وفاة المسيح عيسى ابن مريم u من القرآن والأحاديث
معلوم أنَّ الإنسان يعيش عمرًا معينًا ثم يموت. لذا من غاب عن بيتـه زمنًا طويلا، يحكم القاضي بموتـه عند سن معينة، على اختلاف في تحديدها، لتقسيم الميراث مثلا. ولا يقال: إنَّ هذا الشخص لم يثبت موتـه، ما يوجب الحكم بحياتـه مئات السنين، فالأصل أنْ يموت الإنسان بعد مدة محددة معروفة على وجه التقريب، ومعروف متوسطها الحسابي[1].
من هنا، غير جدير بأنْ يُسأل عن أدلَّة وفاة عيسى ابن مريم؛ فهي مسألة في غنًى عن دليل، بل يجب السؤال عن دليل حياتـه؛ فهناك ملايين الناس الذين لم يثبت موتـهم بدليل بيِّن، ومع هذا نحكم بموتـهم. فالذي فُقد في الحرب العالمية الأولى من أجدادنا نقول عنـه: إنَّـه قد مات، مع أنَّ أحدًا لم يشهد أنَّـه قد رآه ميتًا. والمعنى أنَّـه إن لم يكن هناك دليل على وفاة المسيح u، فيجب أنْ نحكم بموتـه بناء على الأصل؛ وهو موت أي إنسان عند سن معروفة تقريبًا.
ومع هذا، نرى أنَّ النبي الوحيد الذي اهتم القرآن الكريم بتأكيد وفاتـه هو المسيح ابن مريم، كما أكد ذلك نبينا محمد r. وقد بدأ العلماء يرجعون إلى القول الحق في هذه المسألة، وصار كثير منـهم يقول بوفاة المسيح ابن مريم، وتبين لـهم دور النصارى في حشو هذي العقيدة في أذهان المسلمين.
إنَّ القول بصعود عيسى u إلى السماء عقيدة نصرانية[2] لا جذور لـها في الفكر الإسلامي؛ فالنصارى يعتقدون أنَّ المسيح قد مات على الصليب ثم صعد إلى السماء من قبره الذي وضع فيه، ليجلس إلى يمين اللـه. أما عندنا نحن -المسلمين- فلم يُذكر في القرآن ولا في السنة أنَّ عيسى u صعد إلى السماء قط، أو أنَّـه حي. فالحياة، والسماء، والجسد بالنسبة إلى المسيح u غير موجودة في القرآن أو في السنة، بل هي استنتاجات واجتـهادات جاءت نتيجة القول برفعه، في حين أنَّ هذه اللفظة تحتمل رفع المكان أو رفع المكانة. ونتيجة أحاديث النـزول، و(نزل) هي لفظة ذات عدة معانٍ، بمعنى أنَّـها ظنية الدلالة، أي أنَّ الذين قالوا بوجوده في السماء ردوا المحكم إلى المتشابـه، بدل أن يردوا المتشابـه إلى المحكم.
وإليك أدلَّة وفاة المسيح u بالتفصيل من خلال القرآن الكريم والسنة وأقوال العلماء المسلمين.
أدلَّة القرآن الكريم على موت عيسى عليه السلام
أولاً: قوله I { إِذْ قَالَ اللـه يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }[3]
(متوفيك): لا تعني هنا إلا مميتك، ولا تعني (رافعك) وافيًا بجسدك؛ وذلك للأدلَّة التالية:
1-إنَّ التوفي إذا كان من باب التفعل، وكان الفاعل هو اللـه أو أحد الملائكة، وكان المفعول بـه (المتوفى) صاحب روح، ولم تكن قرينة صارفة؛ كالنوم أو الليل، فليس معناه إلا الموت. ولا يوجد أي مثال ينافي هذه القاعدة في القرآن، أو في السنة، أو في كلام العرب. ولو راجعت المعاجم العربية المختلفة لتبينت ذلك[4].
جاء في لسان العرب: توفاه اللـه: إذا قبض روحه.
جاء في القاموس المحيط: توفاه اللـه: أي قبض روحه.
ومثلـه في أقرب الموارد، وفي المنجد: توفاه اللـه: أماتـه، وتوفي فلان: قبضت روحه ومات.
2- وردت في القرآن الكريم كلمة توفى (تفعّل) 25مرة. وكانت في 23 مرة منـها بمعنى الموت. إذ لم تكن قرينة صارفة. وكانت في مرتين بمعنى النوم؛ حيث وردت قرينة صارفة هي الليل في الآية 61 من سورة الأنعام، وفي الآية 43 من سورة الزمر.
وها هي الآيات جميعها:
1- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلـهنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللـه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[5]
2- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللـه عَزِيزٌ حَكِيمٌ[6]
3-إِذْ قَالَ اللـه يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون[7]
4-رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ[8]
5-وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللـه لـهنَّ سَبِيلًا[9]
6-إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللـه وَاسِعَةً فَتـهاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[10]
7-مَا قُلْتُ لـهمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بـه أَنِ اعْبُدُوا اللـه رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[11]
8-وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنـهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[12]
هنا جاء التوفي بمعنى النوم لوجود قرينة وهي (الليل).
9-وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْـهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ[13]
10-فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللـه كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتـه أُوْلَئِكَ يَنَالـهمْ نَصِيبـهمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتـهمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنـهمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللـه قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أنَّـهمْ كَانُوا كَافِرِينَ[14]
11-وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ[15]
12-وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ[16]
13-وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللـه شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ[17]
14-قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللـه وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللـه الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ[18]
15-رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين[19]
16-وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ[20]
17-الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللـه عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[21]
18-الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[22]
19-وَاللـه خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللـه عَلِيمٌ قَدِيرٌ[23]
20-يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنـزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتـزتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بـهيجٍ[24]
21-قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ[25]
22-اللـه يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتـها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[26]
وهنا جاء التوفي بمعنى النوم لوجود قرينة وهي (في منامها).
23-هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[27]
24-فَاصْبـر إِنَّ وَعْدَ اللـه حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ[28]
25-فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتـهمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ[29]
كما لا بد من التذكير بأنَّ لكل جذرٍ فعليٍّ في اللغة العربية أوزانـه المختلفة. وجذر المصدر الفعلي الصريح (التوفي) هو الجذر الثلاثي( وفي). وقد ورد هذا الجذر الفعليّ (وفي) بصيغه المختلفة، ستًّا وستين (66) مرةً في أربعٍ وستين (64) آيةً قرآنية. جاء في (19) مرةً منـها على وزن (فَعَّل)، وفي (20) مرةً على وزن (أفْعَل)، وفي (25) مرةً على وزن (تَفَعَّل)، ومرةً على وزن (اسْتَفْعَل)، ومرةً اسم تفضيل على وزن (أَفْعَل).
وهاكم الصيغ الستَّ والستين بالأوزان والآيات:
(فَعَّل): يُوَفَّ (البقرة: 273). تُوَفَّى (البقرة: 282). وُفِّيَت (آل عمران: 26). فَيُوَفِّيهم (آل عمران: 58). تُوَفَّى (آل عمران: 162). تُوَفَّوْن (آل عمران: 186). فَيُوَفِّيهِم (النساء: 174). يُوَفَّ (الأنفال: 61). نُوَفِّ (هود: 16). لَمُوَفُّوهُم (هود: 110). لَيُوَفِّيَنـهم (هود: 112). تُوَفَّى (النحل: 112). يُوَفِّيهِم (النور: 26). فَوَفَّاهُ (النور: 40). لَيُوَفِّيَهُم (فاطر: 31). يُوَفَّى (الزمر: 11). وُفِّيَت (الزمر: 91). لِيُوَفِّيَهُم (الأحقاف: 20). وَفَّى (النجم: 38)
(أَفْعَل): أَوْفوا (البقرة: 41). أُوفِ (البقرة: 41). الموفُون (البقرة: 178). أَوْفى (آل عمران: 77). أَوْفُوا (المائدة: 2). أَوْفُوا (الأنعام: 153). أَوْفُوا (الأنعام: 153). أَوْفُوا (الأعراف: 86). أَوْفى (التوبة: 111). أَوْفُوا (هود: 86). أَوْفي (يوسف: 60). أَوْفِ (يوسف: 89). يوفُون (الرعد: 21). أَوْفُوا (النحل: 92). أَوْفُوا (الإسراء: 35). أَوْفُوا (الإسراء: 36). وَلْيوفُوا (الحج: 30). أَوْفُوا (الشعراء: 182). أَوْفى (الفتح: 11). يوفُون (الإنسان: 8).
(تَفَعَّل): يُتَوَفَّوْنَ (البقرة: 235). يُتَوَفَّوْنَ (البقرة: 241). مُتَوَفِّيكَ (آل عمران: 56). تَوَفَّنا (آل عمران: 194). يَتَوَفَّاهُنَّ (النساء: 16). تَوَفَّاهُم (النساء: 98). تَوَفَّيْتَني (المائدة: 118). يَتَوَفَّاكُم (الأنعام: 61). تَوَفَّتـه (الأنعام: 62). يَتَوَفَّوْنـهم (الأعراف: 38). تَوَفَّنا (الأعراف: 127). يَتَوَفَّى (الأنفال: 51). نَتَوَفَّيَنَّكَ (يونس: 47). يَتَوَفَّاكُم (يونس: 105). تَوَفَّني (يوسف: 102). نَتَوَفَّيَنَّكَ (الرعد: 41). تَتَوَفَّاهُم (النحل: 29). تَتَوَفَّاهُم (النحل: 33). يَتَوَفَّاكُم (النحل: 71). يُتَوَفَّى (الحج: 6). يَتَوَفَّاكُم (السجدة: 12). يَتَوَفَّى (الزمر: 43). يُتَوَفَّى (غافر: 68). نَتَوَفَّيَنَّكَ (غافر: 78). تَوَفَّتـهم (محمد: 28).
(إسْتَفْعَل): يستَوفُون (المطففين: 3).
(أَفْعَل (التَّفْضيل)): الأوفى (النجم: 42).
بيد أنَّ حديثنا عن الوزن (تفعّل)، الذي لا معنى لـه غير الموت، إذا كان الفاعل هو اللـه أو أحد الملائكة، وكان المفعول بـه شيئا ذا روح، ولم تكن قرينة صارفة. أما الأوزان الأخرى فلـها معانٍ مختلفة أخرى، من دون أنْ تعني الموت. أما الصيغتان المتعلقتان بالمسيح ابن مريم فقد جاءتا على وزن (تفعّل) واللتان ثبت بالاستقراء في القرآن أنَّـهما لا تعنيان إلا الموت، ما لم تصرفهما قرينة. ولم تصرفهما أية قرينة. وها نحن نعلنـه تحديا بأنْ يؤتى بمثال واحد منْ كلام العرب عبـر التاريخ ينافي ما نقول.
3-ورد في الحديث النبوي الشريف ما يؤيد هذا المعنى : فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللـه وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلـه ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي فَأَكَلْتُ مِنـه حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتـه فَفَنِيَ[30]
وروى، أيضًا، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللـه عَنـها قَالَتْ : تُوُفِّيَ النَّبِيُّ e فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى[31]
4-ورد عن ابن عباس t في صحيح البخاري ما يؤكد هذا؛ حيث قال ابن عباس: متوفيك: مميتك[32]
لذا فإنَّنا نقول مطمئنين: إنَّ هذه الآية قطعية في دلالتـها على موت عيسى u.
ثانيًا: قولـه I (وَإِذْ قَالَ اللـه يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلـهيْنِ مِنْ دُونِ اللـه قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُـه فَقَدْ عَلِمْتَـه تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لـهمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بـه أَنِ اعْبُدُوا اللـه رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[33]
يسأل اللـه I عيسى u يوم القيامة عنْ سبب اتخاذ الناس إياه إلـها. فيجيب بأنَّـه أمرهم بأنْ يعبدوا اللـه، وبأنَّـه كان عليهم شهيدًا خلال مدة إقامتـه بينـهم، أما وقد مات، فلا علم لـه بما حصل بعده منْ تأليه لـه؛ فكان اللـه I هو الرقيب عليهم، وهو على كل شيء شهيد. ولو فرضنا أنَّ عيسى سيبعث منْ جديد فستكون إجابتـه غير صحيحة؛ إذ إنَّـه سيعلم ما أحدثوا بعده، وسيكون عليهم رقيبًا.
وقد استدل رسولنا محمد r بـهذه الآية على الموضوع نفسه، فقال: (يُجاء بـرجال منْ أمتي… ثم يؤخذ بـرجال منْ أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول أصحابي؟ فيقال: إنَّـهم لم يزالوا مرتدين على أعقابـهم منذ فارقتـهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)… عن قبيصة قال: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلـهم أبو بكر رضي اللـه عنـه)[34]
وقد ذكر اللـه تعالى نعمه على عيسى u ولم يذكر نعمة حياتـه في السماء آلاف السنين، ثم مجيئه ليكون للناس كافة، ثم نسخه تشريعات إسلامية، ثم نجاحه الباهر واتباع الناس جميعا إياه ، ثم قتلـه ذلك الدجال الرجل صاحب الخوارق كما يتوهم البعض في تفسيراتـهم للأحاديث النبوية البليغة المليئة بالمعاني، التي يحجِّمونـها ويلصقون بـها خرافات يندى لـها الجبين لشدة تناقضاتـها. اقرأ قولـه I (إِذْ قَالَ اللـه يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتـهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنـهمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)[35]
فهذه هي النعم التي أنعمها اللـه على نبيه عيسى، وهذا هو معرض الحديث عنـها. وعدم ذكر نـزولـه ليحكم العالم وتدين لـه البشرية في معرض الحاجة إلى ذلك، دليل على عدم حصولـه بالنسبة إليه؛ فالسكوت في معرض الحاجة إلى بيان بيان[36]. فالآية يُفهم منـها ضمنًا عدم مجيء عيسى u إلى هذه الدنيا ثانية.
ثالثًا: قولـه I (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلـه الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللـه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللـه الشَّاكِرِينَ)[37]
(خلت) تعني ماتت، ولا تعني هنا مرّت؛ فالآية تتحدث عن الموت، والمعنى: أنَّ محمدًا r رسول، مات منْ قبلـه الرسل جميعا، فلماذا تـهربون من المعركة وترتدون على أدباركم بعد سماعكم بموتـه، أو بقتلـه؟ فهو كمن سبقه من الرسل سيموت، وهذا لا يدعو إلى التراجع والـهزيمة.
ولو فرضنا أنَّ معنى (خلت) هنا مرّت، لما كانت قيمة لـهذا المعنى.
هذا بَلـه أنَّ كلمة (خلت)، كثيرًا ما جاءت في القرآن الكريم بمعنى ماتت. كما في الآيات التالية.
1-(كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلـها أُمَمٌ)[38]
2-(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) [39]
واستعمل التعبير نفسه في الآية التالية: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلـه الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لـهمْ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[40]
و جاء في لسان العرب: خلا فلان إذا مات.
وفي أقرب الموارد: خلا الرجل إذا مات.
وقال السموءل: إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول
أي إذا مات منا سيد قام مقامه سيد آخر[41].
رابعًا: قولـه I (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)[42]
والنص ذاتـه جاء عن يحيى u: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)[43]
والمقصود بيوم بعثه حيًّا: يوم القيامة؛ إذ لا يقول أحد إنَّ يحيى في السماء. ثم إذا كان عيسى u في السماء فإنَّـه سيهبط، ولن يُبعث، إذ إنَّ البعث هنا بعث من الموت، بينما يقول البعض إنَّ عيسى حي في السماء، وليس ميتًا.
ولو كان هناك صعود لـه إلى السماء لقالت الآية: والسلام علي يوم ولدت ويوم أصعد إلى السماء ويوم أنـزل ويوم أموت ويوم أُبعث حيًّا. فلو كان صعد إلى السماء لكان اليوم يومَ سلام خاصًا بـه تميز بـه عن البشر جميعا، وتفوق بـه على خاتم النبيين محمد r.
خامسًا: قولـه I (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنـها تُخْرَجُونَ)[44]
لم يقل تحيون فيها، بل استخدم صيغة تفيد الحصر، وهي صيغة تقديم شبـه الجملة (فيها) على الفعل؛ والمعنى أنَّكم تحيون في الأرض حصرا، فلا يمكن أنْ يحيا الإنسان في هذه الدنيا في غير الأرض، أو يموت في غيرها، أو يُبعث منْ غيرها.
[1] قال الإمام تقي الدين الحصني الشافعي المذهب: “والصحيح أنـه إذا مضت مدة يحكم القاضي بمثلـها أنَّ مثلـه لا يعيش فيها، قُسم مالـه بين الورثة حالة الحكم، ثمَّ في قدر المدة أوجه أصحها: يكفي مدة يغلب على الظن أنـه لا يعيش أكثر منـها، واللـه أعلم” (الحصني، تقي الدين، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، دار الفكر، ج2ص20)
[2] شلتوت، محمود، الفتاوى، دار الشروق، ط8، 1395هـ1975م، ص81
[3] آل عمران: 56
[4] قال شيخ الأزهر محمود شلتوت: وكلمة (توفى) قد وردت في القرآن كثيرًا بمعنى الموت حتى صار هذا المعنى هو الغالب عليها المتبادر منـها، ولم تستعمل في غير هذا المعنى إلا وبجانبـها ما يصرفها عن هذا المعنى المتبادر”(شلتوت، الفتاوى، ص61)
[5] البقرة: 235
[6] البقرة: 241
[7]آل عمران: 56
[8] آل عمران: 193
[9] النساء: 15
[10] النساء: 97
[11] المائدة: 117
[12] الأنعام: 60
[13] الأنعام: 61
[14] الأعراف: 37
[15] الأعراف: 126
[16]الأنفال: 50
[17] يونس: 46
[18] يونس: 104
[19] يوسف: 101
[20] الرعد: 40
[21] النحل: 28
[22] النحل: 32
[23] النحل: 70
[24] الحج: 5
[25] السجدة: 11
[26] الزمر: 2
[27] غافر: 67
[28] غافر: 77
[29] محمد: 27
[30] البخاري، كتاب فرض الخمس، باب نفقة نساء النبي بعد وفاته
[31] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي ووفاته
[32] صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة..
[33] المائدة: 116-117
[34] صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم
[35] المائدة:111
[36] هذه قاعدة فقهية معروفة. انظر مدخل إلى الفقه الإسلامي، جامعة القدس المفتوحة، 1996، ص217
[37] آل عمران: 145
[38] الرعد:31
[39] البقرة: 142
[40] المائدة:76
[41]انظر: نذير أحمد، القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح، الكبابير: الجماعة الإسلامية الأحمدية، 1961، ص8
[42] مريم: 34
[43] مريم: 16
[44] الأعراف: 26
أدلَّة الحديث النبوي الشريف على موت عيسى u
لم يتحدث نبينا r عنْ موت أحد من الأنبياء، وعنْ مدة حياتـه كما تحدث عنْ موت عيسى u. وليس هذا عبثًا، إنَّما كان لا بد من التأكيد على ذلك لأن أتباع نبي اللـه عيسى u أخذوا يؤلـهونـه. فكان لا بد من التأكيد على موتـه، بل وتحديد سن وفاتـه، لنسف هذا الاعتقاد ومقدماتـه. وأنقل فيما يلي بعض الروايات عن النبي r :
أولاً: قال الرسول r : وإنَّ عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة. وإنَّي لا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين[1]. وهذا نص لا يحتمل تأويلا في موت نبي اللـه عيسى u.
ثانيًا: قال الرسول r : لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي[2].
ثالثاً: قال الرسول r لوفد نجران حين ناظرهم في ألوهية عيسى حيث قال: ألستم تعلمون أنَّ ربنا حي لا يموت، وأنَّ عيسى أتى عليه الفناء؟[3]
كما روى البخاري عن عبد اللـه بن عباس قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللـه r لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنـها لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَد)[4].
وحيث إنَّ عيسى في الأرض(فيها تحيون)، سواء أكان حيًّا أم ميتًا، فإنَّـه لا بد أنْ ينطبق عليه الحديث.
أقوال العلماء في موت عيسى u
قبل أنْ نذكر أقوال بعض العلماء يجدر أنْ نذكر إجماع الصحابة السكوتي على موت عيسى u. فعندما توفي رسول اللـه محمد u لم يُصدّق نبأ وفاتـه كثير من الصحابة، وقال بعضهم: لعلـه ذهب لملاقاة ربـه كما ذهب موسى u حين واعده ربـه لينَـزِّل عليه التوراة. ثم جاء أبو بكر الصديق، وأعلن وفاتـه، مستشهدا بقولـه I (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلـه الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللـه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللـه الشَّاكِرِينَ)[5]، فسكت الصحابة لما سمعوا أبا بكر، وحزنوا كثيرًا لتيقنـهم منْ موت نبيهم .
هذه الحادثة تدل على أمرين:
1-لم يخطر ببال أحد من الصحابة وجود عيسى u حيًا في السماء، بدليل أنَّ بعضهم تحدث عن رحلة موسى إلى الجبل، ولم يقل أحد منـهم: لعل نبينا ذهب إلى السماء. ما يؤكد أنَّ الاعتقاد بحياة عيسى جاء متأخرًا بتأثير النصارى.
2-لم ينكر أحد من الصحابة على أبي بكر استدلالـه بآية (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلـه الرُّسُلُ) على موت الأنبياء جميعًا قبل محمد r. ما يؤكد إجماعهم السكوتي على موت الأنبياء جميعًا.
وقد ظل كثير من المسلمين يقول بموت عيسى u عبر التاريخ الإسلامي، ولم يكن القول بذلك مقصورًا على الإمام مالك، وابن حزم وحدهما، بل قال بـه غيرهم.
وقد كثُر القائلون بذلك في القرنين الأخيرين، بحيث رأينا كتبًا تؤلف في هذا الموضوع، وسمعنا فتاوى من كبار المشايخ حول ذلك. وفيما يلي أنقل أقول بعض العلماء المتأخرين:
أولاً: قال مفتي الأزهر، محمود شلتوت في فتواه الشهيرة: “ليس في القرآن الكريم، ولا في السنة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأنَّ عيسى رفع بجسمه إلى السماء، وأنَّـه حي إلى الآن فيها”[6]
ثانيًا: قال سيد قطب: “والنص صريح هنا في موت عيسى وبعثه. وهو لا يحتمل تأويلا في هذه الحقيقة ولا جدالا”[7]
ثالثًا: قال الشيخ عبد اللـه القيشاوي في مناظرتـه مع القس الفريد نلسن : “فليس المراد من صعود المسيح ورفعه إلى اللـه صعوده ورفعه إليه في السماء بجسده العنصري؛ وهو حي، كما فهمه المسيحيون وبعض المسلمين”[8]
رابعاً: قال الفخر الرازي: “واعلم أنَّ هذه الآية تدل على أنَّ رفعه في قولـه (ورافعك) هو رفع الدرجة والمنقبة؛ لا المكان والجهة، كما أنَّ الفوقية في هذه الآية ليست بالمكان؛ بل بالدرجة والمكانة[9].
خامسًا: نقل د. أحمد شلبي قول كثير من العلماء الذين قالوا بموت عيسى. مثل :
الآلوسي الذي قال: إنَّ قولـه تعالى (إنَّي متوفيك) معناه على الأوفق: إنَّي مستوفي أجلك، ومميتك موتًا طبيعيًا؛ لا أسلط عليك من يقتلك، والرفع الذي كان بعد الوفاة، هو رفع المكانة لا رفع الجسد، خصوصا وقد جاء بجانبـه قولـه تعالى (ومطهرك من الذين كفروا) ما يدل على أنَّ الأمر أمر تشريف وتكليف.
وقال د. شلبي : إنَّ ابن حزم يرى أنَّ الوفاة في الآيات تعني الموت الحقيقي، وأنَّ صرف الظاهر عن حقيقتـه لا معنى لـه، وأن عيسى -بناء على هذا – مات، ولكنـه سيعود قبيل القيامة، وعودتـه إحياء جديد.[10] ، [11]
سادسًا: قال الشيخ محمد رشيد رضا : ”ليس في القرآن نص صريح بأنَّ عيسى سينـزل من السماء، وإنَّما هي عقيدة أكثر النصارى، وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهور الإسلام بثها في المسلمين”[12]
سابعًا: قال الشيخ محمد الغزالي:”ومن رأيي أنَّـه خير لنا نحن المسلمين …أن نرى الرأي الذي يقول إنَّ عيسى مات، وإنَّـه انتـهى..وأرى من الآيات التي أقرؤها في الكتاب أنّ عيسى مات، وأن موتـه حق، وأنَّـه كموت سائر النبيين”[13]
ثامنًا: قال الشيخ محمد أبو زهرة:”إنَّ نصوص القرآن لا تُلزمنا بأنَّ المسيح رفع إلى السماء بجسده”[14]
كما قال بموت عيسى u عبد الوهاب النجار، والشيخ المراغي[15]، وأستاذه الإمام محمد عبده.
[1] الـهندي، علاء الدين، كنـز العمال، بيروت: مؤسسة الرسالة، ج11ص479، رقم الحديث 32262
[2] الشعراني، عبد الوهاب، اليواقيت والجواهر، مصر: مطبعة عباس عبد السلام بن شقرون، ط1، 1351هـ.
[3] النيسابوري، أبو الحسن، أسباب النـزول، بيروت: دار الكتب العلمية، ص61.
[4] صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب ذكر العشاء والعتمة
[5] آل عمران: 145
[6] شلتوت، محمود، الفتاوى، ص65.
[7] قطب، سيد، في ظلال القرآن، بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط7، 1971، ج13ص435.
[8] القيشاوي، عبد اللـه، أفكار المؤمنين في حقائق الدين، بيروت: المطبعة الأمريكانية، 1939، ص13.
[9] الرازي، فخر الدين، التفسير الكبير، طهران: دار الكتب العلمية، ج7ص69.
[10] ذكرنا هذا القول فيما سبق، وهو محاولة للربط بين أدلَّة وفاة عيسى وأدلَّة نـزولـه، فاجتـهد ابن حزم، وقال بموتـه وإحيائه ثانية، رغم أنَّ هذا يعارض قولـه I ( وحرام على قرية أهلكناها أنه لا يرجعون)، ويناقض النـزول، إذ لا تعني كلمة النـزول الإحياء من قريب أو من بعيد؛ فالأحاديث تقول بنـزول عيسى، ولم تقل بإحيائه. لذا لم ينجح ابن حزم بالتوفيق بين النصوص. ورغم أنـه قال بموت عيسى الذي ثبت لـه بالأدلَّة القطعية، أضاف الإحياء ظنًا منـه أنَّ النـزول يوجب الإحياء.
[11] شلبي، أحمد، مقارنة الأديان(المسيحية)، القاهرة: مكتبة النـهضة المصرية، ط6، 1978، ص52.
[12] شلتوت، الفتاوى، ص81
[13] شلبي، المسيحية، ص56
[14] المرجع السابق، ص55
[15] المرجع السابق، ص55
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.