الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

هل يحق لغير المسلم استخدام مصطلحات القرآن الكريم

هل يحق لغير المسلمين استخدام المصطلحات القرآنية






يعمد المشايخ في بعض الدول الإسلامية إلى تصرفات شاذة عن تعاليم الإسلام الحنيف، ومن هذه التصرفات منعهم غير المسلمين من استخدام مصطلحات وعبارات وتحايا المسلمين ويطالبون حكومات بلدانهم بمعاقبة كل من يستخدمها من غير المسلمين لإنها حكر للمسلم حصرا. في ما يلي بعض الأدلة من القرآن الكريم لتفنيد هذه المزاعم الشريرة التي يطلقها مشايخ آخر الزمان.


ترى هل يُسمح للنصارى واليهود وغيرهم على الأقل استخدام العبارات التالية:



١- الله


يقول تعالى :


وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ


 [الجزء: ٢١ لقمان (٣١) الآية: ٢٦]


ومنه قوله تعالى :


وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ


 [الجزء: ٩ الأنفال (٨) الآية: ٣٣]


فها أن الكافرين يستخدمون لفظ الجلالة الله واللّهُمّ !


فماذا كان موقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من استخدامهم لفظ اسم الجلالة ؟ كان رد فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مغايرا تماما لما يقوم به المشايخ المعاصرون، فقد حَمَدَ الله تعالى على قولهم هذا شاكراً لله تعالى على استخدامهم لفظ حمد الله ﷻ. ذلك يدل على أن مشايخ الفتن اليوم الذين يمنعون غير المسلمين من استخدام لفظ الجلالة إنما هم يسيرون ويسلكون عكس القرآن الكريم وبيانه ويخالفونه كل المخالفة.

 



٢-  إنْ شاءَ الله 


يقول تعالى :


قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ


 [الجزء: ١ البقرة (٢) الآية: ٧١]


فلفظ إنْ شاءَ الله ورد في القرآن الكريم على لسان اليهود بل والمنافقين منهم !




٣- ماشاء الله ... لا قوة إلا بالله


يقول تعالى :


وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ 


[الجزء: ١٥ الكهف (١٨) الآية: ٤٠]


ورد عن أئمة المفسرين أن الرجلين في الآية كانا من اليهود، يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية:


"كانا أخوين في بني إسرائيل، أحدهما مؤمن اسمه (تمليخا) وقيل: (يهوذا)، والآخر كافر اسمه (نطروس) وهما المذكوران في سورة الصافات {قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أئنك لمن المصدقين} الآية).".




٤- مسجد


يقول تعالى :


وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا


 [الجزء: ١٥ الكهف (١٨) الآية: ٢٢]


لا يختلف إثنان أن المقصودين هنا كانوا قبل الإسلام، فهل أخطأ الله والعياذ بالله عند إطلاق لفظ مسجد على معبد أو مصلّى غير المسلمين ؟


بل إن الله تعالى سمّى مصلّى المنافقين الكافرين مسجدا. يقول تعالى :


وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ


 [الجزء: ١١ التوبة (٩) الآية: ١٠٨]




٥- آمنا بالله


يقول تعالى :


وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ


 [الجزء: ١ البقرة (٢) الآية: ٩]


فرغم أنهم منافقون ألا أن من حقهم ادّعاء الإيمان بالله ولم يذكر الله أي عقوبة عليهم بسبب قولهم آمنا بالله.


يقول عز من قال :


وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ


 [الجزء: ٢١ العنكبوت (٢٩) الآية: ٤٧]


إن الله تعالى هو رب المسلمين وغير المسلمين وهو رب العالمين تبارك وتعالى، فهل نمنع غير المسلمين من الإيمان بالله أم نشجعهم عَلَيْهِ ؟ 




٦- رسول الله


يقول  تعالى:


إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله


يقول ابن كثير :


"أي إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر، وليس الأمر كذلك، كما كذبهم اللّه في شهادتهم بقوله: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} وفي اعتقادهم بقوله: {وما هم بمؤمنين}.". أهـ




٧- السَلامُ عَلَيْكُم


يقول تعالى :


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً


 [الجزء: ٥ النساء (٤) الآية: ٩٥]


فالله تعالى ينهانا عن تكفير من ألقى علينا تحية "السَلام عَلَيْكُم" مهما كانت خلفيته، بل أن سياق الآية يتحدث عن الحرب ! فما بالك بمنعه من قول ذلك ومعاقبته ؟


أما تعليم القرآن الكريم للمسلمين هو في إفشاء السَلام فيمن عرفنا ومن لم نعرف. يقول تعالى :


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ


 [الجزء: ١٨ النور (٢٤) الآية: ٢٧]


فحسب التعليم القرآني على المسلم أن يقبل تحية السَلام من غيره وإن كان من أهل الخصام بل ويسلم على غيره عرفه أم جهله. 




٨- أخي


يقول تعالى :


وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ     فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ


 [الجزء: ٢٠ العنكبوت (٢٩) الآية: ٣٨-٣٧]


لقد استخدم الله تعالى وصف 'الأخ' عند الحديث عن الكافرين، فهل يجرؤ المشايخ على اعتبار المسلمين الأحمديين بل وغير المسلمين إخوتهم ؟




القائمة طويلة وقد لا تنتهي بهذه العجالة، ولكن القصد من كل ذلك هو أن تعاليم الإسلام تسمح بل تشجع الناس مهما اختلفت انتماءاتهم وأديانهم على استخدام المصطلحات الإسلامية وذلك لأن القرآن الكريم عربي ونفتخر أن غير المسلم يلجأ إلى استخدام عبارات القرآن المجيد العربية في إيمانه وفي ذلك دلالة على جمال وعظمة كتاب الله العزيز. إذا كان استخدام لفظ الجلالة وبعض العبارات الإسلامية الأساسية جائز حسب النص القرآني، فهل يُمنَع ما دون ذلك ؟


وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 


مسلم لله

خطبة الجمعة بتاريخ ١٧/١٠/٢٠١٤

خطبة الجمعة بتاريخ 17/10/2014


التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام


يوم 17/10/2014


في مسجد بيت الفتوح بلندن



   


 أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. [بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ]، آمين.


كل فرد من أفراد الجماعة، رجالا ونساء، صغيرا وكبيرا يعرفون جيدا جملةَ: "سأوثر الدين على الدنيا"، وذلك لأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلا وجّه أنظارنا إلى هذا الأمر بكثرة. ويستخدم المحاضرون في الجماعة وكذلك الخلفاء هذه الجملة كثيرا في محاضراتهم وخطاباتهم. والحق أن شروط البيعة أيضا تتلخص في إيثار الدين على الدنيا. وعهود المنظمات الفرعية في الجماعة الإسلامية الأحمدية أيضا تتلخص في الفكرة نفسها؛ أي سنؤثر الدين على الدنيا، وإضافة إلى ذلك نعيد الجملة نفسها في كلمات البيعة أيضا. باختصار، هذه الجملة تمثّل عهد كل أحمدي وعليها تعتمد بيعته، وعليها يعتمد ارتباطه بالخلافة وبنظام الجماعة، وإلا فيكون ادعاؤه البيعة والارتباط بالخلافة ونظام الجماعة باطلا محضا، ويكون إعلانه البيعة والحصول على رضا الله تعالى كلاما فارغًا بحتا. لذلك يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن الذي يقرّ عند البيعة بأنه سيؤثر الدين على الدنيا ولكن لا يفي بهذا العهد بعمله صدقا وحقا فالله تعالى لا يبالي به.


فعلى كلٍّ منا أن يضع في الحسبان دائما أنه يجب ألا يكون أيّ شيء عائقا له في سبيل الدين. وما أدراكم ما الدين؟ المراد من الدين أن يعيش المرء في ضوء أوامر الله تعالى ويتحرى رضاه ﷻ بكل قول من أقواله وكل فعل من أفعاله. إنه لمن فضل الله تعالى أن عددا كبيرا من أفراد الجماعة يسعون جاهدين أن يزيلوا ما يعرقل سبيلهم إلى الدين. ولكن من الواضح أن سعي كل شخص في هذا المجال لا يكون على المستوى نفسه لأن الناس يتفاوتون في المواهب العلمية وغيرها. ولأن الله تعالى يعلم نياتنا وما في صدورنا فهو يعامل كل شخص بحسب قدراته ومَلَكاته. فالأمر الأساسي لإيفاء هذا العهد هو حسن النية ويجب ألا تقدَّم في هذا السبيل أعذار واهية. نرى في المجالات الدنيوية أيضا أن لكل شخص قدرات ومواهب مختلفة. فيكون سعي شخص محصورا في دائرة ضيقة لأن علمه ومواهبه في أمر معين تكون محدودة، أو يحدث أحيانا أن الأولويات الأخرى تعيق طريقه وتحُدّ مساعيه في مجال ضيق. وتكون مساعي غيره أوسع بكثير وتكون في اتجاه صحيح، فيكون نظره مركَّزا على عمل يريد إنجازه فينال مرامه بالتمام والكمال.


لقد بيّن سيدنا المصلح الموعود  ؓ هذا المضمون وسأذكر اليوم بعض الأمور مستفيدا من كلامه وسأذكر بعض الأحداث بوجه خاص. لقد ضرب  ؓ مَثل سعيٍ محدود ومَثل سعيٍ أكبر بحسب المطلوب، فقال بأن بعض الناس يهتمّون بلباسهم كثيرا جدا لدرجة مهما كان الشغل ضروريا ومستعجلا فهم يعيرون اهتماما كثيرا بلباسهم قبل الخروج ويرون من جميع الجوانب أن يكون بنطالهم ومعطفهم مكويين جيدا وألا تكون فيهما أية تجاعيد قطّ، فيفحصون لباسهم جيدا لبعض الوقت وإن كان وصولهم إلى مكان ما حاجة ملحة. وبناء على ذلك يصبح سعيهم للوصول إلى ذلك المكان محدودا. أقول: هذه الظاهرة لم تنته في ذلك الزمن بل تلاحَظ هذه الأمثلة في الزمن الراهن أيضا. وقد آلت الحالة في الرجال والنساء في مجتمعاتنا في آسيا إلى أنهم يعيرون اهتماما أكثر من اللازم بكثير للباسهم. وهناك آخرون يستخدمون موضات جديدة دون أدنى شك وبكل شغف ورغبةٍ، ولكن إذا كان أمامهم هدف معين يضحّون بالموضات والاهتمام باللباس وما إلى ذلك. وإذا اضطروا للركض مع ارتدائهم لباسا فاخرا وأنيقا فلن يقصروا في ذلك أيضا، ويجلسون في أيّ مكان بحسب مقتضى الأمر، وإذا اضطروا للمشي في التراب والغبار فعَلوا دون تردد ولا شعور بمعاناة. لماذا؟ لأن أمامهم هدفا ومطلبا ملحا ويودّون في كل الأحوال أن يحققوا هدفهم وينالوا مرامهم فلا يكون لباسهم الفاخر أو بزّتهم عرقلة في سبيل نيلهم هدفهم، ولا يهتمون بأيّ شيء في هذا السبيل.


لقد ضرب المصلح الموعود  ؓ مَثلا آخر لمزيد من التوضيح كيف يضحي الناس بأشياء مادية وعادية من أجل هدف أسمى؛ وقد اقتبس مثالا من تاريخ بريطانيا. لقد سجل تاريخ بريطانيا أن الملكة اليزابيث- ليس الملكة الحالية بل اليزابيث الأولى التي توِّجت ربما في عام 1558م وبقيت ملكة إلى 45 عاما، وكانت ملكة شهيرة جدا لدرجة أن دعائم عظمة بريطانيا وقوتها قد أُرسيت في ذلك الزمن- كان معروفا عنها أنها تحب أن يلبس الناس في حاشيتها ومن حولها لباسا فاخرا وجميلا وأن يهتموا بأناقتهم، ولم يكن يُسمح بالدخول إلى البلاط لمن لا يكون لباسه فاخرا وجيدا. فيقال بأن الشباب الأنيقين وذوي اللباس الجميل كانوا يتجمهرون حولها. ذات مرة كانت تمشي مع حاشيتها ووصلت إلى طريق فيه بعض الوحل- اليوم نرى شوارع مرصوفة في هذا البلد ولكن في تلك الأيام كانت كثير من الأزقة غير مرصوفة- وكان القائد الأعلى في القوات البحرية البريطانية ماشيا معها وكان من المقربين جدا عند الملكة وكان معتادا على ارتداء لباس جميل وفاخر دائما. وعندما وصلا إلى الوحل خلع قائد القوات البحرية معطفه الذي كان ثمينا جدا وكان خاصا بالارتداء عند حضوره إلى البلاط والمناسبات المهمة، وفرشَه فورا على الوحل أمام الملكة، علما أن الوحل كان في مكان صغير. استغربت الملكة من ذلك كثيرا وسألت القائدَ الذي كان اسمه "السير والتر ريلي" لماذا فعلتَ ذلك؟ فقال القائد لتوه: أنْ يتسخ معطف "ريلي" خير من أن يتسخ حذاء الملكة. أُعجبت الملكة بكلامه كثيرا وبالتالي زاد تكريمه في البلاط أكثر من ذي قبل بل بلغ منتهاه. غير أنه اتُّهم في زمن "جيمز الأول" بالخيانة وأُدين وحُكِم بالإعدام. على أية حال، لقد قام القائد المذكور في زمن هذا الملك أيضا بخدمات جليلة للبلاد بما فيها إنجاز المهمات الصعبة في جنوب أفريقيا ولكنه عوقب أخيرا كما قلتُ. فمن هذا المثال يُستمَدّ درس أن القائد المذكور مع كونه معتادا على ارتداء لباس فاخر وجميل ومحبا للأناقة فرش معطفه الجميل والفاخر على الوحل عندما كان الأمر يتعلق بالملكة وضحّى بأناقته من أجل الملكة. فإذا ضحى شخص مادي من أجل الملكة بما كان معتادا عليه من الموضة وبمعطفه الجميل والفاخر الذي كان مهما جدا بالنسبة له فيجب أن نفكّر كم يجب أن نسعى ونضحي لتقدم الدين ولنشره وتوطيد دعائمه ومن أجل الحصول على رضا الله تعالى الذي خلقنا.


أفلا يكون هذا الهدف أحب إلينا بقدر ما كان رضى الملكة أحب إلى "ريلي"؟ ومع إرضائِه لملوك الدنيا وبعد أدائه خدمات كثيرة كانت عاقبته أليمة. أما الذي يُرضي الله تعالى فإنه ينال إنعامات الله تعالى في هذه الدنيا وتكون عاقبته أيضا حسنة.


فينبغي أن نتذكر دوما أنه لا يجدي نفعًا كون الأهداف عاليةً وعظيمةً ما لم تصحبْها التضحية والفداء بحسب مقتضى تلك الأهداف. سننال رضى الله تعالى إن لم تكن الدنيا تغلب دينَنا وإنما كان الدين غالبًا عليها. لم يمنع الله تعالى من كسب الدنيا، وليس محرما ما لا يحرمه الله تعالى، فلا يُحرم ارتداء ملابس جيدة وأكل أطعمة جيدة وسكن بيوت جيدة وتزيينها، بل كلها أمور جائزة، ولكنه إذا حال دون رقي الإسلام فسيصبح حرامًا.


يتزوج الناس، ولا تقول الشريعة أن تبحثوا عن المرأة القبيحة للزواج منها، بل قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنه ينبغي الاهتمام بحالتها الدينية بدلا من النظر إلى مرتبتها الدنيوية. تقول الشريعة بأن لا تحول المرأة دون عبادتكم، وأن لا تلهيكم نساؤكم عن صلواتكم. لو راعى شبابنا وفتياتنا وآباؤهم وأمهاتهم أيضا هذا الأمر وآثروا الدين على الدنيا لحُلت مشاكل عائلية كثيرة وتحقق الهدف الذي هو هدف كل مؤمن؛ أي نيل مرضاة الله تعالى.


كذلك اللباس، فلا يُحرّم مطلقًا ارتداء اللباس الجيد ولكن لا يجوز أن يغرق الإنسان في تقليد الصرعات لدرجة يتغافل عن أمور الدين ويهتم بلباسه لدرجة يفكر أنه لو ذهب إلى مكان كذا وكذا فسيتسخ لباسه. ينبغي أن لا يتغافل الإنسان عن أمور الدين، فإذا كان لابسًا عند أدائه الصلاة لباسا جيدًا مكويًّا فينبغي ألا يصبّ جل اهتمامه على تجاعيده وطويّاته.


فيقول الإسلام بألا تتغافلوا أبدًا عن أمور الدين، وبهذا تقدرون على أداء حق إيثار الدين على الدنيا.


كذلك لا يمنع الدين من أكل الأطعمة الجيدة، ولكنها تكون حراما إذا حالت دون إنجاز المرء المهمات الدينية. فينبغي أن نضع هذه الأشياء نصب أعيننا أثناء القيام بأعمالنا فنزيل منها ما يحول دون أمور ديننا.


يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام: الناس نوعان؛ نوع ينشغلون بعد إسلامهم في أشغالهم وتجاراتهم، ويركب الشيطان رأسهم ثم يغرقون في الدنيا.


وقال حضرته: لا أعني أن التجارة محرمة بل كان الصحابة أيضا يتاجرون إلا أنهم كانوا يؤثرون الدين على الدنيا. لقد قبلوا الإسلام فتعلموا علومه الحقة التي تملأ القلوب بثروة اليقين وبالتالي لم تزلزل هجماتُ الشيطان قدمَهم في أي ميدان. ولم يحُل أي شيء دون إظهارهم الحق.


قال حضرته: من يصبحون عبيدًا للدنيا، وكأنهم يصيرون عابدين لها، فإن الشيطان يغلبهم ويسيطر عليهم.

والنوع الآخر من الناس هم الذين يهتمون برقي الدين، إنهم حزب الله الذي ينتصر على الشيطان وجنوده."


ولقد قدمت في مستهل الخطبة مقتبسا من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهو يوضح أن هدف البيعة لا يتحقق إلا بإيثار الدين على الدنيا. لفهم هذا الأمر لابد من تحصيل العلوم الدينية إلى جانب الأعمال الدنيوية ثم تطبيقها على النفس، إذ بدون تحصيل العلوم الدينية لا يُعلم ما هو الدين الذي يجب إيثاره على الدنيا.


الصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام، ولكن كثيرا من المسلمين – بل ربما كان عددهم أزيد من 80 بالمئة – لا يصلون، وإذا صلوا إحدى الصلوات مرة فيصلّونها مستعجلين وكأنهم يُكرَهون على عمل مكروه. لأجل ذلك كتب المصلح الموعود  ؓ أنّ كبار الناس يتكاسلون في الصلوات، بل كتبَ عن النوّاب والرؤساء بأنهم يستصعبون الصلاة بالجماعة لكأنها أكل الخنـزير عند عامة المسلمين، أي أنهم يصلّون كارهين. ولا يتعلق هذا الأمر بذلك العصر فقط بل هي الحالة السائدة اليوم أيضا. إذ إن معظم الأمراء -بل الذين ينعمون بشيء من رغد العيش- يتغافلون عن الصلاة. وإذا صلّوا فإنهم غافلون عن تلك الحالة التي ينبغي أن يتمتع بها المصلي، لأن المواظبين على الصلوات يحافظون على القيم الإنسانية، ويبيّن الله تعالى أن الصلاة تُحدث في الإنسان تغييرات طيبة.


يقال في هذه الأيام بأن عدد المصلين في مساجد غير الأحمديين في باكستان قد ازداد كثيرا، فإذا كان ذلك صحيحًا فما هو الانقلاب الذي أحدثته هذه الزيادة في أنفسهم؟ لا يعطيهم المشايخ والخطباء الذين يصلون خلفهم إلا دروس الكراهية، ولأجل ذلك فمع ازدياد عدد المصلين تزداد فيهم نيران الكراهية اشتعالا. إنهم ليسوا بأقل ظلمًا لبعضهم ناهيك عن ظلمهم لنا، والسبب في ذلك أن عباداتهم ليست هادفة إلى إيثار الدين بل هي لنيل الدنيا فقط. إنهم يتوجهون إلى المساجد لهدف سام في الظاهر ولكن أهدافًا دنيوية تافهة تكون خافية وراءها. فثمة حاجة إلى رفع المستوى الفكري من أجل تحقيق أهداف عالية. وليست التضحية ما يبذله المرء لتحقيق أهدافه بل ما يبذله ابتغاء مرضاة الله. فلا فائدة من زيادة عدد المسلمين في مساجدهم إن لم تتحقق أهداف سامية من إقامة حقوق البشر إلى جانب حقوق الله تعالى ونشر الدين وإقامة الإسلام. وإن هذه الحالة المؤلمة لعامة المسلمين ينبغي أن تنبّهنا -نحن المسلمين الأحمديين- أكثر إلى الطرق التي يجب علينا اتباعها لفهْم موضوع إيثار الدين على الدنيا وتحقيق هذا العهد. لا بد أن نؤدي حقوق البشرية إلى جانب حقوق الله تعالى، ولا بد من بذل السعي من أجل نشر ديننا وإقامته، وبعد ذلك يجوز لنا الاستفادة بالنعم الدنيوية بالقدر الذي نريده.


لقد عُهدت إلينا مهمة تبليغ العالم رسالةَ الإسلام الجميلة، ولا بد أن نؤديها. وفُوّض إلينا أمر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات مختلفة ولا بد أن نؤدي حقه. ولا بد أن ننشئ المساجد في كل مكان حتى نجعل الناس عابدين حقيقيين لله تعالى، ولا بد أن نضع خططًا في كل بلد لأداء حقّ هذه المهام، كما لا بد أن نقيم القيم الإنسانية على أعلى مستوياتها. إذا كنا نقوم بكل ذلك إلى جانب كسب الدنيا فإن كسبَنا الدنيا أيضا يتحول إلى عبادة. وإن لم يكن الأمر كذلك فإن أعمالنا المشروعة أيضا تصبح في نظر الله غير جائزة.


إذا طُرح في السوق جوَّالٌ حديث من آيفون أو إذا كان أحدنا استلم مبلغا وأراد أن يشتري به سيارة جديدة أو طقما جديدا وأهملْنا بسبب هذه الأشياء التبرعاتِ أو أجّلناها فستصبح هذه الأشياء غير شرعية رغم كونها حلالا. وكذلك إذا كانت الجماعة تخطط لبناء مسجد في مكان ما وآثرنا الأهداف الأخرى عليه فتصبح هذه الأشياء غير مسموح بها لنا رغم كونها حلالا ومسموحا بها لإنسان عادي، وفي الأوضاع العادية.


في غزوة أحد حين أشيع أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد استُشهد، كان أحد الصحابة الذي قد شارك في الحرب على كونه جائعا من عدة أيام يتناول بعض التمرات الجافة عنده وهذا كان طعامه، وكان المسلمون قد أحرزوا نوعا من الانتصار. لكنه حين سمع عن استشهاد النبي ﷺ رمى من يده تلك التمرات واندفع إلى الحرب واستُشهد. ففي تلك الساعة لم يهتم ببطنه ولم يفكر في الطعام بل قد عدَّ تناوُلَ تلك التمرات إثما. فالعمل الذي يحول دون إنجاز مهمة دينية غير مسموح به مهما كان ساميا ورائعا في حد ذاته. أما الذي لا يعرقل أعمال الدين فهو جائز وليس سيئا مهما كان من الراحة والرفاهية. إذن يجب أن نخلق الروح التي تجعل قلوبنا تسعى لنيل رضوان الله. فقد ورد في رواية –والله عليم بما في القلوب- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَهَبَ وَاحِدٌ قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَن النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ (أي أن جلوسه هناك تسبب في العفو عن ذنوبه، إذ استحيا، وغفر الله له الذنوب حياءً) وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ.


ففي ظاهر الأمر إن حضور ثلاثة أشخاص وجلوس اثنين وانصراف الثالث أمرٌ عادي بسيط، لأن الثالث ظن أن الصوت لا يصل إليه فلذا لا يفيد الجلوس. لكن لما كانت تصرفاتهم أمورا قلبية وتخص القلب، وكانت تُظهر كيفية القلب، والله تعالى مطَّلع على القلوب، وتكون إنعاماته بحسب حالة القلب، لذا فإن حالة القلب مهمة جدا من ناحية الجزاء والنتيجة. فهذا الأمر جدير بالتذكر، ففي هذا الخصوص أيضا عاملَهم الله بحسب ذلك، حيث اطَّلع تعالى على حالة قلوبهم لأنه عليم بما في القلوب. فعلم مَن منهم فائق من ناحية الحالة القلبية ومَن الذي تقاعس، فنال الأوَّلان الجزاء بحسب درجتهما وحُرم الثالث منه بل صار محل عتاب.


فعلى المؤمن أن يرى لأي مدى قدَّم التضحية من أجل الهدف الذي يريد تحقيقه. فإن قدَّم تضحية مطلوبة استحق نصرة الله والجزاء منه. فالتضحية دوما إما تكون بحسب السعة أو بحسب الحاجة. وليس من الضروري أن يضحي المرء دوما بحسب القدرة، لأن الشريعة أحيانا تتطلب التضحية بحسب الحاجة. فمثلا إذا جاء أي مسافر وسأل مائة جنيه من بضعة أشخاص، وهو محتاج فعلا وسؤاله في محله، فسدَّ حاجته بعضٌ من الموجودين أو كلهم بحسب سعتهم، ومع ذلك بقي عشر جنيهات من الطلب، وفجأة أتى شخص ذو سعة، بحيث إذا أراد استطاع أن يسد الحاجة وحده، لكن الحاجة تطلبت منه عشر جنيهات فقط وهو قدَّمها. فهو قد سدَّ الحاجة وإن كان يقدر على أكثر من ذلك. فتضحيته بحسب الحاجة، وقدمها بصدق النية، فسوف يثاب على ذلك. وكذلك حين تُطلب التبرعات في مشروع معين، فالناس يتبرعون بالمئات والألوف، ويتبرع الفقير ببضعة جنيهات بحسب سعته، فإن الله المطلع على القلوب يكرمه على ذلك. وهو ينال هدفه. كما أن الثري نال هدفه بدفع مبلغ بسيط بحسب الحاجة، وساعد ذلك المسافرَ الفقير. ونال الفقيرُ أيضا هدفه حيث تبرع بحسب سعته أو أكثر منها، لنيل رضوان الله. فقد ورد في حديث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ قَالَ رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا (النَّسائي). إذن يجب أن تتذكروا دوما أن الهدف المتوخى هو نيل رضا الله تعالى. وإن كان كلاهما يبتغي رضوان الله حصرا من هذا الإنفاق.


فالواجب الحقيقي على المؤمن هو أن يجعل قلبه خاضعا لأوامر الله ولنيل رضاه تعالى. ويجب أن يكون هدفه هو الحصول على رضا الله ففي ذلك يكمن فلاحه ونجاحه. وهذا هو المراد من تقديم الدين على الدنيا. لقد كلِّفنا، كما قلتُ من قبل، بأمور كثيرة، وما دمنا نتعهّد بالتضحية بالأرواح والمال والوقت والعزة فعلينا أن نفكر في ذلك بجدية دائما كيف يمكننا أن نسخّر قوانا ومواهبنا كلها للإيفاء بهذا العهد من أجل تقديم الدين على الدنيا.


يُعقَد اليوم اجتماعُ مجلس أنصار الله ومجلس شوراهم أيضا، فعليهم أن يفكروا ويدرسوا في شوراهم واجتماعهم كيف يمكنهم رفع مستوى إيثارهم الدين على الدنيا، ويجب أن يرفعوه، لأن "أنصار الله" يبلغون من العمر ما يحتّم عليهم أن يكونوا أسوة للآخرين. إن الله ليس بحاجة إلى أي شيء منا، بل إنه لمن عطائه ومنته أنه أمرنا بإيثار الدين على الدنيا، وذلك لنفوز برضوانه، وإلا فقد ضربت لكم مثال المال، فإنه تعالى غني عن أموالنا. إنه ليس بحاجة إلينا ولا إلى أحد غيرنا، فهو الذي خلق الأرض وما فيها من مناجم الذهب والفضة، ولو أراد لآتى خدام دينه كل هذا ووزّعه عليهم، ولكنه تعالى يخبرنا بأهدافنا ثم ينبهنا إلى تقديم التضحيات في سبيل تحقيقها، ذلك ليمنّ علينا برضوانه. ثم إنه لم يعطنا المال فقط، بل وهبنا الأولاد كذلك، وإنه أوجد الطرق لتربيتهم، ولكنه أمر الآباء بتربيتهم والإنفاق عليهم حسب وسعهم من أجل هدف نبيل وهو أن يكونوا من خدام الدين. إذن فإنها لمسئولية كبيرة على الآباء الأحمديين أن يربّوا أولادهم بحيث يكونوا خدام الدين، ولو فعلنا ذلك لوفّينا بعهدنا بأننا سنؤثر الدين على الدنيا.


علينا أن نربي أولادنا تربية تُشعرهم من الصغر بواجب إيثار الدين على الدنيا. فبإلقاء هذه المسئوليات على عواتقنا يختبرنا الله ويمنّ علينا كذلك.


وأود هنا أن أقول للمسئولين على كل الصعد خاصة أن عليهم أن يدركوا أن مسئوليتهم أكبر من غيرهم فيما يتعلق بالوفاء بعهدهم بإيثار الدين على الدنيا؛ لقد جُعلوا مسئولين لتحقيق هدف سام يتطلب منهم رفع مستوى تضحياتهم. وهذا الشعور سيجعل كل مسئول- بدءًا من أصغر مسئول إلى أكبر مسئول في الجماعة، وبدءًا من مسئول في حارة في مدينة إلى مسئول على صعيد المركز- أن يدرك حجم مسئوليته، فيسعى للوفاء بعهده هذا، ويجب أن يسعى لذلك. اعلموا أن الله تعالى ينظر إلى القلوب، ويبارك في الذين يتمنون العمل بإخلاص وأمنية صادقة عارمة، ويمنّ عليهم بقربه، وعلى كل مسئول في الجماعة بذل كل ما في وسعه للفوز بهذا المقام. أسأل الله تعالى أن يوفق كل مسئول بكل الصعد، وكذلك كل مسلم أحمدي، وإياي، أن ندرك أهمية عهدنا بإيثار الدين على الدنيا إدراكًا سليما، ثم نعمل للوفاء به.


هناك خبر مؤسف اليوم أيضا، فقد استُشهد أخ لنا في باكستان، وهو السيد لطيف عالَم بَتْ ابن السيد خورشيد عالم بت من مدينة "كامَرَه" بمحافظة "اَتَكْ"، حيث جاء مجهولان على دراجة نارية نحو الساعة السابعة ليلا في 15 أكتوبر وقاما باغتياله بإطلاق النار عليه. إنا لله وإنا إليه راجعون. أما تفاصيل حادث استشهاد الأخ لطيف عالم بت فهي كالآتي. كان الشهيد قد فتح مكتبةً بالقرب من بيته، وكان عائدا منها، ولما وصل إلى شارع بيته ناداه مِن خلفه مجهولان جاءا على دراجة نارية قائلين: سيد بَتْ! فاستدار إليهما فأطلق عليه أحدهما النار، فأصيب بأربع رصاصات في صدره، فأبلغ البعضُ ابنَه "ذيشان بت" خبر الحادث، فوصل إليه فورا، وجاء رجال الإسعاف أيضا وأخذوه إلى المستشفى الحكومي بمدينة "اتك" وهو واعٍ، ولكنه استُشهد في الطريق. إنا لله وإنا إليه راجعون.


كانت عائلة الشهيد لطيف عالم بت من سكان مدينة "كامَونكي" بمحافظة غوجرانواله. دخلت الأحمدية عائلته بواسطة والده السيد خورشيد عالم بت الذي وفقه الله تعالى للبيعة والانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1934. وُلد الشهيد في غوجرانواله في إبريل عام 1952، وبعد نجاحه في امتحان البكلوريا التحق بسلاح الجوّ في القوات الباكستانية، وتقاعد في عام 1991 من رتبة "كاربرل تنكنيشن" وكان عندها يعمل في قاعدة القوات الجوية بـ"كامره". علمًا أن ابن الشهيد "خرم بت" موظف في القوات الجوية الآن. بعد التقاعد فتَح الشهيد مكتبة يبيع فيه الكتب لاسيما الكتب القانونية وكان المحامون من مختلف المحاكم الباكستانية يشترون هذه الكتب من محله، إذ كان شهيرا بينهم وكانوا يثنون عليه كثيرا.


كان الشهيد وقت استشهاده يخدم الجماعة بمنصب ناظم الإشاعة في مجلس أنصار الله. وخدم من قبل سكرتيرا للضيافة، وناظمًا للصحة البدنية في مجلس خدام الأحمدية على صعيد المحافظة. ظل بيت الشهيد مركزا للجماعة لأداء الصلاة ولعقد الاجتماعات والجلسات فترة طويلة. كان الشهيد يظل جاهزا على الدوام لخدمة الجماعة وكان ينجز كل ما يعهد إليه على خير ما يرام، ولم يرفض أي خدمة طلبت منه أبدًا. كان مضيافا، ومحبًا بل عاشقا للخلافة، ومطيعا للغاية. إضافة إلى الصلوات الخمس، كان حريصا جدا على صلاة الجمعة، إذ كان يحضر المسجد قبل الجمعة بساعتين. كان شجاعا باسلا جدا. في عام 2007 أو 2008 حاول مجهولون اغتياله، وأطلقوا عليه النار ولكن الرصاصة انحشرت في المسدس، فتصدى للمهاجمين وقبض على أحدهم، ثم استمر الصراع العنيف بين الطرفين، فلاذ هذا المهاجم بالفرار أخيرا. كان الشهيد متحليا بأخلاق فاضلة وكانت له هيبة. كان شغوفا بتعليم الأولاد وتربيتهم. كان عمره عند الاستشهاد 62 عاما. كان قد ملأ استمارة الوصية، وكان المركز يقوم بإجراءات لقبولها. وأقول للمسئولين في مكتب الوصية أن يقبلوا وصيته إذ قد قبلتُ وصيته، وليكملوا الإجراءات الباقية بعدّه موصيا.


لقد كتب أمير الجماعة في محافظة الشهيد: كان المرحوم مفعما بعاطفة الطاعة للمسئولين ونظام الجماعة، وكان يحضر دائما شتى المناسبات والاجتماعات التي تعقد في الجماعة، ولم يغِب عن أي منها.


لقد ترك خلفه أرملته وبنتًا اسمها إرَم وسيم زوجة السيد سيد وسيم أحمد، وأربعة أبناء: خرم بت وهو الذي يعمل في سلاح الجو، وذيشان بت وكان يعمل مع والده بعد إكمال الدراسة، وعمر بت وهو يدرس الهندسة الالكترونية، علي بت وهو موظف.


كان السيد محمود مجيب أصغر أميرًا لمحافظة الشهيد في السابق، فقال: أقام الشهيد بعد تقاعده من القوات الجوية في "كامره" إقامة دائمة، وذلك لأنه رأى أنه ليس في "كامره" أحمديون محليون، بل الجماعة هناك متكونة من أحمديين يعملون في القوات الجوية ومعاملها ضباطا أو عاملين، ويأتون للعمل هناك لمدة ثم يرحلون، فبنى بيته هناك ليكون هناك مركز للصلاة وجماعة ثابتة.


أسأل الله تعالى أن يثمر نية الشهيد هذه ويعطينا هنالك آلاف الأحمديين، ويقيم هنالك جماعة ثابتة، جزاءً على استشهاده. آمين.


أسأل الله تعالى أن يرفع درجات الشهيد ويلهم ذويه الصبر والسلون والهمة. كما أسال الله تعالى أن يحفظ أبناء الجماعة في باكستان من كل شر. العدو يزداد عداءً باستمرار، ونسأل الله تعالى أن يهيئ الظروف لأمننا وسكينتنا هنالك عاجلا. آمين.

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

لا نفرق بين أحد منهم


لا نفرق بين أحد منهم








يختلط أحيانا كثيرة على بعض الإخوة موضوع التفريق بين الرسل عليهم السَلام، ولذلك كان لا بد من توضيح الأمر على ضوء الكتاب المنير. 

 

إن كافة الآيات التي تأمر بعدم التفريق بين الرسل تنحصر في  الإيمان بهم جميعا ولا تتحدث عن مقاماتهم الروحية، أي أن لا نؤمن بنبي دون غيره بل أن نؤمن بهم جميعا وأن الأصل هو الإيمان لا الكفر ما دام الله تعالى قد أرسل لكل أمة نبي. يقول تعالى :


وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ


 [الجزء: ١١ يونس (١٠) الآية: ٤٨]

 


إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ


 [الجزء: ٢٢ فاطر (٣٥) الآية: ٢٥]


وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ


 [الجزء: ١٤ النحل (١٦) الآية: ٣٧]


ولم يشترط ذكر أسماء وقصص الأنبياء جميعا في القرآن المجيد بل ورد ما فيه تشابه وعلاقة بالظروف والوقائع المحيطة بالإسلام الكامل. يقول تعالى:


وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا


 [الجزء: ٦ النساء (٤) الآية: ١٦٥]


فالله تعالى أكد في القرآن الكريم أن نعمة الرسالة والنبوة قد شملت أهل الأرض جميعا ولم تخل أمة من نذير. أما عن آيات عدم التفريق بين الرسل فهي كما قلنا تتحدث عن الإيمان بهم لا عن مقاماتهم ودرجاتهم عند الله تبارك وتعالى، ويمكن ملاحظة سياق الآيات الذي يبيّن أن مسألة التفريق بهم هي بالإيمان بهم جميعا وكما يلي:


قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ


 [الجزء: ١ البقرة (٢) الآية: ١٣٧]


آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ


 [الجزء: ٣ البقرة (٢) الآية: ٢٨٦]


قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ


 [الجزء: ٣ آل عمران (٣) الآية: ٨٥]


لقد شرح الله تبارك وتعالى قضية عدم التفريق بين الرسل وقرنها بالإيمان بشرح واضح لا ريب فيه :


إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚوَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا


 [الجزء: ٦ النساء (٤) الآية: ١٥٣-١٥١]


فالإيمان بهم يجب أن يكون بدون تفريق.

......


أما عن درجات الأنبياء ومقاماتهم فهم متفاوتون متفاضلون فيما بينهم. يقول تعالى :


تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ


 [الجزء: ٣ البقرة (٢) الآية: ٢٥٤]


وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا


 [الجزء: ١٥ الإسراء (١٧) الآية: ٥٦]


فالرسل عليهم السَلام ليسوا بنفس الدرجة عند الله وإنما هم مفضلون على بعضهم بما حملوا من شرائع، فكان بعض الرسل تابعين كهارون وعيسى واليسع لموسى عليهم السَلام ولذلك علينا نحن العباد الانصياع لأمر الله تعالى وبيانه بأن الرسل عليهم السَلام ليسوا بنفس الدرجة والتفضيل. لقد أرسل الله تعالى الرسل جميعا لأقوامهم فانحصرت دعوتهم بذلك في حيز زماني ومكاني محدد ولم تشمل البشر أجمعين، ولذلك لم تنزل الشرائع شاملة مشتملة على الكمالات كافة بل مؤقتة في إطار زمني معين. يقول تعالى:


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ


 [الجزء: ٢١ الروم (٣٠) الآية: ٤٨]


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ


 [الجزء: ١٢ هود (١١) الآية: ٢٦]


قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ


 [الجزء: ١٢ هود (١١) الآية: ٧١]


لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ


 [الجزء: ٨ الأعراف (٧) | الآية: ٦٠]


ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ


 [الجزء: ١١ يونس (١٠) الآية: ٧٥]


وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا


 [الجزء: ١٥ الإسراء (١٧) الآية: ٣]


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ


 [الجزء: ٢١ السجدة (٣٢) الآية: ٢٤]


لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ


 [الجزء: ٦ المائدة (٥) الآية: ٧١]


كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ


 [الجزء: ٤ آل عمران (٣) الآية: ٩٤]


وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم


 [الجزء: ٢٨ الصف (٦١) الآية: ٧]


وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ


 [الجزء: ٣ آل عمران (٣) الآية: ٥٠]


.....


فيثبت من أعلاه أن الرسل كانوا لأقوام محددين وانحصرت رسالاتهم في تلك الأمم وكانت تترى حسب الزمان والمكان، بينما رسالة المصطفى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هي للناس أجمعين. يقول تعالى :


وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ


 [الجزء: ٢٢ سبأ (٣٤) الآية: ٢٩]


ولقد ثبت من القرآن الكريم أن الشريعة الكاملة والأخيرة للناس لم تنزل إلا على سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وبها تمت النعمة -نعمة الرسالات- فاجتمعت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي وصفه الله تعالى بخاتم النبيين أي أفضلهم وأكملهم:


مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا


 [الجزء: ٢٢ الأحزاب (٣٣) الآية: ٤١]


فكان مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كالأب الروحي للأنبياء والناس أجمعين كما أنه لم يكن أبا ماديا لأحد، فختم الله به على صدق كل نبي ولم يعد ثمة من يعرف الأنبياء عَلَيْهِمْ السَلام إلا من خلال ختم النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وتصديقه. ولذلك ورد أن أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أيضا كالأمهات للمؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهُن : 


النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ


 [الجزء: ٢١ الأحزاب (٣٣) الآية: ٧]


لقد نسخ الله تعالى الشرائع كلها في القرآن الكريم فأزال منها ما انحصر في قالب سابق وأثبت ما كان يصلح للجميع. يقول تعالى:


مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ


 [الجزء: ١ البقرة (٢) الآية: ١٠٧]


وقد وردت الآية أعلاه في سياق الحديث عن اليهود وعدم رغبتهم أن يتنزل الخير (القرآن الكريم) على المسلمين، فكان رد الله تعالى بأنه جمع كمالات الرسالات كلها في القرآن المجيد باعتباره الشرع الأخير الكامل والتام للعالم كله. يقول تعالى :


الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ 


 [الجزء: ٦ المائدة (٥) الآية: ٤]


فالقرآن العظيم هو الكتاب الكامل لكل زمان ومكان.


ولذلك لن تجد بعد القرآن الكريم كتاب ولا بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نبي إلا من اتبع شرعه والتزم به حرفا وحركة وكان فيه من الفانين. 


وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 


مسلم لله

الاثنين، 6 أكتوبر 2014

الحويني و الجماعة الإسلامية الأحمدية


الحويني و الجماعة الإسلامية الأحمدية 










بـسـم الـلـه الـرحـمـن الـرحـيـم


اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وعلى عبدك المسيح الموعود


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في هذا الرابط يتهم الشيخ الحويني الجماعة الإسلامية الأحمدية وبالأخص القناة الثالثة بالمفاحشة ويتوعدهم بقطع الحلاقم والغلاصم وقطع الطريق عليهم للهرب ويتوعدهم بالبلايا المتلاطمة المتراكمة وأن مصيرهم السيف الصارم


والنص كما يلي مع معاني الكلمات:

"نحن لنا مع أهل البدع جولات نردّهم فيها إلى الحق الذي حادوا عنه بالحجج النيرات وواضح الدلالات، فإن أبوا إلا المهارشة و المناقشة و المواحشة و المفاحشة، فليصبروا على حد الغلاصم وقطع الحلاقم، ونكز الأراقم، ونهش الضراغم، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الطوارم. فو الله ما بارز أهل الحق قَرنٌ إلا كسروا قرنه فقرع من ندمٍ سنه، ولاناجزهم خصمٌ إلابشروه بسوء منقلبه، وسدوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا صافحهم أحد ولو كان مثل خطباء إياس إلا صفحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل ولو كان من بقية قوم عاد إلا كبوه على وجهه وبطحوه هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعا، وشربوا كئوسها تطوعا، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يَهُلهُم أمر مُخُوف، وأنا أعلم أن الحق مرٌ تحملاً وأداءً ولكن الله -عز وجل- أوجب على أهل العلم لتبينّنه للناس ولا تكتمونه وأمرهم كما قلت أن يصرحوا به ولا يجمجموا ، وجعل عاقبة ذلك رضاه فاللهم ارض عنا وأيدنا بنصرك الذى وعدت به من استقام على أمرك والله تعالى أسأل أن يهدى من ضل من أبناء المسلمين." انتهى


معاني الكلمات

المهارشة = المقاتلة، والتهريش هو التحريش والتقاتل.
 المناقشة = الاستقصاء / المحاسبة / المجادلة.
 المواحشة و المفاحشة = الأسلوب الفظ الغليظ / المباذأة.
 الغلاصم والحلاقم = مخرج النفس وموضع الذبح والغَلْصَمةُ اللَّحم الذي بين الرأْس والعُنُق وقيل مُتَّصَلُ الحلقوم بالحلق.
 نكز الأراقم = لسعات الأفاعي والحيات.
 نهش الضراغم = الضرغام هو الأسد.
 متون الطوارم =  الصواب صــــــــــــــوارم وليس طــــــــــــــوارم 
والصوارم هي السيوف.
 الكماة = مفردها كمى وهي من الستر والقم، وكمى نفسه أي سترها.
 المنايا = الموت، فمفردها كما تعلم المَنيَّة.
وتشكيل (أمرَ مُخُوف) خطأ والصواب = أمرٌ مَخُوف. 

.....................................................................................

وهذا الرابط هو خبر قطع ساق الشيخ الحويني عام 2012م أي بعد أربع سنوات فقط من وعيده الجماعة الإسلامية الأحمدية وقناتهم MTA3 (ناقة الله) بقطع الحلاقم والغلاصم وقطع الطريق والقطع بالسيف الصارم أو الطارم -انتبه الى (قطـع) كما أنه منع من الخطابة في سائر البلاد وهو مهدد بالسجن إذا خطب في أي شارع أو زاوية !

ولنقتبس قول الشيخ الحويني "فليصبروا  على حد الغلاصم وقطع الحلاقم.. والبلاء المتراكم المتلاطم.. فو الله ما بارز أهل الحق قَرنٌ إلا كسروا قرنه فقرع من ندمٍ سنه، ولاناجزهم خصمٌ إلابشروه بسوء منقلبه.."

فمن الذي قطعه الله ومن الذي كان السوء منقلبه يا شيخنا الجليل !

لقد استجاب الله دعائك شيخنا الكريم الذي قلت فيه "فاللهم ارض عنا وأيدنا بنصرك الذى وعدت به من استقام على أمرك والله تعالى أسأل أن يهدى من ضل من أبناء المسلمين."، فقد رَضِيَ الله وأيّد ونصر الذي استقام على أمره وقد عُرف من هو وظهر أمام الناس أجمعين والحمد لله رب العالمين.  

نحن نأسف لما جرى للشيخ الجليل الحويني ونسأل الله تعالى أن ينير بصيرته ويردّه الى دينه ردّاً جميلا اللهم آمين

وسلامات شيخنا الفاضل

اخوانك واخواتك وأبناءك من الجماعة الإسلامية الأحمدية
السبت، 4 أكتوبر 2014

شبهة الحمر الأهلية

شبهة الحمر الأهلية 






يثير الخصوم شبهة بأن حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قد حلل أكل لحوم الحمر الأهلية التي حرمها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بإجماع الأمة وذلك حسب نص من كتاب إزالة الأوهام صفحة ١٣٧ بينما كان سياق حديث المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لمن أراد العودة إليه هو في تفنيد العقيدة الصليبية وقيام المسيح كما يتصور المشايخ بقتل الخنازير على وجه الحقيقة لا مجازا ويضرب على ذلك أمثلة تجعل من هذا التصور عبثا لا يليق بمقام نبي كعيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام، فوصف المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الغزلان والحمر الأهلية بالطيب مقارنة بـ نجاسة الخنزير الذي يصر النصارى على أكله وهو دليل أن المسيح المتصور في ذهن المشايخ لا يجوز له مخالفة التوراة التي تحرم حتى لمس الخنزير ما بالك بـ اصطياده. فالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يحرّم ولم يحلل بل تكلم عن صيد عيسى المزعوم للخنازير واقترح على المشايخ صيد الغزلان أو الحمر الاهلية فهو أطيب من الخنازير.

أما الرد على ذلك فيكون أولاً من كتاب الله تعالى، والسؤال الذي نطرحه ؛ هل في كتاب الله تعالى آية تحرم أكل لحوم الحمر الأهلية ؟

بالطبع لا توجد آية تحرم أكل لحوم الحمر الأهلية وهذا باعتراف الخصوم أنفسهم. إذاً، فلا أصل لهذا التحريم في كتاب الله العزيز، ولا يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بما لا أصل له في القرآن الكريم.

لقد تم ذكر المحرمات حصرا في [سورة الأنعام 145] ولا تجد فيه ذكر الحمر الأهلية :
 
 {  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) [البقرة/173] }


 ثانياً، لم تقطع السنة النبوية بحرمة لحوم الحمر الأهلية بل اختلف العلماء حول نهي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما في حديث البخاري عن أكل الحمر بعد أن تم طهيها في القدور، فمنهم من رأى أن النبي ﷺ حرمها من أجل خوف قلة الظهر وهذا تسنده الآية من سورة النحل {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} فيثبت سبب التحريم من ذلك لانعدام وسيلة الركوب, ومنهم من رأى حرمتها لأنها لم تخمس أو لأنها جوالة القرية، أي جلالة تأكل النجاسات. [انظر صحيح البخاري (3155)، وصحيح مسلم (1937)، وسنن أبي داود (3809)، ومعجم الطبراني (12226)]. وهكذا لم يتفق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على حرمتها ولا يمكن أن يختلف الصحابة على مسألة قطعية. عموما، نجد الجواب كالتالي :

".. وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية مختلف في تأويله على أربعة أقوال : 

الأول : أنها محرمة كما قالوا . 

الثاني : أنها حرمت بعلة { أن جائيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : فنيت الحمر . فنيت [ ص: 292 ] الحمر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ينادى بتحريمها } لعلة من خوف الفناء عليها ; فإذا كثرت ولم يضر فقدها بالحمولة جاز أكلها ; فإن الحكم يزول بزوال العلة . 

الثالث : أنها حرمت لأنها طبخت قبل القسمة . 

الرابع : أنها حرمت لأنها كانت جلالة خرجه أبو داود . وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل جلالة البقر } . وهذا بديع في وجه الاحتجاج بها.

وكذلك ما روي عنه في كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير إنما ورد في المسند الصحيح بقوله نهى ، ويحتمل ذلك النهي التحريم ، ويحتمل الكراهية ، مع اختلاف أحوال السباع في الافتراس . ألا ترى إلى الكلب والهر والضبع فإنها سباع ، وقد وقع الأنس بالهر مطلقا وببعض الكلاب ، وجاء الحديث عن جابر أن الضبع صيد ، وفيها كبش . 

ولسنا نمنع أن يضاف إليها بالسنة ما صح سنده ، وتبين مورده ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفسا بغير نفس } . وهذا كله على أن مورد الآية [ ص: 293 ] مجهول . فأما إذا تبينا أن موردها يوم عرفة فلا يحرم إلا ما فيها ، وإليه أميل ، وبه أقول . 

قال عمرو بن دينار : قلت لجابر بن زيد : إنهم يزعمون أن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية } . قال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري ، ولكن أبى ذلك الحبر يعني ابن عباس ، وقرأ : { قل لا أجد فيما أوحي } الآية ، وكذلك يروى عن عائشة مثله . وقرأت الآية كما قرأها ابن عباس ." أهـ 

(أحكام القرآن لابن العربي» سورة الأنعام فيها ثمان عشرة آية» الآية الثالثة عشرة قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما » مسألة المحرمات على ثلاثة أقسام مطعومات ومنكوحات وملبوسات)

والآية التي تلاها ترجمان القرآن وحبر الأمة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هي من قوله تعالى:

"قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير.." [الأنعام: 145]

والحديث من صحيح البخاري :

"روى عمرو: قلت لجابر بن زيد: "يزعم الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل لحم الحمر، ولكن الحبر ابن عباس رفض أن يفتي في ذلك, وتلا: "قل لا أجد فيما أوحي إلي".".

كذلك ورد عن الإمام مالك أنه لا يقول بحرمتها بل بكراهيتها واختُلف في ذلك.

ما روي عن ابن عباس [هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي حبر الأمة الصحابي الجليل ـ توفي سنة 68هـ بالطائف/الأعلام ص228 ج4.] أنه كان يقول بظاهر قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير} [الأنعام آية (145).] وتلاها ابن عباس وقال ما خلا هذا فهو حلال [المغني مع الشرح الكبير ص65 ج11 وانظر شرح النووي على صحيح ومسلم ص91 ج13 وصحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ص654ـ655 ج9.] ـ فهذا حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس يفهم من الآية الكريمة عدم تحريم الحمر الأهلية.

كذلك ما جاء في حديث غالب بن أبجر من قوله: (أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر فأتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، وقد أصابتنا سنة. قال: (أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية). [رواه أبو داود]

ورد في عمدة الأحكام للمقدسي رحمه الله:

٣٨٦ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: ((أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ , فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ: وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ , فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ: نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ , وَرُبَّمَا قَالَ: وَلا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئاً)) .

(عمدة الأحكام، عبد الغنى المقدسي المتوفى سنة ٦٠٠ هـ، ج ١، ص ٢٦١)

أي أن التحريم ليس مؤكدا عند الجميع.

بناء على ذلك فإن الحمر الأهلية ما حرمت إلا لنفوقها والشاهد على ذلك اختلاف الصحابة حول حرمتها ومنهم ابن عباس الذي أكد على كونها حلالا، ولا اختلاف في الحرام عند جمهور الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، كما أن ما ورد عن تراجع ابن عباس لا يقوى سنده على ما جاء في صحيح البخاري ويدعمه استشهاد  ابن دينار وجابر بن زيد بحديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ والعلة واضحة من سبب التحريم لقول الله تعالى (لتركبوها) أي أنها مخصصة للركوب ولم يحرم لحمها في نص التحريم المعروف بالإضافة النداء لرسول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فنيت فنيت أي أن العلة قد ظهرت من التحريم وهو فناء ما يحتاجه الناس لركوبهم ونقل متاعهم.     

أما الذين يحتجون بكونه رجس فالآية تتحدث عن الخنزير لا غيره كما أن الحديث الذي يستشهدون به نفسه يرد عليهم:

" وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ, أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا طَلْحَةَ, فَنَادَى: [ص: ١٣] «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ [الْأَهْلِيَّةِ] , فَإِنَّهَا رِجْسٌ».".

(صحيح. رواه البخاري (٢٩٩١)، ومسلم (١٩٤٠) من طريق محمد بن سيرين، عن أنس به. وزاد مسلم: «من عمل الشيطان».) (أورده كذلك ابن حجر العسقلاني المتوفى: ٨٥٢هـ في كتابه "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" جزء ١، صفحة ١٢)

لاحظ الزيادة من صحيح مسلم «من عمل الشيطان» وهو دليل أن المقصود به أكل اللحوم لا اللحوم ذاتها فاللحوم من عمل وصنع الله تعالى لا الشيطان وإنما المراد هنا هو الأكل الذي نهى عَنْهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حيث لا يشترط أن يكون كل حلال طيب والدليل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد، قال: "لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة الثوم والناس جياع، فأكلنا منها أكلا شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا، فلا يقربنا في المسجد، فقال الناس: حرمت، حرمت، فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها." أهـ

وهذا دليل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يحرم ما لم يرد فيه نص بالتحريم في القرآن الكريم إنما لكل مقال مقام ولكل حادث مناسبة وإلا لكان النهي عن الثوم ووصفه بـ الخبيث تحريم ثابت حيث يقول الله تعالى "ويحرم عليهم الخبائث" والخبيث من الأكل أقوى للاستدلال على التحريم من الرجس لورود نص صريح في ذلك بينما نجد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نفى أن يكون قد حرم ما لم يحرمه الله بنص صريح في كتابه العزيز. وهكذا فليس كل حلال طيبا فمن الحلال ما تعافه النفس كما حدث عند دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم للأكل من لحم الضب فرفع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يده وبيّن كرهه لهذا الأكل مع أن لحم الضب ليس حراما ولا يقول بحرمته أحد. ولكننا تأدبا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نقتفي أثره وسنته ليقيننا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رسول الله ورسالته القرآن الكريم كاملة لا يزيد عَلَيْهِٰا ولا ينقص.
 
فالخلاصة هي أن المخالفين أساؤوا فهم الحديث ومناسبته كما هي عادتهم لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يحرم ما لم يحرمه الله تعالى في القرآن الكريم الذي ما فرط فيه من شيء و فيه تبيان كل شيء.


وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 
عربي باي