قصة هاروت وماروت في القرآن الكريم
وردت قصة هاروت وماروت في القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك في سياق الحديث عن اليهود في سورة البقرة. يقول الله تعالى
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ..
ولعل هذه الآية هي أكثر آية أخطأ فيها المفسرون، وأكثر آية ذُكرت روايات باطلة واهية حولها، ولا زالت تُذكر وكأنها مُسلَّمات.
لماذا لا يحاولون أن يفسروها نظرا إلى سياقها؟ لماذا لا يحبون البراءة والبساطة والسلاسة؟ لماذا يحبون الاختراع والتهويل والخرافة؟
تقول الآيات: وَاتَّبَع اليهودُ زمن النبي محمد ص ما كان الشياطين (رؤساء الشر والفساد) يفترونه على حكم سليمان عليه السلام.. حيث كانوا يتهمونه بالكفر والشرك والإلحاد، وكانوا يشيعون عنه "أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ" (اَلْمُلُوكِ الأَوَّلُ 11 : 4). والحقُّ أنه مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، بل كان نبيًّا مرسلا، ولكنَّ الشَّيَاطِينَ (رؤوس الفساد والفتنة والشر) هم الذين كَفَرُوا؛ فهم الذين كانوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (الخداع والتضليل والتآمر). وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ.. أي أن هذا الخداع الذي يُعلِّمه رؤوس الكفر لم يُنـزله الله على النبيين هاروت وماروت؛ فالله لا يأمر بالمنكر والبغي. إنَّ ما قام به هاروت وماروت عليهما السلام في بابل يختلف جذريًّا عما يفعله اليهود الأشرار زمن النبي ص وزمن سليمان عليه السلام، فاليهود الآن (زمن النبي ص) يتبعون الأشرار الذين حاربوا سليمان وافتروا عليه، ولا يتبعون هاروت وماروت، فهذا التآمر لم يُنـزله الله ولم يعلمه لهاروت وماروت اللذيْن يدّعي اليهود المتآمرون على النبي ص أنهم يتبعون منهجهما.
وكان هذا النبيان قد تعاونا مع ملك الفرس كورش ضد ملك بابل، ولكن هذا التعامل لم يكن فيه أي خيانة ولا كذب ولا خداع ولا غدر، ذلك أن البابليين استعبدوهم ومنعوهم من الهجرة بعد أن اضطهدوهم واستمروا في العدوان عليهم وظلمهم.
فالآية تقول لليهود: عليكم أن تفرقوا بين الرسول ص الذي لا يضطهدكم في شيء، بل بينكم وبينه عهد وميثاق، وبين ذلك الملك الظالم الذي منعكم حتى من الهجرة واستعبدكم، ولم يعطكم أي حق، ولم يعقد معكم أي معاهدة مكتوبة أو بلسان الحال. إنكم تتّبعون أعداء سليمان في تآمرهما الذي لم يقم به هاروت وماروت، لأن الله لا يأمر بالتآمر ولم ينـزله على أحد. ]وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ.. أي أنهما كانا "يقولان للناس: هلمّوا انضموا إلينا ولا ترفضوا فترتدّوا كافرين. لقد جعلنا الله اختبارا لكم، فلا تكفروا بمعصيتنا، بل إن طاعتنا هي طاعة لله الذي أمرنا بذلك.
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ.. أي لا تخبروا بذلك نساءكم لأن فيهن ضعفًا ولا يستطعن كتمان السر.. أي أنهم يتعلمون منهما ما يجب أن يقوموا به للتخلص من هذه العبودية، وهذا التعليم مقصور على الرجال. ]وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.. أي أن قتال هاروت وماروت ومن معهما لم يكن إلا بوحي من الله، وليس اجتهادا ولا غدرا ولا خداعا. "فهل يدعي اليهود أن الله يوحي إليهم أن يعادوا محمدا ص؟ ورغم أنهم لم يتلقوا أي وحي كهذا.. فعندما يقال لهم: لا تكيدوا هذه المكائد.. يقولون: لقد سمح الله لنا بذلك.. وقد قمنا بمثل هذه النشاطات في بابل أيضًا. فيرد الله عليهم أن الأحوال الآن مختلفة تماما.. لأنكم الآن تحاربون رسولي الذي تلقى الوحي مني.. ولستم إلا مثل أعداء سليمان. كما كان أعداؤه يتهمونه بالكفر فأنتم أيضًا تتهمون محمدا بالكفر؛ وكما أشاعوا ضده الإشاعات فأنتم أيضًا تشيعون الأقاويل ضد هذا النبي، وصرتم من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه. أمّا ما قام به رسولان من رسلي في بابل فقد قاما به بأمر مني، ضد قوم كتبنا عليهم الدمار والهلاك، وقمتم عندئذ بما قمتم به لمساندة رسلي وليس لمعارضتهم. وأما الآن فتظنون أنكم ستقضون على دعوة محمد ص كما قضى رجلان صالحان على ملك بابل!! لن تفلحوا في ذلك أبدا، لأنكم تشبهون أعداء سليمان.. ووقتها قمتم بنشاط سري ترتب عليه نفيكم من البلاد، والآن أيضًا سوف تلقون نفس المصير"(التفسير الكبير). ففي الآية نبوءة عن نفيهم من المدينة بعد أن يتآمروا كما تآمر أعداء سليمان عليه السلام.
وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ.. لكن اليهود هؤلاء لا يتعلمون إلا ما يضرهم، لذا فهم يقلدون أعداء سليمان، ولا يقلدون هاروت وماروت.
وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ.. أي أن "رؤساءهم يدركون جيدا أن مَن يعادون أنبياء الله تعالى ويأتون بهذه المنكرات لا يكون لهم أي نصيب من نِعَم الآخرة".
وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.. أي "أنهم يحسبون بفعلهم هذا أنهم قد اشتروا أنفسهم.. أي أنقذوها من الدمار، ولكن الحقيقة عكس ذلك.. حيث إنهم بسبب ذلك سيهلكون، فيعاقبهم نبينا في الدنيا، ونعذبهم في الآخرة. [لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ].. أي "مَن يدريهم أن محمدا سوف ينال من القوة والسلطان ما لا قبل لهم به.. وينفيهم من الجزيرة العربية؟"
هل في الآية حديث عن الحجابات؟ ما قيمة أن يحذرنا الله من شيء لا قدرة لنا على تجنبه؟ ما قيمة أن يحذرنا من داء ولا يقدم لنا الدواء؟
لنفرض أن الآية تتحدث عن السحر والذي يُكَرِّه الرجلَ بزوجته!! فما الحلّ الذي تقدمه الآية؟
هل سياق الآيات متعلق بالشعوذة وأثر السحرة وأنواع السحر الثمانية التي يُكثر الجهلة من الحديث عنها في الفضائيات التي سمَّموها بجهلهم وخرافاتهم؟ هذه الآية رقمها 104 من سورة البقرة، وقد سبقها ستون آية تتحدث عن اليهود، ويليها عشرون آية كلها عن اليهود، فما الذي أدخل الشعوذة في الموضوع؟
القضية يا سادة هي تآمر اليهود مع الفرس ضد الإسلام، القضية أن اليهود يريدون أن يذهبوا إلى كسرى ملك الفرس ليحرضوه على الرسول ص ظانين أنهم بذلك يتبعون أنبياءهم، ولكنهم في الحقيقة يتبعون الأشرار. هذا كسرى الذي أرسل لعامله على اليمن أن يأتي بالرسول صلى الله عليه وسلّم
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.