الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الأحد، 8 فبراير 2015

ولادة المسيح عَلَيهِ السَلام

ولادة المسيح عَلَيهِ السَلام 








يقول ﷻ :


﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾


آل عمران الآية: ٣٦-٣٧


عند التدبر في الآية أعلاه تبرز مسألة محيرة وهي أن الله تعالى لم يؤكد بأن امرأة عمران فعلاً قد أنجبت أنثى عند ولادتها لمريم عَلَيْهِٰا السَلام. فما هو تفسير هذه العبارة الغامضة - وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ؟


إن ظاهرة الولادة العذرية لا زالت قيد البحث العلمي في العصر الحديث، وتوجد آليتان في علم الحياة تشكل محوراً رئيسياً للدراسات الجارية.


أولا، يُعد التوالد العذري عملية بيولوجية شائعة في الحشرات والأسماك، حيث يتم تطوير البويضة إلى كائن بيولوجي جديد دون تدخل من حيوان منوي حيوي. وقد تم رصد وتوثيق التوالد العذري التلقائي في البويضات البشرية ولكن بنسبة قليلة بل تكاد تكون نادرة للغاية (1) والتوالد العذري البشري حتى الآن لم يتقدم إلا لمرحلة انقسام الخلايا الكيسي فقط (2). إن التقدم البيولوجي يبقى غير مكتملاً لأن خلية البويضة الإنسانية تفتقد للجسيم المركزي النشط عند تفعيلها من خلال التوالد العذري، ولكون المعلومات الوراثية الأساسية غير قادرة على الوصول إلى العضو الخامل وذلك نظراً لحاجتها إلى ختم الأم (3). وعلاوة على ذلك، فحتى من الناحية النظرية، فإن التوالد العذري في الثدييات ينحصر فقط في إنتاج الإناث بكروموسومات XX، وبالتالي لا يمكن افتراض ذلك بالنسبة لولادة عيسى عَلَيهِ السَلام (4).


ثانيا والأكثر إقناعاً هو آلية Hermaphroditism أي حالة اجتماع خصائص الذكورية والأنثوية في الأم والتي يمكن أن تفسر الولادة العذرية للسيد المسيح عَلَيهِ السَلام. وهي حالة خلقية تمتلك بموجبها الأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية معاً خصائص ذكرية وإنثوية. و توجد أنسجة الإنجاب الخاصة بالمبيض والخصية معاً في الأم الجامعة للخصائص الذكورية والأنثوية، ولا يزال فهم هذه الحالة أمراً غير واضح إلى اليوم. لقد تمكن العلماء في عام ١٩٩٠ من رصد أرنبة خنثى صحيحة وَلَدَت فعلاً في حالة من العزلة التامة وفي ظروف مختبرية (5). كما تم كذلك تأكيد التوالد الذاتي في الخنثويين من البشر.


إذا كان التوالد الذاتي عند بعض البشر الخنثويين ممكناً مع التدخل الطبي، فالسؤال الذي ينشأ هنا هو:" هل من الممكن أن يحدث هذا الإنجاب الذاتي -مع ندرته- بدون التدخل الطبي ؟ . لقد وثقت مختلف الثقافات والأديان ولادات عذرية ذاتية وبات ذلك مذكوراً في العديد من السجلات وكتب التاريخ. (6) (7)


من الممكن أن يكون القرآن الكريم قد أشار فعلاً إلى مثل هذه الحالة البيولوجية للأم الجامعة للخصائص الذكورية والأنثوية عندما قال تعالى: "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ  وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ". ومن جمال البيان القرآني، أن ذَكَرَ اللهُ سبحانه بهذا التعبير الموجز المواصفات الأنثوية-الذكورية للسيدة مريم عَلَيْها السَلام. وهنا يظهر الفارق البلاغي عظيماً بين القرآن الكريم والكتب الدينية المقدسة الأخرى. إنها لمعجزة حقا أن يشار إلى هذه الظاهرة البيولوجية المعقدة وغير المفهومة بشكل تام حتى يومنا هذا وذلك في زمن غاية من الجهل وعدم المعرفة ومكان خال تماماً من العلم أي في القرن السابع الميلادي وبالتحديد في الجزيرة العربية.


إن المعجزات في الإسلام ليست حوادث غير طبيعية بل هي ظواهر طبيعية محجوبة عن المعرفة البشرية في أوقات محددة. وإلا فإن الحكمة الإلهية سوف تصبح محل شكٍ عند البشر. فإذا كان الله تعالى هو الذي خلق السنن والقوانين فمن الحكمة أن يوِجد الله ﷻ الحلول ضمن هذه السنن دون الحاجة لخرقها. الحقيقة هي أننا لسنا نحيط بالسنن والقوانين الإلهية كلها.   


يظن الإنسان إذا ما أظهر الله تعالى حالة خاصة في وقت ما فقد خرق بذلك قانون وسنّة الوجود. ولكن هذا الظن ليس بصحيح بل هذا القانون والسنّة في حيز الوجود ولكنه خفي عن المعرفة ولم يظهر إلا بأمر من الله ﷻ.


 مع تقدمنا في فهم ومعرفة الكون من حولنا والقوانين والسنن التي تحكمه فنحن نزداد تقوى وتقدير لخلق الله تعالى وصنعه العظيم وكتابه القرآن المجيد. نسأل الله تعالى أن يفتح بصائرنا وينير دربنا ويعلمنا حقائق الأشياء.


اللّهُمّ آمين 


وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 


مسلم لله        


______________

المراجع:

1-
(Araki Y, Yoshizawa M,Yoshida A,Sang-Yong Kim, Motoyama M, Araki S. Spontaneous Parthenogenesis in Human Oocytes. J. Mamm. Ova Res. 1996; 13:115-7.)

2-
(Lin H, Lei J,Wininger D, Nguyen M, Khanna R, Hartmann C, Yan W, Huang SC. Multilineage Potential of Homozygous Stem Cells Derived from Metaphase II Oocytes. Stem Cells. 2003; 21:152-161.).

3-
(Johnson MH, Everitt BJ. Essential reproduction . 5th ed. Oxford: Blackwell Science; 2000; p.169.).

4-
(Cohen P. Like a Virgin. New Scientist 1998; 160 (2165): 36).

5-
(Frankenhuis MT, Smith-Buijs CM, de Boer LE, Kloosterboer JW. A case of combined hermaphroditism and autofertilisation in a domestic rabbit. Veterinary Record. 1990; 126 (24): 598-9.).

6-
(Schulman JD, Sherins RJ. Auto Reproduction by hermaphrodites . Human Reprod. 1995; 10 (3): 500-1).


7- كما يلي :

أ- كريشنا . حسب كتاب البورانا الهندوسي المقدس ولد بدون تدخل والد وكان هدية الإله للعذراء ديفاكي.

(Boslooper, Thomas, The Virgin Birth, The Westminster Press, Library of Congress Catalog Card No. 62-7941)


ب- بوذا . ذكرت الكتب البوذية المقدسة بأنه ولد بدون تدخل أب أيضا.

(Hinduism by Williams, pp 82 and 108)

(Davids, T. W. Rhys, Dialogues of the Buddha, Part II, Sacred Books of the Buddhists, Vol. III (1910), p. 


ج- زرادشت . تذكر المصادر الزرادشتية بأنه ولد بدون تدخل أب وأن أمه دوغدوفا قد ولدته وهي عذراء.

(Egyptian mythology, Lorenz, London, 2000)


ح- چي المنبوذ / الذي صار يُدعى لاحقاً بـ هو جي أو إله الزراعة . تذكر الكتب المقدسة الصينية بأن أمه جيانغ يوان حملت به بمعجزة.

(Encyclopedia Britannica. "Hou Ji")


د- قوطزلكتل . تؤكد الكتب المقدسة للأزتيك بأنه ولد من عذراء.

(J. B. Bierlein, Living Myths. How Myth Gives Meaning to Human Experience, Ballantine Books, 1999)


ز- أما الديانات اليابانية فهي تذكر الولادة العجيبة بشكل عادي متكرر في عدد من الروايات كتلك التي تتعلق بـ موموتارو و كنتارو وغيرهم.

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي