الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الأحد، 21 فبراير 2016

حكم التماثيل في الإسلام

 

حكم التماثيل في الإسلام 

 

قبل أن اقدم تعليقي على هذا الأمر سأبدأ بمقالة قيّمة للأستاذ هاني طاهر ثم أضيف تعليقي البسيط على هذا الموضوع:

هدم التماثيل والمعابد

  

قبل أن يهدم الطالبان التمثالين الضخمين ذهب القرضاوي ليثنيهم عن فعلتهم، ولكنهم قالوا لم يأتنا القرضاوي بدليل يحرِّم هدمها، فهدمناها. 

 

قلتُ: أنّى للقرضاوي أن يأتي بدليل على شيء من هذا القبيل؟! لأنه إن قال بحرمة هدمها كفَّره المشايخ وهاجموه، وهو لا يحب أن يهاجمه أحد، بل يحب أن يرضى عنه كلّ أحد. وهو إن قال بوجوب هدمها فإن أمريكا التي لها قاعدة في قطر التي تؤوي القرضاوي ستنتقده أيضا. 

 

ولعلّه ذهب إلى أفغانستان حتى إذا سأله شيخ منغلق عن ذهابه قال له: لم أذهب لأثنيَهم عن هذا الهدم، بل لأطالبهم بتأجيل الهدم، فالظروف غير مواتية. وإن سأله غربيّ عن سكوته عن هذا الهدم، قال ذهبت لمنع هدمها. 

ما مبرر تأجيل هذا الهدم إن كان الهدم واجبا؟ أليس خير البرّ عاجله؟ 

 

قبل 900 سنة من اكتشاف أمريكا كان عرب الصحراء يتلون قوله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وكانوا يعلمون أن الله تعالى قد أوجب عليهم القتال دفاعا عن معابد الآخرين المليئة بالتماثيل. وظلوا يتسامحون مع الكنائس رغم أنها تحوي على تماثيل لما يرونه إلها، ولا أعرف فقيهًا في التاريخ الإسلامي قال بهدم الكنائس بحجة أن فيها تماثيل، أو قال بهدم التماثيل التي فيها. 

 

فالمحافظة على معابد الآخرين وانتقاد هدمها هو واجبنا قبل أن يسمع العالم أن هناك أمريكا أو حتى أوروبا. فلا تنسبوا هذه الفضيلة إلى غير الإسلام. 

 

لكن، من أين جاء الفكر التقليدي بوجوب هدم التماثيل؟ 

 

مشكلة الفكر التقليدي أنه يعالج الحدث من دون انتباه إلى النصوص كلها، فلو تنبه إلى هذه الآية التي توجب الدفاع عن معابد الآخرين، ما خطر بباله أن يقول بوجوب هدم الأصنام والتماثيل. 

 

لكن أصحاب هذا الفكر قد فهموا خطأً آية قرآنية وحدثًا في السيرة؛ أما الآية فهي قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}. وليكن معلوما "أن المعبد الذي كسر فيه إبراهيم الأصنام كان مِلكًا لعائلته، ولولا ذلك لما جاز لـه كسر أصنام الآخرين. لقد كان معبدًا عائليًّا لإبراهيم ، وقد ورثه من الآباء، ولما كان إبراهيم يكره الشرك منذ نعومة أظفاره فكسر الأصنام في هذا المعبد الذي كان يدرّ على عائلته بدخل كبير، كما كان مدعاة لعزتهم وشهرتهم. فلما كسرها ثارت ضجّة في كل البلاد، ورُفع الأمر إلى الملِك. وكان جزاؤه، وفق عُرف البلاد وقوانين الملِك، حرق المجرم. وكان من التقاليد القديمة إحراق كل من يسيء إلى الأصنام، لأن الإساءة إليها كانت تُعَدّ في الزمن القديم ردّةً جزاؤها الإحراق أو الرجم." (التفسير الكبير). 

 

قد يُسأل هنا: ما الدليل على أنه كان معبد العائلة؟ فالجواب: أن إبراهيم عليه السلام يعلم أن الله تعالى أوجب الحرية الدينية للجميع، وأوجب الدعوة بحكمة وموعظة حسنة، وأن الله الذي يأمر بالعدل لا يرضى أن يأمر الكفار باحترام مساجدنا، ثم يأمرنا بهدم معابدهم، فهذا ظلم عظيم، وما كان ربنا بظلام للعبيد. لذا لا بد من أن نستنتج أن هذا المعبد للعائلة لأن إبراهيم ما كان ليعصي ربه، وما كان الله ليتركه يمارس جريمة من دون أن يعلِّمه، وما كان لله أن يخلِّد قصة تمجّد هدم معابد الناس، وهو الله نفسه الذي أمرنا بالدفاع عن معابد الآخرين، حتى لو تطلَّب ذلك الاستشهاد. 

 

ثم إن إبراهيم لم يكسرها بحجة أنّ كسرها واجب، بل ليقيم الحجة عليهم بهذا الفعل، لذلك أبقى كبير الأصنام، ولو كان يرى أن كسرها وهدمها واجب لبدأ بكبيرها. فالمسألة من باب إقامة الحجة، وليس لأن تحطيمها واجب. ويبدو أنه قد رأى أنّ تحطيمها سينـزع حبها من قلوب أتباعها فيكفرون بها، وبخاصة إذا أخبرهم أن كبير الأصنام قام بذلك، وحيث إنهم يعلمون أن الصنم لا يمكنه أن يتحرك من مكانه ولا أن يدافع عن نفسه، فإنهم سيفهمون أن قول إبراهيم يراد به إقامة الحجة عليهم، فكاد أن يُسقط في أيديهم، بيد أنهم عادوا إلى غرورهم وكبريائهم. 

 

وأما الحدث الذي مِن السيرة فهو هدم الأصنام حول الكعبة، حيث إن الرسول قد هدمها بمجرد فتح مكة. 

 

علينا أن نعلم أن الرسول لم يقُل وهو يحطمها إنه يجب تحطيم كل الأصنام من الآن فصاعدا، بل لم يأمر بتحطيم أي صنم في بيوت الناس، ولم يمنع من عبادة الأوثان، لكنه منع من وجود هذه الأوثان حول الكعبة لسببين اثنين على الأقل، هما: 

 

أولا: أن الكعبة هي بيت الله، هي بيت التوحيد الأول الذي عاد إلى أصحابه، ومن حقهم أن يهدموا ما يناقض التوحيد حوله. 

 

ثانيا: أن الأصنام هناك تعبير عن السيادة، وما دامت سيادة الوثنيين على الكعبة، أي مركز القبيلة (الدولة)، قد انتهت، فلا يُعقل الإبقاء على مظاهر سيادتهم. 

 

أما تماثيل بوذا في أفغانستان فليست تعبيرا عن سيادة أحد، وليس مكانها مسجدا بناه أول الأنبياء. 

 

فلنتنبه إلى أصولنا ولا نهدمها متسرعين، ومن أصولنا العدل المطلق، أي أن نعامل الناس كما نريد لهم أن يعاملونا، والله يأمر بالعدل، فنحترم معابدهم كما نريدهم أن يحترموا مساجدنا، بل إن الله يأمر بالإحسان، فنحسن إلى معابدهم حتى لو هدموا مساجدنا. 

 

ومن أصولنا وجوب الدفاع عن أماكن عبادة الآخرين وعن حرياتهم الدينية. 

 

ومن تاريخنا الإبقاء على كنائس النصارى المليئة بالتماثيل والأصنام. 

 

فهذه أدلة ثلاثة لا يقوى على نقضها فَهْمٌ متسرع لآية وحَدَث في السيرة. 

 

هاني طاهر

 

 

تعليقي:

 

التماثيل جمع تمثال وهي الصور وليست الأجسام، فقد ورد في التمهيد للقرطبي:

 

"ذكر ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن الجعد رجل من أهل المدينة قال حدثتني ابنة سعد أن أباها جاء من فارس بوسائد فيها تماثيل فكنا نبسطها." (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، القرطبي، 21/198)

 

وعلى أي حال فالتماثيل المجسمة لا تحطم إذا لم تكن تُعبد أو في مسجد للمسلمين ومع ذلك لا يجوز التصوف إلا بإذن الله تعالى ولي الأمر والقائمين على المسجد.

 

ورد في عمدة القاري:

 

"وقال أبو عمر ذكر أبو القاسم قال كان مالك يكره التماثيل في الأسرة والقباب وأما البسط والوسائد والثياب فلا بأس به وكره أن يصلي إلى قبة فيها تماثيل وقال الثوري لا بأس بالصور في الوسائد لأنها توطأ ويجلس عليها وكان أبو حنيفة وأصحابه يكرهون التصاوير في البيوت بتمثال ولا يكرهون ذلك فيما يبسط ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة وقال أبو عمر وكره الليث التماثيل في البيوت والأسرة والقباب والطساس والمنارات إلا ما كان رقما في ثوب.." (عمدة القاري شرح صحيح البخاري، الحنفي، 47304)

 

جاء في تفسير ابن كثير:

 

"وقوله تعالى: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}، قال ابن عباس وغيره من السلف: إنَّ بعض بني إسرائيل شكّوا في موت فرعون، فأمر اللّه البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح، ليتحققوا من موته وهلاكه؛ ولهذا قال تعالى: {فاليوم ننجيك} أي نرفعك على نشز من الأرض {ببدنك}، قال مجاهد: بجسدك، وقال الحسن: بجسم لا روح فيه، وقوله: {لتكون لمن خلفك آية} أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك، وأن اللّه هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شيء، {وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها، وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال ابن عباس: قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: "وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه" رواه البخاري عن ابن عباس." أهـ 

 

أي أن الله تعالى يريد من جعل جسد فرعون ماثلاً أمام الناس من بعده ليكون آية على عظمة الله تعالى وقدرته ليعتبر الناس الذين يرون ذلك لجسد بلا روح عظمة الله تعالى وآياته ﷻ.

 

وكذلك قوله تعالى عن سليمان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ :١٤]

 

جاء في تفسير ابن كثير:

 

"وأما التماثيل، فقال الضحاك والسدي: التماثيل الصور، قال مجاهد: وكانت من نحاس، وقال قتادة: من طين وزجاج." أهـ

 

أي يطلب النبي عَلَيهِ السَلام من الجن أن يعملوا له تماثيل وصور ومنحوتات لتزيين القصر ! 

 

بل إن الصَلاة عند هذه التماثيل لم تكن باطلة إذا لم تُعبَد بل اكتفي بها كزينة لا أكثر. يقول ابن كثير:

 

وقوله تعالى: {اعملوا آل داود شكراً} أي وقلنا لهم اعملوا شكراً على ما أنعم به عليكم في الدين والدنيا، قال السلمي: الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله للّه عزَّ وجلَّ شكر، وأفضل الشكر الحمد (رواه ابن جرير عن أبي عبد الرحمن السلمي). وقال القرظي: الشكر تقوى اللّه تعالى والعمل الصالح، وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل، وقد كان آل داود عليهم السلام كذلك قائمين بشكر اللّه تعالى قولاً وعملاً، قال ابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي فغمرتهم هذه الآية {اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور}. وفي الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الصلاة إلى اللّه تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى اللّه تعالى صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى". وقد روي عن جابر رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "قالت أم سليمان بن داود عليهم السلام لسليمان: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيراً يوم القيامة" (أخرجه ابن ماجه في سننه). وقال فضيل في قوله تعالى: {اعملوا آل داود شكراً} قال: داود يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال: "الآن شكرتني حين علمت أن النعمة مني"، وقوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} إخبار عن الواقع." أهـ

 

فكيف يجرؤ الدواعش على مخالفة القرآن الكريم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي لم يحطم إلا التماثيل في الكعبة التي هي بيت التوحيد وترك غيرها في أصقاع الأرض وكذلك صحابته رضوان الله عليهم أجمعين والسلف الصالح ! 

 

 

هذا دليل دامغ على جهل وتخلف وعصيان داعش وأمثالهم لتعليم الإسلام 

 

مسلم لله

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي