الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الخميس، 4 أبريل 2013

من هم أولو الأمر الواجب طاعتهم


من هم أولو الأمر الواجب طاعتهم



يقول الله I [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ] .. الآية التي تسبق هذه الآية تتحدث عن قاعدتي الحكم، وهي العدالة والأمانة، وتتوجه إلى الحكام وأولياء الأمور، ثم تأتي هذه الآية لتوجب طاعة الله ورسوله وولي الأمر. أما طاعة الله والرسول فمطلقة، وأما طاعة ولي الأمر فمقيدة بالحكم الشرعي، فإنْ أَمَرَ ولي الأمر بما فيه معصية الله لم تَجُز طاعته.

وهذه هي الآيات في سياقها: [ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا % يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ].

إذن، الآية الأولى موجهة للحاكم، ومَطْلع الآية الثانية للحاكم والمحكوم، والشقّ الثاني من الآية الثانية موجّه للمحكوم. علما أن طاعة الرسول تعني طاعة إمام المسلمين الذي قد يكون حاكما سياسيا في الوقت نفسه أو لا يكون. ولكن، هذا ليس موضوعنا الآن.

الآن، مَن هو ولي الأمر؟ هل هو الحاكم العام، أي رئيس الدولة؟ لو قالت الآية وأولي أمركم، لكانت مقيّدة بالحاكم العام، لكنها جاءت بصيغة مطلقة، لتتضمن أي وليّ الأمر في أي جانب من جوانب الحياة، فمدير العمل ولي أمر، ومدير الشركة ولي أمر، ومدير الجامعة أو المدرسة ولي أمر، فهؤلاء جميعا تجب طاعتهم. فما دامت الآية السابقة قد أمرت هؤلاء جميعا (الحاكم) بالعدل وأداء الأمانة، فهذه الآية طالبت المحكوم بطاعة ولي الأمر. والآية الأولى لم تطالب الحاكم العام وحده بالعدل والأمانة، بل طالبت كل مسؤول، أي كل حاكم مهما كانت صلاحياته ومسؤولياته، فعليه أن يكون عادلا أمينا في ما هو مسؤول عنه. وجاءت هذه الآية لتقول لكل من كان هذا الحاكم مسؤولا عنه أنَّ عليه أن يطيع هذا الحاكم المسؤول. فالآيتان تؤديان إلى حياة آمنة مطمئنة كلها تعاون وانسجام، وليس تنافس وتصادم وظلم وعصيان.

طاعة الحاكم الظالم:
القضية الآن إذا كان الحاكم ظالما فهل تحرِّم الآية طاعته؟ الجواب: كلا، بل إنها لم تجعل عدله وأمانته شرطًا لطاعته، حيث إنها لم تقل: أَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إن عدلوا وأدوا الأمانات، وإلا فلا تطيعوهم. لم تقل الآية ذلك، بل أوجبت طاعة الحاكم مهما كان فاسدا أو ظالما. فليس من حقك أن تتمرد على مدير العمل أو الحاكم بحجة أنك تراه ظالما، بل يجب أن تطيعه، إلا إذا أمرك بمعصية الله، فعليك أن ترفض أن تطيعه في هذه القضية فقط، أما في باقي القضايا فيجب أن تطيعه. أما مواجهة ظلمه فلا تكون بالتمرد عليه ولا بإثارة الناس ضده ولا بتشويه سمعته ولا بنشر الشائعات، بل بتوجيه النصائح له من خلال مراسلات بينك وبينه أو بين مكتبه، أو بزيارته والتحدث معه شفويا، وليس بفضحه على الملأ، وفي رسائلك له يجب أن تكون أمينا ودقيقا وصادقا وتقول ما تراه بدقة، ومن باب النصيحة وليس من باب السعي لاجتثاثه. وتوجَّهْ إلى الله I بالدعاء له بالصلاح، أو بإزالته إن كان في ذلك خير للدين والأمة. ولا تجوز المشاركة في أي عمل تآمري ضد الحاكم، بل إن طاعته تقتضي أن تخبر الأجهزة المختصة بأي مؤامرة ضده، أو أي عمل تخريبي يُقام ضدّه، إلا إذا كان الوضع غير طبيعي، كأن يكون احتلال، أو فتنة عامّة، أو أن الحاكم غير معترف به وغير شرعي، فإما أن تعتزل القتال وتعلن أنك لست مشاركا أحدا، وهنا لا يجوز لك أن تُعين طرفًا على طرف، أو أن تعلن أنك منحاز إلى طرف ما، فالإعلان لا بدّ منه، وهذا الإعلان قد يكون بلسان الحال وليس بالقال فقط، وهذه الحالة ليس الآن مجال تفصيلها، لكن إذا أوجبتَ الصدق المطلق على نفسك عرفتَ السبيل.

طاعة الحاكم الكافر:
الحاكم الكافر هو مدير الشركة غير المسلم، أو مدير الدولة غير المسلم، أو رئيس الدولة غير المسلم. وهؤلاء يجب طاعتهم كما يجب طاعة المسلمين، ولا تجوز طاعتهم في معصية الله كما لا تجوز طاعة المسلمين في ذلك بلا فرق. إذن، لا فرق بين الحاكم المسلم والحاكم الكافر في هذا.

فإن كان الحاكم الكافر محتلاًّ للبلد، فعلينا أن لا نعترف به حاكمًا، بل نعامله باعتباره مغتصبا ومحتلا، وهذا يعني عدم العمل في مؤسساته، وعدم التعامل مع وزاراته وجوازاته وبطاقاته الشخصية، فإن مارسنا شيئا من هذا أو ما يشبهه فقد اعترفنا به، وعلينا في هذه الحالة أن نعامله باعتباره حاكما، فلا نعصيه إلا فيما لا يُرضي الله.

الآن، هل الآية [ وأولي الأمر منكم ] خاصة بالحاكم المسلم أم عامة؟

الجواب: إن التقيّد بالأخلاق يؤدي إلى وجوب طاعة الحاكم الذي اعترفنا به حاكما، سواء كان مسلما أم لم يكن، وهذا عرفناه من خلال أدلة وجوب التقيد بهذه الأخلاق وقبل معرفتنا بالآية، أما وقد عرفنا الآية وفهمناها ازددنا نورا على نور، فنقول: إن الآية لم تشترط أن يكون الحاكم مسلما، أما الضمير ( منكم )، فلا يعني من دينكم، بل يعني من بينكم، والذي يمكن أن يكون أي حاكم نصّبْتموه أنتم، أو رضيتم به حاكما لأي سبب كان.
فلو عجز أهل بلد عن اختيار حاكم، فاستوردوا حاكما من بلد آخر، فهذا هو ولي الأمر منهم.

 وكل ولي أمر لا بد أن يكون منهم، فهل كلمة منكم زائدة؟

كلا، لأن الآية تطالبنا بطاعة أولياء الأمور في كل جوانب الحياة، ثم هي تطالبنا بطاعة أولياء أمورنا وليس بطاعة أولياء أمور غيرنا، وللجمع بين هذين الطلبين، كان لا بد من توسط حرف (من).. لأنه لا يمكن للكلمة المعرَّفة بألـ التعريف أن تضاف إلى ضمير متصل، فالتعريف إما أن يكون بالـ التعريف أو بالإضافة، وليس بهما معًا؛ فلا يصحّ أن يقال (وأولي الأمركم). وإذا قيل (وأولي الأمر) فستعني أن يطيع المسلم أولياء الأمور جميعا، وهذا غير ممكن وغير معقول وغير مطلوب، لأنه لا علاقة للمرء بولي أمر غيره، أي بمسؤول عن غيره وليس عنه. كما لا يمكن القول (وأولي أمركم) لأن هذا التعبير سيكون خاصًا بشخص واحد، وهو الحاكم العام، أي رئيس الدولة، مع أن الآية تحضّ على طاعة أي ولي أمر، سواء أكان في العمل أم في السفر أم في التعليم.. أي أن الآية عامة في وجوب طاعة كل أولياء الأمور، ثم إنها خاصة بأولياء أمور الشخص المخاطَب.. فكانت هذه الصياغة التي لا يمكن غيرها.

ونلخص ما قلناه:
أولي الأمر: عامة جدًّا. وتوجب طاعة كل أولياء الأمور في كل المجالات في كل العالم.
أولي أمركم: خاصة بالحاكم العام، أي لا توجب علينا سوى طاعة رئيس الدولة.
أولي الأمركم: خطأ لغوي.
أولي الأمر منكم: لا يمكن التعبير عن هذا المراد بغير هذه الصياغة، ولا يمكن أن يصح غيره ليعني المعنى المطلوب، وهو طاعة المسؤولين عنّا جميعا.

هل هذا التفسير لولي الأمر يعني أننا نوجب طاعة المحتل؟

بات واضحا مما سبق أن الحاكم هو من اعترفنا بأنه حاكم، أما مَن يغتصب أرضنا فإننا نقاتله حتى نجبره على الرحيل وعدم العودة، فإن لم نستطع، وسيطر على بلدنا كلّ السيطرة، فسيكون أمامنا أكثر من خيار، إما الاستمرار في القتال حتى لو قُضِيَ على الناس جميعا، أو التفاوض مقابل التنازل عن بعض الحقوق، كأن يكون الموافقة على احتلال البلد عشرين سنة، أو إعطاؤهم بئر بترول، أو ما شابه ذلك، فإن اتفقنا مع هذا المحتل وصار حاكما، فقد وجب علينا أن نطيعه حسب الاتفاقية التي وقعنا عليها ورضينا بها.

أما إن كنا نسكن في بلاد غير المسلمين، فإن اختيارنا السكن هناك يتضمن أننا رضينا بأن يكون حاكمهم العام وليَّ أمرنا، وأن يكون مدير الشركة التي نعمل فيها ولي أمرنا أيضا، وهكذا. وهؤلاء تجب طاعتهم كما تجب طاعة أي حاكم مسلم مماثل.

أما من يخالف ويقول: لا تجوز طاعة الحاكم الكافر بحال، فنقول له: أعلِن هذا حين تتقدم بطلب لجوء إلى بلد غربي، وحين يعطونك الجنسية فتقسم على طاعة دستورهم ونظامهم.. إن كنتَ صادقا غير منافق فأعلِن ذلك. وويل لك إن كان سرُّك خلاف علانيتك. وقبحًا لنفاقك ولتعليمك النفاق ولتأصيلك النفاق. نفاقُك هذا هو الذي أدّى إلى جرأة المشايخ على تفجير قطارات الدول التي آوتهم، وتبًّا لمن فجّر مَن آواه! ما أوقحه!
إذن، كلمة منكم لا تعني مسلما منكم، بل حاكمكم أو مسؤولكم أو ولي أمركم في أي قضية.
كيف نواجه الحاكم الذي يضيع ثروات البلد؟

قد يُطرح ألف سؤال في هذا السياق، والجواب كلمة واحدة، هي: اصدُق. نعم، تعامل بصدق. ثم عليك أن تكون ناصحا أمينا، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مهما كلَّفَك ذلك.

وللتوضيح أضرب بعض الأمثلة:
في بعض دول الخليج يسيطر الأمراء على مقدرات الأمة. ويبذرون أموالها وثرواتها بطريقة جنونية، بينما يعيش آخرون حالة فقر، فما الواجب؟

إن واجب كل مخلص في تلك الدول أن يشرح هذا الخطأ الكبير للحاكم، ثم يوضِّح له الحلّ الذي يراه، على أن يكون هذا بوضوح، مع ذكر الشواهد ثم توضيح طريقة الحكم الراشد. فإن تمادى الحاكم فيمكن البحث عن وسائل أخرى، على أن لا تتجاوز أي منها الأخلاق الإسلامية.

في بعض الدول هناك رشاوى على الحدود، ولا يستطيع الزائر أن يدخل إلا بدفع هذه الرشوة، فالحل أنّ واجب كل زائر أن يرسل لحاكم الدولة هذه أو للمختصين فيها، ويشرح له ما حصل معه على الحدود، ثم هذا واجب أهل البلد أنفسهم، وهنا تبرز أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلمة الحق عند السلطان الجائر التي لها أجر عظيم عظيم.

أما الحل الذي يطرحه الآخرون، وهو التمرد، فَعَدا عن حرمته، فإنه يعطي مبررا للحاكم الظالم الفاسد ليزيد في فساده، ويقتل كل معارضيه، بحجة تآمرهم عليه. وهذا ما هو حاصل في العالم العربي، وليس سببه الحاكم وحده، بل للمشايخ المتآمرين دور كبير في هذه الحالة المأساوية، وفي هذا الصراع الذي أضاع ثرواتنا، وفي هذه الحالة اللاأخلاقية السائدة من كذب وخداع وتحايل وتربّص وريبة وتآمر.

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي