الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الأحد، 31 مارس 2013

أسباب النزول.. قصص وأوهام غالبيتها لا أصل له




أسباب النزول.. قصص وأوهام غالبيتها لا أصل له



كثيرة هي الآيات القرآنية التي لم يحتمل القصاص إطلاقها؛ ذلك أنهم يريدون أن يروْا مناسبة لكل آية، وأن يقرءوا قصة متعلقة بنـزولها، فهذا أكثر إثارة!!

وكثير من هذه المناسبات المزعومة لا قيمة لها، ذلك أنها لا تؤثر في المعنى؛ ولا تزيده ولا تنقصه، ولا تقيده ولا تخصصه.

وكثيرا ما يضعون عددا من القصص كمناسبات مختلفة لنزول آية..

بيد أن هذه الأمور لا تسبب إشكالية؛ فلا نتطرق إليها بأمثلة. أما المشكلة الحقيقية فهي في المناسبات المزعومة المسيئة لله ورسله ودينه. وها هي بعض الأمثلة التي قرأتها في (أسباب النزول) للواحدي النيسابوري.


المثال الأول:
 وقوله (إِنَّ الذين آمنوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). حيث أورد بسنده عن مجاهد قال: لما قصّ سلمان (الفارسي) على النبي r قصة أصحاب الدير قال (النبي r) : هم في النار، قال سلمان: فأظلمت علي الأرض فنزلت الآية قال: فكأنما كشف عني جبل.

التعليق:
في هذه الرواية إساءة واضحة للنبي؛ حيث تتهمه بمخالفة قوله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا). فلماذا يعذب الله هؤلاء القوم مع أنهم أتقياء باحثون عن الحق؟ وهل كان النبي يجهل هذا الحكم حتى نـزلت الآية؟ حاشاه، فهذه مسألة مركوزة في الفطرة، فالله العدل لا يحاسب أحدا بسبب عدم وصول الحق إليه.

وهذا متن آخر بسند آخر: فقد أورد النيسابوري بسنده عن السدي (إِنَّ الَّذينَ آَمَنوا والَّذينَ هادوا) الآية قال: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي؛ لما قدم سلمان على رسول الله r جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم وقال: يا رسول الله كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك تبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول الله r: (يا سلمان هم من أهل النار، فأنزل الله الآية).

المثال الثاني:
بسنده عن حصيفة قال: كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال: لأي داء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا، فلما نبتت شجرة الخروبة قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب بيتك، قال: تخربينه؟ قالت: نعم، قال: بئس الشجرة أنت! فلم يلبث أن توفي، فجعل الناس يقولون في مرضاهم: لو كان مثل سليمان، فأخذت الشياطين فكتبوا كتاباً وجعلوه في مصلى سليمان وقالوا: نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك فإذا فيه سحر ورقي، فأنزل الله I (وَاَتَّبَعوا ما تَتلو الشَياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ) إلى قوله (فَلا تَكفُر) قال السري: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر فاشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه ونهاهم عن ذلك، ولما مات سليمان وذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب، فتمثل شيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل وقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً؟ قالوا نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن والإنس والشياطين والطيور بهذا، فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود، فبرأ الله عز وجل سليمان من ذلك، وأنزل هذه الآية.

التعليق:
مثل هذه القصص سببت في  إشاعات شعبية حول بساط سليمان وخاتمه، وكلها أوهام وأساطير.

المثال الثالث:
 قوله I (ما نَنسَخ مِن آيةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِنها) قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً، ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضاً، فأنزل الله (إِذا بَدَّلنا آيَةً مَكانَ آَيَةً) الآية وأنزل أيضاً (ما نَنسَخ مِن آَيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَيرٍ مِّنها) الآية.

التعليق:
هذا مبرر سخيف لم يخطر ببال الكفار، لأنه لم يكن هنالك أوامر حتى يُقال إنها كانت متناقضة. ثم لو صحّ هذا لكان هذا الاعتراض من الكفار وجيها.

أين هي الآيات والأحكام المتناقضة في القرآن التي كان اليهود يلاحظونها فجاءوا يشككون في القرآن؟ إنها غير موجودة إلا في عقول ضعيفة! أهي تغيير القبلة؟ هذه لم تكن آية قرآنية البتة. أي أنه ليس لدينا آية قرآنية أمرت بالتوجه نحو بيت المقدس، لكن الرسول r كان يحب موافقة اليهود فيما لم ينزل فيه حكم شرعي؛ فكانت قبلة الصلاة قبلة اليهود أنفسهم. ثم غيرها الله I في كتابه. فالمناسبة المزعومة كذبة محضة. والآيات القرآنية لا تتحدث عن تغيير الأحكام، بل تتحدث عن نسخ أحكام التوراة، وتتحدث الآية الأخرى عن آية العذاب السماوي الذي يقع على المكذبين.

المثال الرابع:
 وقال ابن زيد: مر إبراهيم بحوت ميت نصفه في البر ونصفه في البحر، فما كان في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان في البر فدواب البر تأكله، فقال له إبليس الخبيث: متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء؟ فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، بذهاب وسوسة إبليس منه.

التعليق:
رغم أن هذا لا يمكن أن يكون سببا للنزول، لكن النيسابوري أورده في كتابه، فهو يشبه فكرة أسباب النزول، ويمكن تسميته بمناسبة القصة الأصلية.. أي المناسبة التي دعت إبراهيم u يطلب من ربه أن يريه إحياء الموتى.

ولا ريب ببطلان هذه القصة، فهل دخلت وساوس إبليس السخيفة قلب نبي الله؟ كلا، وألف كلا. لكن عشاق القصص لا يتنبهون لما يتسببون للدين من إشكاليات!

المثال الخامس:
الآية (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم آَمَنوا بِما أُنزِلَ إِليكَ)
قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومه، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف وهو الذي سماه الله تعالى الطاغوت، فأبى اليهودي إلا أن يخاصمه إلى رسول الله r، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله r، فاختصما إليه، فقضى رسول الله r لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا وهذا إلى محمد فقضى عليه فلم يرض بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك وتعلق بي فجئت إليك معه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال لهما: رويداً حتى أخرج إليكما، فدخل عمر وأخذ السيف فاشتمل عليه، ثم خرج إليهما وضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية، وقال جبريل u: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق.

التعليق:
هذه المناسبة الباطلة تتناقض مع روايات صحيحة تفيد أن النبي r لم يقتل من اتهمه بالظلم، بل لم يوبخه، وقد أوردها النيسابوري نفسه في هذا السياق أيضا، فبسند عن عروة بن الزبير، عن أبيه، أنه كان يحدث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً إلى النبي r في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي r للزبير: اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله r... قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك. رواه البخاري عن علي بن عبد الله، عن محمد بن جعفر، عن معمر. ورواه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، كلاهما عن الزهري.

فهذه رواية تنقض الأولى. ويمكننا أن نتساءل حول رواية القتل: ألا تحض هذه الرواية الباطلة على الاستخفاف بالأرواح؟ ألا تحض على قتل الناس من دون محاكمة عادلة؟ ألا ترفع من شأن عمر فوق النبي؟ لماذا لم يعترض النبي r على هذا القتل؟ أو لماذا لم يَرِدْ أي تعليق منه سواء بالمدح أم بالذم؟

 المثال السادس:
قوله I (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) الآية. قال مجاهد: كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فيوافق رأيه ما يجيء من السماء، وإن رسول الله r استشار في أسارى بدر فقال: المسلمون بنو عمك أفدهم، قال عمر: لا يا رسول الله اقتلهم، قال: فنزلت هذه الآية (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى).

وقال ابن عمر: استشار رسول الله r في الأسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك خل سبيلهم، واستشار عمر فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله r، فأنزل الله I (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) إلى قوله I (فَكُلوا مِمّا غَنِمتُم حَلالاً طَيِّباً) قال: فلقي النبي r فقال: كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء.

أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدثنا محمد بن حماد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله r: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم واستأن بهم لعل الله عز وجل يتوب عليهم، وقال عمر كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم اضرم عليهم ناراً، فقال العباس: قطعت رحمك، فسكت رسول الله r ولم يجبهم، ثم دخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله، ثم خرج عليهم فقال: إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله U ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وأن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال (مَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِني وَمَن عَصاني فَإِنَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال (إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبادُكُ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال (رَبَّنا اِطمِس عَلى أَموالِهِم وَاِشدُد عَلى قُلُوبِهِم) ومثلك يا عمر كمثل نوح قال (رَّبِّ لا تَذَر عَلى الأَرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيّاراً) ثم قال رسول الله r: أنتم اليوم عالة أنتم اليوم عالة، فلا ينقلبن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق؟ قال: فأنزل الله U (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ في الأَرضِ) إلى آخر الآيات الثلاث.

التعليق:
لا يستشير النبي r صحابته في مسألة تتعلق بالأرواح، بل ينتظر الوحي.
لا يتأخر الوحي لينزل بعد فوات الأوان.
ليس هنالك نبي عصبي المزاج. بل قال الله فيهم جميعا: (فبهداهم اقتده)
كل نبي يدعو الله أن يهدي قومه، ولكن حين يوغل كبراؤهم في الاضطهاد والجريمة يدعو النبي ربه ضد هؤلاء العتاة.
هذه الرواية الباطلة تنقض هذا كله وغيره.

هذه مجرد أمثلة عن أسباب النزول الذي سموه علما. وما هو بعلم. بل قصص باطلة في معظمها، متناقضة أحيانا، غير مفيدة حين تصحّ. فلنترك هذا العلم! ولْنَغُصْ في القرآن العظيم نفسه.

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي