الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

السبت، 23 مارس 2013

هل تجسد الله تعالى في الشجر والحجر؟




هل تجسد الله تعالى في الشجر والحجر؟



السؤال: يقول المسيحيون أن القرآن الكريم يذكر أن الله قد تجسد للشجر والجبل، فلماذا لا يتجسد الله في إنسان؟ ويعتبرون أن التجسد في إنسان هو مرحلة متقدمة بعد مرحلة التجسد في الجوامد. فما ردكم؟

يشير المسيحيون في ادعائهم هذا إلى قصتين؛ القصة الأولى هي حادثة موسى والنار، والقصة الثانية هي قصة طلب موسى رؤية الله وتجلي الله للجبل. لنبدأ بالقصة الأولى ولنستعرض الآيات التي جاءت فيها هذه القصة:

جاءت الحادثة في سورة طه حيث يقول تعالى:

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ^ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ^ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ^ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } (طه 10-13)

كما وردت أيضا في سورة النمل بقوله تعالى:

{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ^ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ^ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (النمل 8-10)

كما جاءت في سورة القصص، حيث قال تعالى:

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ^ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (القصص 30-31)

هل الآيات السابقة تقول من قريب أو بعيد أن الله قد تجسد وظهر لموسى u في تلك الحادثة؟ إن ما رآه موسى u هو نار قد وقف عندها، وفي الأثناء سمع موسى صوتا يناديه وينقل له كلمات الله I  فهل تذكر الآيات أنه قد رأى الله في النار أو عند النار أو حولها؟ وهل مجرد سماع النداء يدل على أنه قد صدر من الله المتجسد (تعالى الله عن ذلك) حتى وإن لم يره موسى u  ثم ماذا تقول الآيات عن مكان النار ومكان النداء؟ هل هما مكان واحد؟

بالتدبر في الآيات السابقة نجد ما يلي:

1- سورة طه حددت مكان النار؛ وهي في موضع ما في الوادي المقدس طوى، ولم تذكر مضمون النداء.

2- سورة النمل لا تذكر مكان النار وإنما تشير إلى مضمون نداء الله لموسى "بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين".

3- سورة القصص تحدد مكان النار وهو "جانب الطور" وتحدد مكان النداء "نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة".

ويتضح لنا مما سبق أن الوادي المقدس طوى هو في جانب الطور، كما يتضح لنا أن النداء كان من موضع مخصص من هذا الوادي وهو "شاطئ الوادي الأيمن" وقد تم تحديد موضع النداء بشكل أدق حيث تقول الآية: "في البقعة المباركة من الشجرة". فهل صدور الصوت من هذه البقعة المباركة من الشجرة يدل على أن الله قد تجسد فيها؟
وعلى كل حال، فإن الآيات لا تقول مطلقا أن موضع النداء هو موضع النار، بل هناك إشارات قوية على أن النداء كان من خارجها.

وقد يظن البعض خطأ أن قوله I في " فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا " يدل على أن النداء كان من داخل النار. فمع أنه مقبول لغويا أن يتحدث المتحدث عن نفسه بصيغة الغائب للتعظيم أو التنبيه أو لأسباب أخرى، إلا أن الأصل هو أن هذا النداء هو خطاب شخص عن شخص آخر، ولا ينبغي صرفه ليدل على أن الشخص يصف ذاته إلا بقرينة قوية قاطعة، وهذه القرينة ليست موجودة في الآيات. فـ"مَن في النار" ليس هو الله تعالى.

وبالعودة إلى مسألة التجسد، فهل هل تجسد الله I في النار، أم في الشجرة، أم في الموضع الذي فيه النار والشجرة، أم في موضع النداء أم ماذا؟ كذلك، هل رؤية هذا المشهد من النار المشتعلة، سواء كان الصوت من داخلها أو خارجها، يعتبر تجسدا؟ لو كان من طبيعة النار والشجر الكلام، وقلنا إن الكلام الآن هو كلام الله على لسان النار أو لسان الشجرة، لأصبح مقبولا النظر في دعوى التجسد بداية! أما سماع الكلام فهو دليل على أن الكلام ليس من تلك الجوامد. فكيف يمكن مقارنة رؤية مشهد من نار مشتعلة وسماع نداء الله وكلماته بالادعاء بأن الله قد تجسد في إنسان وأصبح يتكلم على لسانه؟!
ومع ذلك،  فبالمقارنة بين مشهد رؤية النار وسماع كلمات الله، وبين التجسد المزعوم لله في إنسان، نجد أن المشهد والسماع هما أكثر عظمة وقوة وجلاء ووضوحا من التجسد في إنسان. فإذا كان الهدف من ذلك التأكيد على أن الله هو من تكلم وأن تلك هي  كلماته فإنه لن يساور المشاهد أدنى شك أن الكلام ليس من الله، وهذا لأن كل ما في المشهد هم من الجوامد التي هي غير قادرة على الكلام. بينما تجسد الله في إنسان لا يمكن من خلاله دفع شبهة أن المتكلم هو الإنسان بنفسه وليس الله على لسانه. فلو صح أن هذا التجسد قد حصل وأنه التجلي الأعظم لله فما الذي جعل الناس لا يرون هذا التجسد في المسيح؟ وكيف يمكن اعتبار ذلك التجسد عظيما وهو أمر لم يُلجِئ من شهده في زمنه كما أنه لا دليل عليه للاحقين.

وعلى كل حال، فإن الذين يدعون بأن هذه القصة القرآنية تدل على التجسد يقرّ كتابهم المقدس أن الذي كان في الشجرة لم يكن الله وإنما كان ملاكا، حيث يقول الكتاب المقدس:
"وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه (والد زوجته) كاهن مديان. فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل حوريب، وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط علّيقة" (الخروج 3:1-2).

فالكتاب المقدس لا يورد هذه الحادثة على أنها تجسد أو ظهور لله تعالى بل ظهور لملاك 
الرب لموسى u  فمن التزوير والكذب الاستناد في احتجاجهم للمسلمين بالتجسد بما لا يؤمنون به هم أنفسهم.

أما المسألة الثانية فهي مسألة تجلي الله I للجبل في قصة موسى u  فلننظر ماذا يقول القرآن الكريم:

{َلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } (الأعراف 144)
والسؤال هنا هو أين التجسد في هذه القصة؟

ولنأخذ القصة أولا بظاهرها دون الدخول في تأويلها.

لقد طلب موسى u أن ينظر إلى الله (وأيا كان مفهوم هذه الرؤية)، فماذا أجابه الله؟ أجاب: "لن تراني" أي أن الرؤية لن تتحقق مطلقا. أما ما تبع ذلك فهو عبارة عن اختبار عملي مفترض على أن الرؤية لن تتحقق، وهذا ما كان. فقد قال له الله تعالى أن الجبل لو استقر في مكانه فإن الرؤية ستتحقق، ولكن الجبل لم يستقر والرؤية لم تتحقق!
والسؤال هنا، ما الذي حدث، هل هو التجلي أم التجسد؟ هل يذكر القرآن أن الله قد تجسد للجبل أم تجلى له؟ إن القرآن الكريم يذكر أن الله  I قد تجلى للجبل، ولم يذكر التجسد مطلقا، ويذكر أن هذا التجلي كان فوق طاقة هذا الجبل وأدى إلى تدميره، كما أن الحدث كله كان فوق طاقة موسى u وأدى إلى صعقه. ثم ألا تظهر قدرة الله وقوته إلا بظهور ذاته (تعالى الله عن ذلك)؟ هل قدرته غائبة طالما أنه ليس موجودا بشكل متجسد؟!

في الحقيقة، هذه الفكرة العجيبة نرى أنها تشكل أحد المبادئ الهامة في المسيحية التي ترى أن ملكوت الله في الأرض سيقام عندما سيأتي الرب (المسيح بزعمهم) متجسدا من السماوات. فهو غائب الآن عن الأرض وملكوته ليس فيها!!

أما ما معنى هذه القصة؟
إن هذه القصة قد حدثت في فترة ذهاب موسى لميقات ربه، وهي المرحلة التي تلقى فيها وحي شريعة التوراة وقام بكتابته في الألواح. وقد تضمن الوحي بشارة عن التجلي العظيم لله تعالى في المستقبل والذي سيظهر للرسول r، والذي بشر به موسى u في التثنية:

{أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ.} (اَلتَّثْنِيَة 18 : 18)

أي أن موسى أحب أن يرى هذا التجلي من الوحي الذي سيكون كلمات الله التامات المباشرات على لسان ذلك الرسول. فأخبره الله I أن هذا فوق طاقته، بل هي أمر لا يطيق الجبل حمله. فكان الجبل رمزا للعظمة والقوة المادية والمعنوية في خلق الله، وهذا ما يذكره القرآن في آيات كثيرة عندما يتحدث عن الجبل أو الجبال.

ومما يؤكد ذلك ما ورد في القرآن الكريم حول القرآن، حيث يقول تعالى:

{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الحشر 22)

ومما يؤكد أن هذه الحادثة تتعلق بالوحي المنزل من عند الله والفرق بين التوراة والقرآن الكريم هو الآيات التي تتبع تلك الآية، حيث يقول تعالى:

 {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف 145)

أي أن عليك أن تشكر الله تعالى على ما أعطاك، ولا تنظر إلى ذلك الوحي الكامل الذي سيأتي في آخر الزمان. فهذا نصيبك الآن وهو يناسبك ويكفيك.

 ثم يتابع الله I ويقول:

{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (الأعراف 146)

ويواصل الله  I الحديث عن الآيات المنزلة في التوراة فيقول:

 {أَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ^ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف 147-148))

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي