقوط الأندلس وتنصير أهلها فرغم أنه كارثة، لكنه كارثة على مستوى الأندلس وليس العالم الإسلامي، ذلك أنه في السنوات التي كانت الأندلس تسقط فيها، كان العثمانيون يفتحون القسطنطينية ويتوغلون في أوروبا. ثم إن تنصيرهم حدث بالقوة، وهذا يدلّ على إفلاس فكري عند المنصّرين.
إن قوة الاستعمار لا تتضمن ضعف الفكر الإسلامي حتمًا، وإلا كيف أسلم التتار وهم منتصرون على المسلمين؟ لذا لا يقال عن هذه الأزمان أن الإسلام كان فيها في أدنى حالاته.. بل يقال هذا عن القرون التالية، والتي يمكن أن نقول إنها بدأت عندما أخذت الغزوات الأوروبية تجتاح العالم الإسلامي، وتُوِّجت بسيطرة الاستعمار على بلاد المسلمين مع انتشار القسس يطعنون في الإسلام ويزينون عقيدة الثالوث. وكان هذا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين تقريبا.
في هذه المرحلة اهتمّ المستعمر بنشر ثقافته وهدم ثقافة الشعوب المحتلة. في هذه المرحلة داست المرأة العربية على حجابها، ونادى كثير من الناس بالتخلي عن الشريعة الإسلامية، وصار المدافعون عن الإسلام يقولون إن الإسلام قد جاء في وقت يختلف عن عصرنا، وأنه لا يصلح الآن.. أما مهاجموه فحدّث ولا حرج.. وهذا كله في بلاد المسلمين.
في هذا الظرف بعث الله المسيح الموعود u وفيما يلي شهادات تبين حالة المسلمين في الهند في ذلك الوقت:
قال المولوي نور محمد النقشبندي الجشتي، صاحب مطبعة أصح المطابع بدهلي، الهند:
"في تلك الأيام قدم إلى الهند القسيس ليفراي من إنجلترا، مصطحبًا مجموعة كبيرة من القساوسة، وحالفاً بتنصير الهند كلها في أيام قليلة. وبفضل أموال طائلة ووعود متكررة مؤكدة من الإنجليز بالمساعدة المالية أحدث زلزالا في كل أنحاء الهند. لقد وجد القسيس في عقيدة حياة المسيح عيسى u في السماء بجسده المادي وفي كون غيره من الأنبياء الكرام أمواتاً مدفونين تحت الأرض سلاحًا ماضيًا على عامة الناس. فقام الشيخ غلام أحمد القادياني للتصدي لهذه الجماعة وقال: "إن عيسى الذي تتكلمون عنه قد مات ودُفن كغيره من البشر. أما عيسى الذي وُعد بمجيئه فهو أنا. فصدِّقوني إن كنتم من السعداء". وبهذه الحيلة (هو يراها حيلة) ضيق الخناق على القسيس ليفراي وجماعته حتى صعب عليه التخلص من يده، وأنزل بهذه الحجة هزيمة نكراء بكل القساوسة من الهند إلى إنجليزا" (مقدمة الترجمة القرآنية للمولوي محمد أشرف التهانوي، مطبعة أصح المطابع، دلهي الهند ص 30).
وقال مولانا أبو الكلام آزاد لدى وفاة سيدنا أحمد u:
"...إن كتابات السيد الميرزا التي ألفها ضد المسيحيين والآريا الهندوس قد نالت قبولاً عامًّا، وهي غنيٌّة عن التعريف فيما يتعلق بهذه الميزة. وهذه الكتابات - وقد أنجزت مهمتها - لا بد لنا أن نقدِّرها ونعترف بعظمتها من الأعماق ، ذلك لأنه لا يمكن أن تُمحى من صفحة القلب ذكرياتُ ذلك الوقت العصيب حين كان الإسلام عرضة لهجمات الأعداء من كل حدب وصوب..... كانت أسباب الدفاع (عن الإسلام والمسلمين) ضعيفة لدرجة أنه لم تتوفر لهم حتى السهامُ إزاءَ المَدَافع، ولم يكن هناك أية آثار للهجوم ولا الدفاع. ولكن هذا الدفاع (الذي قام به حضرته) مزّق كليةً تأثيرَ المسيحيين السابق الذي كان في الحقيقة روحَ هجمة المسيحية لكونهاِ في كنف الحكومة، وليس ذلك فحسب، بل نجَّى أيضًا ملايينَ المسلمين من هجوم المسيحية الأكثر خطورة والموشك على النجاح، بل قد تبخَّر سحرُ المسيحية نفسها كالدخان. لقد غيّر حضرته أسلوب الدفاع وجعَل المغلوبَ غالبًا...".
وكتب الميرزا حيرت الدهلوي محرر جريدة "كرزن كزت" في عددها 1/6/1908م عن كتابات سيدنا أحمد u وتأثيراتها:
"الخدمات الجليلة التي أداها المرحوم للإسلام في مواجهة الآريا الهندوس والمسيحيين لجديرة بالتقدير الكبير حقًّا. لقد غيّر أسلوب المناظرة تمامًا، وأقام للكتابات الدينية في الهند أسسًا جديدة. أعترف، ليس لكوني مسلمًا فحسب بل بصفتي باحثًا أيضًا، بأنه لم يكن بوسع أي واحد من كبار الآريا أو القساوسة، أن ينبسوا ببنت شفةٍ أمامَ المرحوم. والكتب الفريدة التي ألّفها ردًّا على المسيحية والآريا، والردودُ المفحمة التي وجهها إلى معارضي الإسلام، لم نر لحد الآن ردًّا معقولا عليها من قِبل أحد، اللهم إلا ما كاله الآريا الهندوس بالوقاحة المتناهية من سباب وشتائم ضده وضد أئمة الإسلام والمبادئ الإسلامية. إن قلمه كان يملك من القوة بحيث لا يوجد في "فنجاب" كلها بل في الهند كلها أحدٌ يستطيع أن يكتب بمثل قوته. كانت المفردات الحيوية القوية تغزو ذهنَه دائمًا، وكلما جلس للكتابة تواردت عليه كلماتٌ متناسقة لدرجة يعجز الإنسان عن بيانها. إن الذين ليسوا على معرفة جيدة بخليفته الأول، المولوي نور الدين المرحوم، يظنون خطأً أن المولوي نور الدين قد ساعده كثيرًا في تأليف هذه الكتب، ولكنني أقول، بناءً على معرفتي الشخصية، إن المولوي نور الدين المرحوم ما كان يقدر على كتابة بضعة سطور إزاءَ السيد الميرزا. وبالرغم من أن تأثير اللغة البنجابية يتجلى في بعض المواضع من الأدب الأردي للمرحوم، ومع ذلك فإن كتاباته القويةَ فريدةٌ من نوعها. بل الحق إن قراءة بعض كتاباته تؤدي بالإنسان إلى حالة من النشوة". (جريدة "كرزن كزت" في عددها1/6/1908).
ويقول السيد ممتاز علي في مجلة "تهذيب النساء" (لاهور):
"كان السيد الميرزا وليًّا كبيرا وتقيّا، وكان يملك قوة الحسنة التي كانت تسخِّر القلوب القاسية الشديدة القسوة. كان عالمًا واسع الخبرة، ومصلحًا ورفيع العزيمة ونموذجًا للحياة الطاهرة. نحن لا نقبله كمسيح موعود من الناحية الدينية، إلا أن هديه وقيادته كانت بالفعل بمثابة المسيح للأرواح الميتة". (نقلا عن مجلة "تشحيذ الأذهان" ج 2 رقم 10 ص 383 عام 1908).
الآن، هل نحن في وقت غلبة الصليب؟
لو قارنا بين حال المسلمين الآن وبين حالهم قبل مائة سنة أو مائتين، لرأيت بونا كبيرا؛ فإنك اليوم تجد جامعات إسلامية لا تُحصى، وخريجو كليات الشريعة بالملايين، والكتب الإسلامية تملأ أسواق العالم، والحركات الإسلامية لا حصر لها، وهناك دول كثيرة تحكمها جماعات إسلامية، مثل إيران والعراق وتركيا وغزة والصومال، أما بقية الدول فللمشايخ تأثير كبير في سياستها أو لهم نفوذ في كثير من مؤسساتها، مثل باكستان وأفغانستان وماليزيا وإندونيسيا والأردن ومصر وبعض دول الخليج..
وأما أوروبا فلم يكن فيها أي مسجد، ولكنها الآن تعجّ بالمساجد، وصار فيها ملايين المسلمين، ولهم دور يزداد قوة.
أما النصارى فكانت مدارسهم التنصيرية تخرِّج أكثر المتعلمين قبل قرن وقرنين، أما الآن فلم تعد لها قيمة، ولا يسمع بها أحد.. وكان كبار المثقفين في ذلك الزمن من النصارى، أما الآن فلم تعد تسمع بمثل ذلك.
قبل قرن وقرنين كان الجهل مسيطرا على العالم الإسلامي، ففي قريتي لم يكن هناك من يستطيع القراءة أو الكتابة قطّ، وليس عندهم أي علم ديني ولا دنيوي، بل كانت فلسطين كلها تكاد تخلو من أي مدرسة أو مستشفى ... في هذا الجو جاءت الإرساليات التبشيرية!
أما اليوم فلا ينقص المسلمين إلا أن يتخلصوا من الفتن الواقعة فيما بينهم، والناتجة عن كثرة الجماعات الإسلامية التفجيرية في غالبها.. فالمشكلة أن هناك تخمة دينية، أو تنطّع ديني!
قبل قرن وقرنين كان الناس يتنصرون، أما اليوم فإن الإسلام ينتشر في الغرب والشرق، وتسمع عن كبار علماء من النصارى يعتنقون الإسلام. وهذا لا يختلف فيه عاقلان.
فالقول أن الثالوث اليوم أقوى مما كان عليه قبل قرن وقرنين قد بلغ من المماحكة الغاية.
قبل قرن وقرنين كنت لا تجد من يردّ على المنصرين، فالناس جهلة لا يعرفون شيئا، فقراء لا حيلة لهم، مرضى بلا طب ولا دواء.. ترى ماذا كان يمكن أن يقولوا للطبيب الأوروبي وللممرضة التي تقول لهم: المسيح في السماء ونبيكم في الأرض! أما اليوم فيكفي أن تعلن لهم أن مسيحكم لم يمت على الصليب، بل عاش كالبشر ومات كالبشر، وقبره هناك بعيدا اليوم تتخصص محطات تلفزيونية للردّ على قصة الثالوث التي لا لم تعد تجد لها بواكي. ويكفي ما قمت به محطة الجماعة الإسلامية الأحمدية والتي شهد لها الآلاف. هل كان شيء من ذلك قبل قرن وقرنين؟
ولكن، هل كسْرُ المسيحِ الموعود u للصليب يعني القضاء على الثالوث وعلى الشرك كله؟ كلا؛ هذا لن يحصل، بل سيبقى في العالم شرك وكفر وإلحاد، ولن ينتهي، لأنه (ولا يزالون مختلفين). ثم إن القضاء على الدجال لن يتم بين عشية وضحاها، وليس المسيح الموعود u نفسه من يقوم بهذه المهمة، بل جماعته والمؤمنون به من بعده. وهذا القتل تدريجيّ، وبالحجج. ولا علاقة له بضعف المسلمين السياسي اليوم، ذلك أن ضعفهم هذا عقوبة من الله على كفرهم بالمسيح الموعود عليه السلامu . وكلما زادت الحجة المقامة عليهم وضوحا وانتشارا ازدادت عقوبتهم.
باختصار، إن العصر الذي بعث فيه المسيح الموعود u هو عصر غلبة الصليب، ولن يعود الصليب بتلك الغلبة ثانية. فنقول لمن ينتظر المسيح من السماء: ألهذا الحد أنتم متشائمون؟ هل سيعود المسلمون أشد تخلفا وجهلا ومرضا وفقرا مما كانوا عليه قبل قرن وقرنين؟ وهل سيعود القسس يملأون الدنيا تدجيلا أكثر مما كانوا عليه في ذلك الزمن؟ بماذا سيُقنع القسس الناس الآن؟ هل بثالوث لا يستقيم بحال؟ هل بقولهم بحياة المسيح في السماء؟ هل بتشويههم الإسلام وبوصفه بالعنف والظلم؟ لقد انتهت هذه الشبهات ولن تقوم لها قائمة. وانتظروا إنا منتظرون.
منقول بتصرف
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.