الـرِّبَـا و الَّـذِي يَـتَـخَـبَّـطُـهُ الـشَّـيْـطَـانُ مِـنَ الْـمَـسِّ
جاء في التفسير الكبير لحضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه) للآيات الكريمة 276 - 282 من سورة البقرة ما يلي :
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (276)
شرح الكلمات:
يتخبَّطه-يضربه شديدا. تخبطه الشيطان: مسَّه بأذًى (الأقرب).
المسّ-الجنون لأنه عند العرب يَعْرِض من مس الجن (الأقرب).
التفسير: في هذه الآية ذكر الله عند الحديث عمن يأكلون الربا أضرارا تترتب على أكله، وتوسع الشقة بين الأثرياء والفقراء، بل تدمر السلام العالمي.
يجب أن نتذكر أن كلمة الربا تشمل كل أنواع الربا. سواء كان هذا الربا من البنوك أو من مكاتب البريد أو من الجمعيات الخيرية أو من الأفراد فهو حرام في كل حال. ولكن الأسف أن المسلمين في هذا الزمن بدءوا يعرِّفون الربا تعريفات عجيبة مرتعبين من الأمم الأوربية. وقد قال البعض إن الإسلام نهى عن ذلك الربا الذي يأخذ فيه الإنسان مبلغا بربح كبير، ولكن إذا أخذ ربحا قليلا فهذا ليس من الربا الممنوع وإنما هو ربح. ومثال ذلك كمثل الكشميري الذي سئل: كم عندك من الأولاد؟ قال: ليس لي أولاد؟ وعندما قام وخرج من تحت قميصه الطويل أربعة أطفال قال السائل: لمن هؤلاء الأولاد إذن؟ قال: وهل أربعة أولاد أولاد؟ كذلك يقول هؤلاء: وهل فائدة 6 أو 7% ربًا؟ إن الربا هي أن تكون الفائدة 100%!
أما البعض الآخر فقد أجازوا الربا بأخذ الفائدة من غير المسلمين. وأفتى غيرهم أن المسلمين المقيمين تحت حكومات غير إسلامية يجوز لهم أخذ الربا منها (فتاوى دار العلوم ديوبند، للمفتي محمد شفيع). حتى قال البعض إن الربا هو ما يكون فيه مال كبير. ولم يحددوا مقدار المال، وهكذا فتحوا الطريق لكل إنسان وأجازوا أخذ الربا للجميع. مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتبر الربا لعنة شديدة حتى قال عنه إن آخذه ومعطيه وشاهده كلهم في النار (الترمذي، البيوع).
الحقيقة أن النهي عن الربا من أسمى تعاليم الإسلام. لا يريد الإسلام أن تجتمع الثروة في أيدٍ قليلة بينما يهلك الآخرون جوعا، وإنما يريد أن تتاح لكل واحد، على قدم المساواة، فرصة للتسابق في مجال الرقي، وأن تتأسس المدنية على أسس سليمة صحيحة، ولذلك لا بد من أن ينتهي التعامل الربوي بكل أنواعه. لأن أكبر ضرر للربا هو أن الأثرياء يتمكنون من الحصول على المال، فيستولون على التجارة والزراعة والحرفة بكل أنواعها، ويعيش الآخرون تحت رحمتهم، فالربا هو الذي كدس الثروة في هذا الزمن في أيد قليلة، ووسع الشقة بين الأثرياء والفقراء.
ولو تدبرنا لوجدنا أن الربا على نوعين: أحدهما ما يأخذه الثري من غيره من الأثرياء من المال لاستثمار أمواله، فيؤدي عليه الزيادة، كما يفعل التجار وأصحاب البنوك. والنوع الثاني ما يأخذه الفقير لسد حاجته من ثري كقرض، ثم يؤدي عليه الفائدة. وقد منع الإسلام من النوعين كليهما. ولم يمنع من إعطاء المال الآخر على زيادة فحسب، بل أيضا منع اقتراض المال من أحد على زيادة. وفضلاً عن منع التعامل الربوي، فإنه جرَّم الشاهدين عليها وكاتبيها أيضا.