الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

السبت، 27 فبراير 2016

الخيل و سليمان و صلاة العصر من التفسير الكبير للجماعة الإسلامية الأحمدية

من نفحات تفسير المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مقارنة بالتفسير التقليدي 

 

تقديم الأستاذ هاني طاهر

 

سليمان و الخيل و صلاة العصر

 

 

يقول الله تعالى:

 

﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ   إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ   فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ   رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ   قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ     فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ   وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ   وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ   هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ     وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ (ص 32-42)

 

جاء في تفسير الجلالين: 

 

{إِذْ عُرِضَ عليه بالعشي} هو ما بعد الزوال {الصافنات} الخيل: جمع صافنة، وهي القائمة على ثلاث وإقامة الأخرى على طرف الحافر، وهو من صفن يصفن صفونا. {الجياد} جمع جواد وهو السابق: المعنى أنها إذا استوقفت سكنت، وإن ركضت سبقت، وكانت ألف فرس عرضت عليه بعد أن صلّى الظهر لإِرادته الجهاد عليها لعدوّ، فعند بلوغ العرض منها تسعمائة غربت الشمس ولم يكن صلى العصر فاغتمّ. {فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ} أي أردت {حُبَّ الخير} أي الخيل {عَن ذِكْرِ رَبِّي} أي صلاة العصر {حتى تَوَارَتْ} أي الشمس {بالحجاب} أي استترت بما يحجبها عن الأبصار. {رُدُّوهَا عَلَىَّ} أي الخيل المعروضة فردّوها {فَطَفِقَ مَسْحاً} بالسيف {بالسوق} جمع ساق {والأعناق} أي ذبحها وقطع أرجلها تقرّباً إلى الله تعالى حيث اشتغل بها عن الصلاة وتصدّق بلحمها فعوّضه الله تعالى خيراً منها وأسرع، وهي الريح تجري بأمره كيف شاء .

 

{وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} ابتليناه بسلب ملكه وذلك لتزوّجه بامرأة هواها وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه، وكان ملكه في خاتمه فنـزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جنّيّ في صورة سليمان فأخذه منها. {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} هو ذلك الجني وهو (صخر) أو غيره: جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها، فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس: أنا سليمان فأنكروه {ثُمَّ أَنَابَ} رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه. {قَالَ رَبِّ اغفر لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى} لا يكون {لاِحَدٍ مِّن بَعْدِى} أي سواي، نحو {فمن يهديه من بعد الله} أي سوى الله {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب}. فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخآءً} لينة {حَيْثُ أَصَابَ} أراد. {والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ} يبني الأبنية {وَغَوَّاصٍ} في البحر يستخرج اللؤلؤ. 

 

التفسير الأحمدي: 

 

لقد رزق الله نبيه داود ابنا سماه سليمان، وكان عبدا أوّابا أي دائم الرجوع إلى الحق، لذا لا يمكن أن تصحّ أي قصّة تتنافى مع ذلك، حتى لو رواها كتبة أسفار التوراة، وحتى لو نقلها عنهم كثير من المفسرين المسلمين. وفي إحدى المرات حضر عرضًا عسكريًّا لقواته، حيث الخيول الأصيلة القوية، فقال إِنِّي أحببتُ هذه الخيول، ليس للخيلاء ولا للتسلية بسباقها، بل لأنها تذكّرني بربي؛ إذ تُستخدم للقتال في سبيله، وحيث إني أحب الله فإني أحبها. فلمّا مرّت أمامه في عرض جميل، سُرّ جدًّا، فأمر بإعادتها إليه بعد أن ذهبت بعيدا وغابت عن نظره، فرُدّت عليه، فَأخذ يمسح بسيقانها وأعناقها، حبّا لها وشكرا لله تعالى على هذه النعمة التي تحمي دينه. ولم ينس صلاة العصر ولا غير العصر، ولم يأخذ بذبحها وتقطيع أرجلها كما قال المفسرون، لأنه ليس مجنونا حتى يغضب على الخيول، فإذا تأخر عن الصلاة فهذا ذنبه وليس ذنب الحيوانات غير العاقلة، ثم لو أخطأ هذا الخطأ الجنوني فلن يخلّده الله في كتابه. 

 

حين يذكر الله تعالى قصة فإنما لنستفيد منها، فماذا نستفيد هنا؟ هل علينا أن نقتل قطيع أغنامنا إن شُغِلنا مرة عن الصلاة بسببهن؟! ثم إن الآية تذكر أنه بدأ بمسح السوق قبل الأعناق، فهل قطّع سيقانها قبل أعناقها؟! هذا تعذيب لا يقوم به إلا مجرم دموي. 

 

ولقد فتنَ الله سليمان عليه السلام بابن عديم الأخلاق والروحانية، كان مجرد جسد لا روح فيه، وكان هذا الابن قد ورث أباه وأضاع ملكه.

 

فقال سليمان لمّا أنبأه الله في رؤيا بشأن المصير الذي سيلقاه ابنُه: رب سامحني على أعمال هذا الولد العاقّ، وهب لي ملكًا لا ينبغي لهذا الضال من بعدي؛ فأنت يا رب وهابّ تعطي من تشاء حتى لو كان ابنه بهذا المستوى. فأعطاه الله ملكا دنيويا عظيما، بالإضافة إلى الملك الروحاني، ونصره على أعدائه. أو: يا رب إذا كانت المملكة ستتفكك بعد موتي بذنوبهم فقد رضيت بقضائك،سبحانك، فزد يا رب في إكرامي خلال حياتي، وهب لمملكتي قوة لا يطمع فيها أي ملك من ملوك الممالك التي على مبعدة من حدودي. وهنا فُسِّرت "بعدي" بالبعدية المكانية. 

 

وسخر الله لسليمان عليه السلام تجارة واسعة مستخدمًا السفن التي وفّقه الله تعالى لاستغلال حركة الريح في جريانها؛ فمن الحقائق التاريخية أن سفن سليمان عليه السلام كانت تجري من الأرض المقدسة إلى اليمن والبلاد الإفريقية وفارس والهند وإلى بلاد البحر المتوسط، وذلك في مياه البحر الأحمر وبحر العرب والبحر المتوسط. ونتيجة موافقة حركتها لحركة الريح، فإنها كانت تقطع مسافة شهر في يوم واحد كما أشار الله تعالى في قوله (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر)، وقوله تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا).

 

وحتى الأشرار الأشداء الذين كان يسجنهم لجرائمهم كانوا يبنون له المباني الضخمة، ويغوصون في البحار بحثا عن اللآلئ ومن أجل مهام أخرى. وبعض هؤلاء يظل مسجونا ليستخدمه متى شاء. فالشياطين هنا الأشرار وليس الأشباح. أو لعل المقصود بها هم من كانت لديهم طاقة زائدة، وهي تنطبق على من لهم مهارة في فنون معينة، كالبناء وصناعة الزخارف المعقدة. 

 

نقد التفسير المتداول: 

 

التفسير المتداول لهذه الآيات محض خرافة وإساءة لنبي الله سليمان عليه السلام؛ فهو -عندهم- ينسى صلاته وهو ينظر إلى الخيول، ثم يتنبه إلى ذلك فيقتلها عن بكرة أبيها محمّلا إياها مسؤولية نسيان الصلاة!! وغير ذلك مما لا طائل من ورائه.

 

خطأ آخر في هذا التفسير هو تفسيره الفتنة بالعقوبة، حيث فسر {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} بأن الله عاقبه. مع أن الفتنة هي الاختبار الذي يرتقي المرء بالنجاح في اجتيازه، أما العقوبة فعكس ذلك، والله تعالى يمتدح نبيه عَلَيهِ السَلام أنه نجح في الاختبار.

 

أما الخرافة الكبيرة في هذا التفسير فهو قصة الخاتم!!! الذي "نزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جنّيّ في صورة سليمان"!!! فالمشكلة في هذه الإضافات إلى النص القرآني والتي لا علاقة له بها. 

 

وتفسيره الجسد في {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} بذلك الجني!! 

 

ثم تفسيره "لا ينبغي لأحد من بعدي" بأنه مُلك لا يحوزه سواه إلى الأبد!! وهذا دعاء غير مقبول بحال، وهو دعاء صبياني، فالمسلم يدعو لنفسه ولإخوانه ولأساتذته وتلامذته أن يهبهم الله ما وهبه، ويدعو لذريته من بعده أن تحقق ما لم يستطع هو تحقيقه. 

 

ثم لماذا يغرق التفسير التقليدي في تفسير تسخير الريح بطريقة عجائبية؟ لماذا ينسب إلى الأنبياء السابقين معجزات لم يعطها الله سيدنا محمدا ﷺ، ثم لم يذكرها التاريخ وتتعارض مع آيات أخرى تحمل نفس الكلمات؟ 

 

لا شك أن من الخطأ الاعتماد على قصص التوراة، وهذا من أخطاء التفسير التقليدي، لكن الخطأ الآخر هو تأليف قصص لا أثر لها حتى في التوراة والتاريخ والعقل. 

 

لَفَتات التفسير الأحمدي:

 

حرف الجر (عن) في قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِي) جاء هنا بمعنى السببية، أي إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ بسبب ذِكْرِ رَبِي، أي لأنها تذكرني بربي. ومن الأدلة على أن هذا الحرف يأتي بهذا المعنى، قوله تعالى (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) أي بسبب قولك. 

 

وفُسِّر المسح بالمسح المعروف الذي يقوم به صاحب الحصان وهو يمسح على سيقانه ورقبته، وليس بالقتل كما ذهب كثير من المفسرين.

 

وأما الجسد فهو إشارة لشخص لا روح فيه، أي أنه مجرد جسد. 

 

وتسخير الريح لا يعني أنه صار يأمرها أن تتحرك كما يريد، بل إن الله تعالى قد هداه لاستغلالها، ومثل هذا كثير جدا في كتاب الله: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) (وسخر لكم الفلك)، (وسخر لكم الأنهار) (وسخر لكم الليل والنهار)، (وسخر لكم ما في الأرض)، (وسخر لكم ما في السماوات)، (وسخر لكم البحر)، وغيرها، فهل يقول أحد أننا نتحكم بحركة الشمس والقمر؟ والليل والنهار؟ والأرض والسماوات؟ 

 

وأما كلمة الشياطين فهي تطلق على الأشرار الأشداء من الناس أيضًا، خصوصا أنهم غواصون وبناءون كما في هذه الآية. وفي آية أخرى (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات)، ثم إن الأشباح لا تُربط ولا تصفّد، لذا لا يمكن تفسير الشياطين بالجن الشبحي، بل هم بشر من الأشرار الأشداء الذين سيطر عليهم سليمان عَلَيهِ السَلام واستخدمهم في عمليات البناء والغوص في البحر.

 

هاني طاهر

 

 

نقله مسلم لله

 

 

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي