الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الجمعة، 18 مايو 2012

الميثولوجيا والدجال

الميثولوجيا والدجال




نتناول في هذا المقال إثبات خطأ الفكر التقليدي المتعلق بالدجال والذي يعتمد على الأخذ بظاهر النصوص , ونثبت حتمية تأول تلك الروايات المتعلقة بالدجال . وذلك من خلال استعراض رواية وردت في مسند احمد تتحدث عن الدجال , وتطبيق سمات الأسطورة على هذه الرواية يوضح أن الأخذ بظاهرها يجعلها أسطورة لا ريب فيها .

قال الإِمام أحمد، حدثنا محمد بن سابق، أخبرنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن  جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدّجالُ في خِفَّةٍ مِنَ الدِّين وإِدْبَارٍ من العِلم وله أربعون ليلَةً يَسْبَحُهَا في الأرض اليومُ منها كالسنةِ، واليوم منها كالشهر. واليوم منها كالجُمُعَةِ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذِهِ وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذِراعاً، فيقول للناس: أنا ربّكم وهو أعورُ وإِن ربكم ليس بأعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَفَرَ بِهَجَاءٍ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِن كاتب أوْ غير كاتب يَرد كلَّ ماءٍ ومنهل إلا المدينةَ ومكّةَ حًرّمهمَا الله عليه وقامَت الملائكةُ بِأبْوابِهما ، ومعه جبال من خبز والناس في جهد الأمن اتبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منهما نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال: وسمعت معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماءَ فتمطر فيما يَرَى الناسُ ويقتل نفساً ثم يُحييها فيما يرى الناس،ويقول للناس: هل يفعل مثلَ هذا إلا الرّبُّ? قال فيفِدُ المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم فيحاصرُهُم فَيُشثدُ حِصَارهم ويُجْهِدُهم جُهداً شديداً، ثم ينزل عيسى ابن مريم  فينا من السًحَر ِفيقول: يا أيّها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث? فيقولون: هذا رجل حي فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريَم فتقام الصلاة، فيقال له تقدم يا روحَ الله، فيقول: لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ لِيُصَلِّ بِكُمْ فإذا صلّوا صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يراه الكذابُ يَنْماثُ كَمَا يَنْمَاثُ المِلْحُ في الماء، فيمشي إليه فيقتلُه حتى إن الشجرةَ والحجرَ ينادي يا روحَ الله هذا يهوديٌّ فلا يَتْرُكَ مِمَّنْ كَانَ يَتبعُه أحداً إِلاَّ قَتَلَه تفرّد به أحمد أيضاً. وقد رواه غير واحد عن إبراهيم.

إسناده على شرط مسلم 

تحليل الحديث السابق

من خلال استعراض هذا الحديث يتبين انه قد انطبقت عليه كل سمات الفكر الأسطوري المتعلق بـ :
1-السمات الخاصة بالتعبير الأسطوري
2-السمات الخاصة بمكونات وعناصر الأسطورة
3-السمات الخاصة بالفكر الأسطوري

أ‌-    القصة المقدسة ( فكر أسطوري)
إن أبرز ما يميز الفكر الأسطوري هو الارتباط الوثيق بالدين . فقد كانت الأسطورة فى أبسط أشكالها تتضمن بعض الدوافع التي تعد بمثابة تباشير لمثل دينية عليا , ومن هنا تحمل طابع القداسة .ويعتقد الباحثون أن الأسطورة يجب أن تُفهم كظاهرة دينية ولا يمكن أن تُفَسر مطلقاً بمصطلحات غير دينية . فيذكر ( ميرسيا إلياد ) أن من خصائص الأسطورة أنها قصة مقدسة تتكون من أفعال قامت بها كائنات عُليا , وتتعلق دائماً بخلق شيء جديد.كذلك يذكر ( كاسيرر) أن الخيال الأسطوري ينطوي على العقيدة , وبدونها تفقد الأسطورة أرضيتها .
ولو نظرنا إلى الرواية السالفة الذكر لوجدنا أنها تتوفر فيها هذه الخاصية من خصائص الفكر الأسطوري , فأساس الرواية هو البُعد الديني , حيث أن الرواية وغيرها من الروايات لا تتحدث إلا عن أثر خروج الدجال على المسلمين فقط. بالرغم من أنها تذكر أنه يسيح الأرض كلها ولا يترك موطأ قدم إلا أتى عليه . كذلك ذكرت أن هناك اختلافان واضحان بين الله ومدعى الإلوهية وهو الدجال :
1-   أنه أعور
2-   مكتوب بين عينيه كافر
وأوضحت أن الذي يستطيع أن يقرأ هذه الكلمة على جبين الدجال هو المؤمن فقط سواء كان متعلم أو أميّ . ولم تقل الرواية يقرءوه كل شخص أو كل إنسان . ومن هنا يظهر البُعد الديني العقائدي فى الرواية .

ب - الشخصية الأسطورية ( مكونات الأسطورة)
تحدثنا هذه الرواية عن كائن لا يُعرف له اسم لكنها تطلق عليه لقب الدجال , كذلك لا يُعرف مكان ولادته أو تاريخ ولادته , كذلك لا يُعرف أي شيء عن مراحل حياته المختلفة , مما يوحى بأنه خلق أخر غير الإنسان والملائكة والدواب والحيوانات المعروفة .

ج – البعد عن التعليل والتحليل (تعبير أسطوري)
كذلك تخبرنا الرواية إن الدجال يخرج ولم تحدد سبب هذا الخروج الفجائي ,. أي أنها لا تقدم علة لخروج هذا الكائن , بل لا تقدم سببا لوجوده أصلا . وهذه سمة مميزة من سمات التعبير الأسطوري .

د – خاصية التعالي ( مكون أسطوري)
ثم تقول الرواية وله أربعون ليلَةً يَسْبَحُهَا في الأرض اليومُ منها كالسنةِ، واليوم منها كالشهر. واليوم منها كالجُمُعَةِ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذِهِ وهنا تظهر سمة أخرى من سمات مكونات الأسطورة وهى التي يطلق عليها خاصية التعالي والتي تعنى أن الأسطورة تتعالى عن حدود الزمان والمكان والتجربة الواقعية .

هـ - المخلوقات الخرافية ( مكون أسطوري)
ثم تقول وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذِراعاً وهنا تظهر خاصية أخرى من سمات المكون الأسطوري وهى خاصية المخلوقات الخرافية . فإن هذا الكائن المسمى بالدجال له حمار يستعمله فى الانتقالات لكن يختلف تماما عن الحمار المعروف لدى جميع الناس , مما يوضح أن هذا الحمار هو مخلوق مختلف عن الحيوانات المعروفة فى عالمنا , وهو بلا شك كما تصوره الرواية مخلوق خرافي .
و - التمثيل الحسي ( تعبير أسطوري)
وتظهر خاصية التمثيل الحسي وهى من خصائص التعبير الأسطوري عندما تقول الرواية أن هذا الدجال عندما يخرج يقدم نفسه للناس على انه الإله المتجسد ويقول للناس أنا ربّكم ولكن توضح الرواية أنه ليس الرب بسبب أن عينه عوراء وأن الله ليس بأعور . وهنا تتجلى خاصية التمثيل الحسي بكل وضوح حيث لم تنفى الرواية أمكانية تجسد الله وإنما تنفى أن يكون الله له عين عوراء .وفى هذا الجزء أيضا تبرز سمة أخرى من سمات التعبير الأسطوري وهو أن الأسطورة لا تعطى المعنى الواضح الصريح .

ح - خاصية ازدواج الجوهر ( مكون أسطوري)
وتبدأ الرواية فى وصف الأشياء المصاحبة للدجال فتحدثنا عن " ومعه جبال من خبز والناس في جهد الأمن اتبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منهما نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال: وسمعت معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماءَ فتمطر فيما يَرَى الناسُ ويقتل نفساً ثم يُحييها فيما يرى الناس"، وهنا تتضح خاصية ازدواج الجوهر وهى إحدى خصائص مكونات الأسطورة ويعنى ازدواج الجوهر أنها تشتمل على مجموعة خاصة من الأفكار عن العالم , وفى نفس الوقت مجموعة من القصص عن أشخاص خيالية تعرض بصورة ملموسة الآلهة والأبطال .
وفى هذا الجزء من الرواية يظهر هذا الكائن الذي تسميه الرواية الدجال يظهر وكأنه هو الرزاق الذي يهب الناس الخبر ويطعمهم وكذلك يأمر السماء فتسقط مطرها فيشربون منه ويسقون أنعامهم وزرعوهم . ومن أتبع الدجال وآمن به دخل الجنة وهى إحدى الأنهار التي تتبعه . وإذا عصاه وكفر به دخل النار وهى النهر الآخر الذي يصاحبه .
وفى هذا الجزء أيضا تبرز خاصية أخرى من خصائص مكونات الأسطورة وهى تتعلق بالشخصية الأسطورية .يبرز البطل الأسطوري على أنه يمكن للناس أن يكونوا معاصرين له ويتعاملوا ويتكلموا معه بالرغم من أنه يظهر وكأنه مخلوق يختلف عنهم .

ط – التصور الدرامي للعالم ( فكر أسطوري)
فتقول الرواية قال فيفِدُ المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم فيحاصرُهُم فَيُشثدُ حِصَارهم ويُجْهِدُهم جُهداً شديداً، ثم ينزل عيسى ابن مريم …………. فإذا صلّوا صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يراه الكذابُ يَنْماثُ كَمَا يَنْمَاثُ المِلْحُ في الماء

وهنا يظهر التصور الدرامي للعالم القائم على الصراع المحتوم بين الإنسان والقدر , والخير والشر , والأرض والسماء , فيظهر الكائن الشرير ( إله الشر) فيملأ الأرض فسادا وشرا فينزل الكائن الطيب ( إله الخير) فيحاربه فى معركة عظيمة وملحمة بديعة وينتصر عليه فى أخر المطاف , ويساعد إله الخير فى مهمته الأتباع المخلصين له من الناس أو غيرهم من الكائنات وقد ظهر ذلك فى هذه الرواية عندما تقول ، فيمشي إليه فيقتلُه حتى إن الشجرةَ والحجرَ ينادي يا روحَ الله هذا يهوديٌّ .
أذن فقد تجلت فى هذه الرواية كل السمات المميزة للأسطورة سواء السمات المتعلقة بالفكر الأسطوري أو التعبير الأسطوري أو مكونات الأسطورة .
كما تظهر فى رواية تميم الداري فى صحيح مسلم سمات الشخصية الأسطورية .
ك- نموذجية الشخصية الأسطورية (مكونات أسطورية)
فالشخصية الأسطورية شخصية مثالية أو نموذجية فى الأغلب تجمع بين خصائص وصفات متباينة وتتراوح بين الخير والشر . فيظهر فى هذه الرواية أن الدجال ليس شريرا فى ذاته بدليل أنه يقول أن الخير فى إتباع النبي صلى الله عليه وسلم , ومع ذلك فإنه عندما يخرج سوف يدعى بأنه هو الله , وبهذا فقد جمع بين الخير المحض والشر المحض .
كذلك من خصائص الشخصية الأسطورية أنها شخصية فائقة تفوق المعقول ذات جلال رائع وقوة غير مألوفة قادرة على تحدى الزمن .حيث وصفته الرواية بـ فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا "

ل - البطل الموضوعي بمعنى ما قبل الذاتية ( مكونات أسطورية)
يظهر فى هذه الرواية أن الدجال هو رجل من البشر واقع تحت سيطرة الإله . فإنه – أي الدجال – يقص عليهم ما الذي سيقوم به وما الذي لا يجب أن يقوم به , فهو يخبرهم عن ذهابه إلى كل أنحاء الأرض , ولكن لا يجب عليه أن يدخل مكة أو المدينة حيث أن عليها ملائكة تحرسها . وهذا ما يسمى بالبطل الموضوعي بمعنى ما قبل الذاتية أي أن إرادته وعقله ليستا ملكه لأنه غير واع ولأنه واقع تحت سيطرة الإله الذي سخره لهذه المهمة ولذلك صورته هذه الرواية والقيود فى يديه وقديمه ومحبوس فى جزيرة داخل دير .

الخلاصة
وبعد أن أوضحنا انطباق سمات الأسطورة على هذه الرواية , والتي يمكن تطبيقها أيضا على روايات أخرى . فلو أصر المشايخ على الأخذ بظاهر هذه النصوص وعدم تأويلها فليس أمامنا إلا أن نقول أن فكرة ظهور الدجال ما هي إلا أسطورة لا يمكن أن تكون قد صدرت عن الذي لا ينطق عن الهوى . وبالتالي ينهار كل علم الحديث والحرج والتعديل ومعرفة الرجال لأن روايات الدجال متواترة وفى أعلى درجات الصحة وقد وردت فى صحيحي البخاري ومسلم , وعلى شرطهما فى كتب أخرى .

وللخروج من هذا المأزق يجب أن نقبل التفسير الأحمدي لهذه الروايات الذي ينأى بها ويخرجها من بحر سجل الأساطير ويكتبها فى سجل النبؤات التي تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وأله وسلم .فلو كانت هذه الروايات فى كتب اليهود أو النصارى لاتخذها المسلمون مادة جيدة جدا لمهاجمة الكتاب المقدس ولكن بما إنها فى كتب المسلمين فلا يلتفتون إليها بل يعتبرونها جزء من الإيمان بالغيب . "

منقول

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي