الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الأربعاء، 8 يناير 2014

ضرورة العلمانية

ضرورة العلمانية

هذا المقال نشره الأستاذ هاني طاهر عام 2005 وهو ينطبق على ما يجري اليوم بشكل دقيق مبيّناً بُعْد نظر الجماعة الإسلامية الأحمدية وصحة موقفها من الأحداث وسلامة دعوتها وصدقها




العلمانية تعني حيادية الدولة تجاه الأديان المختلفة؛ فهي ليست حربا على الدين. والمعنى: أن لا يتدخل رجال الدين بتسييرها لصالح تصوراتهم الدينية البحتة، وأن لا يضطهدوا المواطنين الآخرين من الأديان الأخرى، وأن لا يكون لتمسك أي شخص بالعقيدة أي دور في تميزه في إدارة الدولة أو أمام القضاء أو في الوظائف. فالعلمانية بهذا المعنى تعني: العدل بين الناس بغض النظر عن دينهم.

ولقد نجحت في أوروبا بسبب تسلط الكنيسة ورجالها على المجتمعات الأوروبية، فثار الناس ضد رجالات الكنيسة وتسلطهم. وهذا حاصل في كثير من المجتمعات الإسلامية، حيث يتسلط المشايخ من فئة معينة على السلطة، فيذيقون البقية الويل. ألا نراهم في السعودية يتسلطون على المسلمين الآخرين، كالشيعة مثلا، فيمنعونهم من الدعوة إلى عقائدهم؟ أولا نرى ملالي إيران يتسلطون على بعض السنة فيها ، فيمنعونهم من نشر عقائدهم؟ بينما يجد الشيعي السعودي والسني الإيراني فرصة ذهبية لنشر عقائده في أي دولة علمانية. فأيهما أفضل؛ دولة يتسلط عليها المشايخ أم دولة لا تحابي مذهبا على مذهب، ولا دينا على آخر؟

يقول المشايخ: "لم تظهر في بلادنا سلطة دينية بالمعنى الغربي كطبقة أكليروس تحتكر الدين وتفسره دون غيرها." وهذا ليس صحيحا، بل ظهرت، ومن الطبيعي أن تظهر؛ فالسعودية كفّرت الجماعة الإسلامية الأحمدية، واضطهدت الشيعة بأصنافهم المختلفة، بل إنها تمنع الأشاعرة من نشر عقائدهم، وهم لبُّ أهل السنة.

ولا بأس عندي أن تظهر طبقة أكليروس إسلامية، إذ إن من حقّ أصحاب أي دين أن يحافظوا عليه من تحريفات المحرفين، لكن ما يجب منعه هو اضطهاد هؤلاء (المحرِّفين) على مستوى الدولة، بحيث يُحرمون من الوظائف أو يعاقبون بالسجن أو القتل. أقصد أن من حقّ أهل أي مذهب أن يفصلهم من مذهبه أو من دينه، وأن يحكم بحرمانهم دينيًّا، لكن ليس من حقه البتة أن يمنعهم من التمتع بالمواطنة وحقوقها كافّة. وهذا يتطلب منع هذه الطبقة من التحكم بشؤون البلد سياسيًّا، والإبقاء على تحكمها محصورًا في الشؤون الدينية. وهذه هي العلمانية التي نريد.

أما قول بعض المشايخ إن سبب نجاح العلمانية في الغرب هو خلو النصرانية من التشريعات، بينما الإسلام فيه أحكام شاملة، فنقول: إن الإسلام لا يحوي تشريعات تفصيلية إلا في باب الميراث، وعدد قليل من العقوبات، وما تبقى فليس أكثر من مبادئ عامة، وخطوط عريضة. والغالبية العظمى من الأحكام تأتي عبر الاجتهادات المبنية على هذه المبادئ. وهذه ليست بحاجة إلى مشايخ وعلماء ليفتوا فيها، بل يمكن لأي إنسان ذي ثقافة إسلامية عادية أن يجتهد فيها، وهي ليست حكرًا على أهل الحديث الذين يصحّحون حديثًا اليوم ثم يضعفونه غدًا، فيوهمون الناس أن الاجتهاد مسألة عظيمة ومعقدة ولا يتقنها غيرهم. كلا، فالأحاديث ليست مصدرًا مستقلا للأحكام، بل هي تفصيل وتفسير وتبيين لما أُجمل في القرآن. والمعنى أن أي أشخاص ينتخبهم الناس ليكونوا أعضاء في المجلس التشريعي يمكنهم أن يجتهدوا في إصدار الأحكام والقوانين مسترشدين بالمبادئ الإسلامية المعروفة، كالعدل والأمانة والوفاء والإحسان والتراضي وعدم الضرر والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.

المهم في الإسلام هو التقوى.. القرآن كتاب هداية وإرشاد وليس كتاب قوانين وتشريعات تفصيلية. إن أي أوامر يمكن الالتفاف عليها واستغلالها والتحايل عليها، سواء أكانت إسلامية أم وضعية.. لكن ما امتاز به الإسلام هو أنه خاطب المسلمين بعد كل أمر بقوله تعالى (لعلكم تتقون). فالغاية هي التقوى. ولن يكون هناك أي التزام حقيقي بدون تقوى.

أين الآية القرآنية التي تبين كيفية تنصيب الحاكم؟ أو كيفية عزله؟ أو أي مسألة تتعلق بذلك؟ أين الآيات القرآنية التي تبين تفاصيل القوانين الجنائية أو المدنية أو التجارية؟ أين الأحكام التي اتفق الفقهاء فيها؟

إن تصوير أن الإسلام قد جاء بتشريعات تفصيلية غير معقول أولا، ثم هو إساءة للإسلام نفسه، ويشكل معضلة حقيقية. ويستغلُ بعضُ الناس ذلك لتحقيق مكاسب شخصية.

إن اختزال مشكلتنا بغياب ما يسمى بالدولة الإسلامية خطأ جسيم. إن كثيرا من الحكام العرب الحاليين أفضل من يزيد بن أبي سفيان بلا شك. إنهم لم يقتلوا الحسين، ولا قصفوا الكعبة ولا حرقوا المدينة؟

إن إجرام دولة علمانية أهون مائة مرة من إجرام دولة تسمي نفسها إسلامية.

إن مشكلتنا في غياب العدالة.. والعلمانية التي نتحدث عنها تمثل صلب العدل في الحكم.

العلمانية تعني أن لا يكون للمشايخ سلطة على الناس باسم الدين.

العلمانية تعني سلطة مدنية لا دينية.

العلمانية تعني السماح للشيعة والسنة والأحمدية بالتواجد والدعوة بالمقدار نفسه.

العلمانية تعني أن يعتقد من شاء ما شاء.

العلمانية تعني أن يُعاقب من يشتم مقدسات الآخرين ورموزهم، ولا يعاقب من ينقدهم بالحجة، ولو كانت داحضة.

العلمانية تعني أن يمارس الشيعة طقوسهم في عاشوراء، وأن نحاول أن نقنعهم بمحاولة تهذيبها والامتناع عن إيذاء أنفسهم.

العلمانية تعني أن يترشح لأي منصب من شاء، بغض النظر عن دينه ومذهبه.

فهل هذه العلمانية حرب على الدين؟ كلا، بل هي من صلب الدين.

وإذا أصرَّ أحدٌ على أن العلمانية ليست كذلك، فلا بأس، فنحن لا نقدس اصطلاحات؛ لذا نقول له: نريد هذه التي أسميناها علمانية بعد تعريفها. ونحن ننتظر تسميتك لها، وبعدها سنسميها كما تريد أنتَ. المهم هذا هو الجوهر الذي نريد.


هاني طاهر 22-4-2005

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي