الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الخميس، 27 مارس 2014

معنى الإحياء في القرآن الكريم وفهم الصحابة وسلف الأمة

معنى الإحياء في القرآن الكريم وفهم الصحابة وسلف الأمة




معنى الإحياء في القرآن الكريم وفهم الصحابة وسلف الأمة


يقول تعالى :

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}

 [٥ - المائدة | الآية: ٣٣]

ورد في تفسير ابن كثير للإحياء في الآية : "وقال مجاهد في رواية {ومن أحياها} أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة." أ.هـ

أي أن الإحياء المناط بالأنبياء والبشر فيما بينهم هو الإحياء الروحاني والمعنوي ودفع الخطر لا الإحياء المادي الذي يختص به الله تعالى وحده.

كما أن الآية لا تنحصر في بني اسرائيل كما يظن البعض بل تنطبق على المسلمين من باب أولى، نقرأ في تفسير ابن كثير : "وقال الحسن وقتادة في قوله: أنه {من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً} هذا تعظيم لتعاطي القتل. قال قتادة عظيم واللّه وزرها، وعظيم واللّه أجرها. وقال ابن المبارك عن سليمان الربعي قال، قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: أي والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على اللّه من دمائنا." أ.هـ

فيتبين مما سلف أن الآية شاملة وكان فهم الصحابة لها أن المعنى هو منع الهلكة عن العباد وهو أمر معنوي وليس الإحياء من الموت المادي. مما يدعم ذلك المعنى تفسير النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) نفسه للإحياء بأنه إحياء الذات :  

"وقال ألإمام أحمد: جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول اللّه اجعلني على شيء أعيش به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها" قال: بل نفس أحييها، قال: "عليك بنفسك"." (من تفسير ابن كثير)


و يقول تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

 [٨ - الأنفال | الآية: ٢٥]


ولنفهم الإحياء هنا أيضا نقرأ من نفس التفسير ما يلي :

"قال البخاري: {استجيبوا} أجيبوا {لما يحييكم} لما يصلحكم" (ابن كثير للآية من الأنفال) 


ويدعم المفسر ما ذهب إليه بحديث للنبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) كما يأتي :

"عن أبي سعيد بن المعلى رضي اللّه عنه قال: كنت أصلي فمر بي النبي صلى اللّه عليه وسلم فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: "ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل اللّه: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج"، فذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخرج فذكرت له. فقال: {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني." أ.هـ

أي أن الإحياء من الرسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) هنا هو الإحياء الروحاني كما فسره بنفسه (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام). 


ويسوق صاحب التفسير أقوال الصحابة كذلك حول فهم الإحياء الذي يأتي به الرسل للناس :

"وقال مجاهد {لما يحييكم} قال: للحق، وقال قتادة {لما يحييكم} هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة؛ وقال السدي: {لما يحييكم} ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر، وقوله تعالى: {واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه}، قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان (وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وعطية ومقاتل وفي رواية عن مجاهد (يحول بين المرء وقلبه) أي حتى يتركه لا يعقل)" (نفس المصدر)

يتضح مما تقدم أن الإحياء المقصود بين البشر إنما هو الإحياء الروحاني لا المادي الذي هو من صفات الله تعالى وحده. وهذا هو دور الرسل جميعا عليهم السلام وعلى رأسهم خاتمهم محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) الذي فسر بنفسه معنى الإحياء بين البشر، فلماذا يصر الحَرفيون على أن خلق وإحياء عيسى عَلَيْهِ السلام للناس والطيور كان خارج هذا الإحياء والخلق الروحاني ؟
   

يقول المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) حول مسألة الخلق والإحياء النبوي في القرآن الكريم : 

"وقالوا إن المسيح منفرد ببعض صفاته، وما وُجد فيه من كمال وجلال وعظمة فهو لا يوجد في غيره. إنه كان على أعلى مراتب العصمة، ما مسَّه الشيطان عند تولُّده، ومسَّ غيرَه من الأنبياء كلّهم، ولا شريك له في هذه الصفة حتى خاتم النبيين.

وقالوا إنه كان خالق الطيور كخلق الله تعالى، وجعله الله شريكه بإذنه، والطيور التي توجد في هذا العالم تنحصر في القسمين: خَلْق الله وخَلْق المسيح. فانظر كيف جعلوا ابن مريم من الخالقين. ويُشيعون في الناس هذه العقائد ولا يدرون ما فيها من البلايا والمنايا، ويؤيدون المتنصرين. وهلك بها إلى الآن ألوف من الناس ودخلوا في الملّة النصرانية بعدما كانوا مسلمين.

وما كان في القرآن ذكرُ خَلْقه على الوجه الحقيقي، وما قال الله تعالى عند ذكر هذه القصة: فيصير حيًّا بإذن الله، بل قال: {فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ}، فانظروا لفظ {فيَكُونُ} ولفظ {طَيْرًا}، لِمَ اختارهما العليم الحكيم وترك لفظ "يصير" و "حيًّا"؟ فثبت من ههنا أن الله ما أراد ههنا خلقًا حقيقيا كخلقه - عز وجل -. ويؤيده ما جاء في كتب التفسير من بعض الصحابة أن طير عيسى ما كان يطير إلا أمام أعين الناس، فإذا غاب سقط على الأرض ورجع إلى أصله كعصا موسى، وكذلك كان إحياء عيسى، فأين الحياة الحقيقي؟ فلأجل ذلك اختار الله تعالى في هذا المقام ألفاظًا تناسب الاستعارات ليشير إلى الإعجاز الذي بلغ إلى حدّ المجاز، وذكر مجازًا ليُبيّن إعجازًا، فحمله الجاهلون المستعجلون على الحقيقة، وسلكوه مسلكَ خَلْق الله مِن غير تفاوت، مع أنه كان مِن نفخ المسيح وتأثير روحه مِن غير مقارنته دعاء، فهلكوا وأهلكوا كثيرا من الجاهلين.

... والعجب منهم ومن عقلهم أنهم يرون بأعينهم أن كلماتهم الباطلة المضلّة قد أضرّت الإسلام إضرارًا عظيما، والناس باستماعها يخرجون من دين الله أفواجا ويلتحقون بالنصارى بما سمعوا من صفات المسيح وعصمته الخاصة وخلوده إلى هذا الوقت، وقدرته الكاملة في الخَلق والإحياء على قدرٍ ما وُجِدَ مثله في أحد من النبيين. ويشاهدون - هذه العلماء - هذه المفاسد كلها ثم لا يتنبهون، ولا يرتجف فؤادهم، ولا تذوب أكبادهم، ولا يأخذهم رحم ورقّة على أمّة النبي. ونبكي عليهم ونصرخ صرخة متموّجة، فلا يسمع أحد بكاءنا ولا صراخنا، بل يُكفّروننا مغتاظين.

وإنما مثلنا في هذه الأيام .. أيامِ غربة الإسلام .. كمثل خابط في واد في الليلة المظلمة، أو صارخ في اللظى المضرمة، فلا نجد مُغيثًا من قومنا إلا الواحد الذي هو رب العالمين. وإنا يئسنا منهم غاية اليأس كأنّا وضعناهم في قبورهم. قلنا مرارًا فما سمعوا، وأيقظنا إنذارًا فما استيقظوا، وخضعنا أطوارًا فما خضعوا، فقلنا اخسأوا خسئًا .. إن الله غني عنكم ولا يعبأ بكم، وسيأتي بقوم ينصرون دينه ويحبّون الصادقين." انتهى (من كتاب نور الحق)

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 


0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي