الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الاثنين، 28 يوليو 2014

الجزية.. على مَن تُفرض، ولماذا


الجزية.. على مَن تُفرض، ولماذا




لماذا خيّرت داعش مسيحيي الموصل بين اعتناق الإسلام وبين دفع الجزية وبين القتل أو النزوح؟

لأن كليات الشريعة تدرِّس طلَبتها قول ابن باز: "كان عدمُ الإكراه في الدين قبل أن يَشرع اللهُ سبحانه الجهادَ بالسيف لجميع المشركين، إلا مَن بذل الجزية مِن أهل الكتاب والمجوس... فرفَع سبحانه عن أهل الكتاب القتالَ إذا أعطوا الجزية والتزموا الصغار... فالواجبُ إكراهُ الكفار على الإسلام، حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الكتاب والمجوس الذين خُصُّوا بقبول الجزية والكف عن قتالهم إذا بذلوها لأسباب اقتضت ذلك، وفي إلزامهم بالجزية إذلال وصغار لهم، وإعانة للمسلمين على جهادهم".

ولأنّ القرضاوي "حاول أن يكحلها فقلع عينها" حين قال: "فرَض الإسلام على غير المسلمين أن يُسهموا في نفقات الدفاع والحماية للوطن عن طريق ما عرف في المصطلح الإسلامي بالجزية، فهي في الحقيقة بدل مالي عن الخدمة العسكرية المفروضة على المسلمين".. فقوله هذا يتضمن أنّه ما دام مسيحيو الموصل لا يساهمون في القتال مع داعش فوجَب عليهم دفع الجزية لها. أما المسلمون الذين لم يشتركوا فلا شيء عليهم.

ولكن، ما هي حقيقة الجزية وما أدلتها؟

الجزية وردت في آية قرآنية وفي حديث نبوي، وهي في كلا الموضعين دليل هام على رحمة الإسلام بخلق الله، وجنوحه نحو عدم سفك دماء حتى المعتدين المهزومين.

أما الآية فقوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللـه وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللـه وَرَسُولـه وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(التوبة: 29)، فهذه الآية تحضّ على قتال فئة شريرة معتدية من أهل الكتاب، والذين من مواصفاتهم أنهم لا يؤمنون بالله، ولا يحرمون الغدر والجرائم كلها، ولا يلتزمون بأي عهد.. فتحريمُ ما حرّم الله ورسوله تعني الالتزام بالمواثيق، فهم لا يضعون في بالهم أي حرمة لهذه المواثيق والعهود.

أما "وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ" فلا تعني أنهم غير معتنقين للإسلام، فالدين هنا تعني العهد والميثاق، فالنص هنا يعني أنهم لا يأبهون بأي قيمة ولا خُلق ولا يلتزمون بأي معاهدة ويحترفون قطع الطرق.. فهي تأكيد على العبارة السابقة في وصفهم أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله.

فالمهم هو أنْ لا تقاتلوا هؤلاء حتى تفنوهم، بل إنّ عليكم أن توقفوا الحرب معهم إذا وافقوا على الخضوع لكم، والذي علامته دفع الجزية. فإذا وافقوا على الخضوع لكم بعد ممارستهم الغدر وتوابعه، فإياكم أن يكون غرضكم استئصالهم أو التمثيل بهم أو الانتقام منهم. فملخص الآية: إياكم أن تقاتلوا هؤلاء القطّاعَ القتلةَ انتقامًا أو إفناء أو استئصالا، بل إخضاعًا.

ولمزيد من فهم هذه الآية نقارنها بالنصين التاليين من الكتاب المقدس:

هكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. 3فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا» (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 15 : 2-3)

وَأَرْسَلَكَ الرَّبُّ فِي طَرِيق وَقَالَ: اذْهَبْ وَحَرِّمِ الْخُطَاةَ عَمَالِيقَ وَحَارِبْهُمْ حَتَّى يَفْنَوْا؟ (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 15 : 18)

وبهذه المقارنة سيكون هدف الآية واضحا في أنه أمرٌ ببذل أقصى الجهود لمنع القتل واستتباب الأمن.

وأما الحديث النبوي الذي يستدلون به فهو عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ... فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. (مسلم)

هذا الحديث خاص بالمعتدين، أيًّا كان دينهم، وهذا واضح من عبارة: " وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِن الْمُشْرِكِينَ"، فهل الذين قال الله عنهم {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} هم من أعدائنا؟ كلا، بل عدونا هو مَن أعلن الحرب ضدنا أو اعتدى علينا أو نقض معاهدته معنا.

فلا يجوز لنا أن نستأصل المعتدين أو أن نفتك بهم، بل علينا أن نعرض عليهم الإسلام قبل قتالنا الدفاعي، فإن أسلموا فقد عُفي عنهم وعن عدوانهم السابق، وإذا أبَوا الإسلام فنكتفي منهم بأن يعلنوا خضوعهم لنا ودفعهم الجزية علامةً على هذا الخضوع، فإن أبوا فلا بد من قتالهم حتى كسر شوكتهم من أجل استتباب الأمن الذي تسببوا في العبث به بعدوانهم. فالحديث خطوة متقدمة جدا في حقن دماء المعتدين.

لماذا تُدفع الجزية من المعتدين المهزومين؟

الجزية هي ضريبة يدفعها المعتدون بعد استسلامهم وخضوع كيانهم تحت رعاية المسلمين. وهي ليست بدَلَ قتلِهم، ولا عقوبةً على كفرهم، ولا بدَلَ حمايتهم، ولا بدل سكنى "دار الإسلام"، ولا بدل عدم مشاركتهم في القتال، ولا هي مقابل الزكاة، بل هي علامة على خضوع المعتدين وقبولهم بالحُكم الجديد واستسلامهم وتعهدهم بعدم العودة للقتال الماجن.

الجزية غير محددة في قيمتها، فقد تكون صفرا من المال، بل إن الفقراء من الخاضعين يُعطَون من الحاكم المسلم ما يغنيهم عن السؤال، لذا لو أخضع المسلمون كيانا من قطاع الطرق الفقراء فعلى المسلمين أن يكفوهم المؤونة، لذا فالمسألةُ ليست جبايةَ أموال النصارى، بل تركيز على حقن دماء الجميع، حتى المعتدين.


هاني طاهر 24-7-2014

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي