فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا منهن وطرا (الأحزاب 38)
معنى الآية: وإِذْ تَقُولُ يا محمد لزيد بن حارثة الذي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإسلام وبالعيش بصحبتك وبغير ذلك من نِعم، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بتحريره من الرق، وبتزويجه من ابنة عمتك: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ زينب ولا تطلقها، وَاتَّقِ اللَّهَ؛ فلا تتسرع في حلّ العقد الذي تمّ باسم الله وبتوجيه مباشر من رسوله. وَتُخْفِي يا محمد فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ من فشل هذا الزواج ومن شماتة المنافقين فيه، ومن وقوع الناس في ابتلاء بسببه فيقولوا: النبي بنفسه أصرّ على تزويجها من زيد رغم عدم رضا أهلها في البداية، وفي نهاية الأمر رضوا بذلك.. فلم يُبارك هذا الزواج، بل فشل. وَتَخْشَى النَّاسَ الشامتين وضعيفي الإيمان والقيل والقال الذي سيملأون به الدنيا شماتة بفشل هذا الزواج الذي كان زيد قد اعتُبر فيه غير كفؤ لزينب القرشية. وكأن موقف المعارضين لهذا الزواج قد نجح، وموقف الداعمين له قد خسر. وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فلا يجوز إجبار الزوجين على البقاء معا إذا كانا يصران على الانفصال، ولم يعودا قادرين على الاستمرار معا. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا فطلقها، زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا، فيصبح الزواج من مطلقة الابن بالتبني لا بأس فيه بالمرة، وتنتهي تلك التقاليد الجاهلية التي تحرّم ذلك وتجرّمه. وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا.
إن اعتراضات المستشرقين على زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب قد بلغ من الحضيض الغاية، فقولهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رغب في الزواج منها، فطلب من زيد تطليقها باطل بالبداهة، فالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان قد زوّجها زيدًا، رغم اختلاف اللون والنسب والقبيلة، فزيد أسود وكان عبدًا، بينما زينب هي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعرق قبيلة.. فهل يُعقل أن لا يرغب بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بكر، ثم يقع حبها في قلبه ويسيطر عليه وقد كبرت وصارت ثيبًا ومطلقة؟
إن قصة وقوعه في حبها حين وقع نظره إليها باطلة بداهة، فقد كبرت تحت نظره، وهي ابنة عمته، فكيف لم يرها خلال تلك الفترة وفي ريعان شبابها، ثم رآها بعد إصراره على تزويجها من خادمه العبد سابقا؟
إن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لزيد (أمسك عليك زوجك واتق الله) أي لا تطلقها لدليل قاطع على كذب هذا الادعاء.
ثم لماذا لم يعترض زيد على زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب لو كان يريدها وتريده؟ ولماذا ظلّ خادما مخلصا فدائيا له طوال حياته؟
ثم لو كان القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل كان سيضع هذه الآيات التي تذكر أنه يخشى الناس ويخفي في نفسه ما الله مبديه؟
ثم إن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب لم يعترض عليه المنافقون المعاصرون والكفار من باب أنه أحبها حين رآها، لأن هذا لم يقع أصلا، بل اعترضوا من باب أنه تزوج مطلقة ابنه.
الحقّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حطّم بتزويج زيد من زينب تقاليد الجاهلية الطبقية، وكرّس عمليا مبدأ لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. ثم حطّم بزواجه هو صلى الله عليه وسلم من زينب تقاليد التبني الجاهلية.
إن قول المستشرقين ومن لفّ لفّهم في هذه المسألة من أسخف الأقوال، ولا يدل إلا على عمى.
0 comments :
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.