الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الجمعة، 16 يناير 2015

تشابهت قلوب المكذبين

تشابهت قلوب المكذّبين










يقول تعالى :


وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا


 [الإسراء الآية: ٩١]


جاء في تفسير الآية عند ابن كثير رحمه الله :


"قال ابن جرير عن ابن عباس: إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان ابن حرب، وأبا البختري، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد اللّه بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء، وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا واللّه ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوَّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئياً تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن اللّه بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم". فقالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلاداً، ولا أقل مالاً، ولا اشد عيشاً منا، فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجّر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، ويبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا، منهم (قصي بن كلاب) فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند اللّه، وأنه بعثك رسولاً، كما تقول، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند اللّه بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتى يحكم الله بيني وبينكم". قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك فسل ربك أن يبعث ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنات وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم! فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن اللّه بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم". قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل. فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ذلك إلى اللّه إن شاء فعل بك ذلك"، فقالوا: يا محمد! أما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا واللّه لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد، أما واللّه لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا.


فلما قالوا ذلك، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمته عاتكة بنة عبد المطلب، فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من اللّه فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل لهم ما تخوفهم به من العذاب، فواللّه لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بصحيفة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم اللّه لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك، ثم انصرف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً، لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه (أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما). ولو علم اللّه منهم أنهم يسألون ذلك استرشاداً لأجيبوا إليه، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفراً وعناداً، فقيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن شئت أعطيناهم ما سألوا، فإن كفروا عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة، فقال: "بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة".


وقوله تعالى: {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} الينبوع: العين الجارية، سألوه أن يجري لهم عيناً معيناً في أرض الحجاز ههنا وههنا، وذلك سهل على اللّه تعالى يسير لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا، ولكن علم أنهم لا يهتدون، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم}. وقوله تعالى: {أو تسقط السماء كما زعمت} أي أنك وعدتنا يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهي وتدلي أطرافها فعجّلْ ذلك في الدينا، وأسقطها كسفاً أي قطعاً، كذلك سألو قوم شعيب فقالوا: {أسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين}، فعاقبهم اللّه بعذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم، وأما نبي الرحمة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجليهم، لعل اللّه يخرج من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً، وكذلك وقع، فإن من هؤلاء الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه حتى (عبد اللّه بن أبي أميه) الذي تبع النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال له ما قال، أسلم إسلاماً وأناب إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى: {أو يكون لك بيت من زخرف}. قال ابن عباس ومجاهد: هو الذهب، أي يكون لك بيت من ذهب، {أو ترقى في السماء} أي تصعد في سلم، ونحن ننظر إليك، {ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه}، قال مجاهد: أي مكتوب فيه، إلى كل واحد صحيفة، هذا كتاب من اللّه لفلان بن فلان تصبح موضوعة عند رأسه، وقوله تعالى: {قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} أي سبحانه وتعالى وتقدس، أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته، بل هو الفعال لما يشاء، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم، وأمركم فيما سألتم إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وعن أبي أمامة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "عرض علي ربي عزَّ وجلَّ ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً - أو نحو ذلك - فإن جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك" (رواه أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن)." انتهى


(تفسير ابن كثير)


.........


لقد طلب كفار مكة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تحقيقاً حرفياً لنبوءة وردت في سفر إشعياء بأن النبي القادم سوف يشق الأنهار بالمعنى الحرفي في الصحراء ولم يقبلوا بتأويل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي شق أنهاراً من وحي السماء في الجرداء. يقول النص :


"انْظُرُوا، هَا أَنَا أُنْجِزُ أَمْراً جَدِيداً يَنْشَأُ الآنَ، أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَشُقُّ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقاً، وَفِي الصَّحْرَاءِ أَنْهَاراً."


(إشعياء 43:19)


فكان طلبهم أن يفجر لهم النبي ﷺ في الصحراء ينابيع حقيقية كما دلّت نبوءات التوراة. كذلك اتّهموه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنه كان شتّاماً لعّاناً وجاء ليفرّق الجماعة ويزيدهم فرقة وأن ما جاء به لأمر قبيح -مع أن العرب كانت أشعر الناس وأعلم باللغة والبيان من عرب اليوم ولا مقارنة في ذلك- فلا يقال اليوم أن العرب أعلم من غيرهم بلسان العرب فها أن العرب في زمن النبي ﷺ اتهموا القرآن الكريم بأنه قبيح وشعر رجل مجنون والعياذ بالله لا يرقى للشعر الذي يتقنوه كأكابر اللغة وساداتها. هكذا اتُّهِمَ حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام عندما قال للناس بأنه نذير مبين أرسله الله تعالى في يوم ضعف المسلمين لينصر الدين ويقيم راية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فوق الرايات فاتهموه بذات التهم حيث رفضوا تحقق نبوءة مثيل المسيح وإنكارهم تحققها روحانيا وتأويلها بما ينزّه الله تعالى وكتابه الكريم وسنّته الثابتة. كذلك اتهموه عَلَيهِ السَلام بأنه شتم ولعن معارضيه وزاد الناس فرقة وأنه مجنون وقاطعوه بسبب ذلك وكفروه تماماً كما فعل الذين من قبلهم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. فما كان جواب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ؟ هل بعد أن عرض الإسلام على الناس وكفروه وكذبوه أمر بقتلهم ؟ على العكس، حيث نجد أن جواب حضرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن اللّه بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم"، فإننا نجد أن النبي ﷺ اكتفى بالإعراض عَنْهُم بعد تبليغهم ولم يأمر بقتلهم بسبب كفرهم بل نجد العكس تماماً حيث توعّد الكفارُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بالقتل والإهلاك ما لم يكفَّ عن دعوته؛ "أما واللّه لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا" -وهو ما حدث ويحدث للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وجماعته اليوم في باكستان وغيرها- أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقد تدخّل عند الله تعالى ليحكم لهم لا عليهم رحمةً بهم، نبقى مع ابن كثير حيث يقول : "وأما نبي الرحمة المبعوث رحمة للعالمين فَسَأَلَ (اللّهَ) إنظارهم وتأجليهم، لعل اللّه يخرج من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً، وكذلك وقع". وكذلك ورد في النص ان الله تعالى أرسل ملاكاً يخيّر النبي ﷺ بين أن يهلك أعداءه أو يتركهم فطلب منه النبي ﷺ أن يرحمهم ؛ "إن شئت أعطيناهم ما سألوا، فإن كفروا عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة، فقال: "بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة". فالاتهام والتشويه والتكذيب والتكفير والاتهام بتفريق الجماعة والحكم بقتل المخالف إنما هي سنّة الكافرين أنفسهم.


فمن أراد الاقتداء بالنبي المصطفى ﷺ فعليه أن يتوب عن تكفير الناس وقتلهم بسبب كفرهم أو أن يكفَّ عن إلصاق ما يقوم به من مخالفة صريحة لكلام الله تعالى ونبيه ﷺ بنبيِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. من جاءه هذا البيان ثم تولّى ونأى بجانبه كأن لم يسمع أو يقرأ فهو خائن لله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.


لقد تشابهت قلوب الكافرين المكذبين للنبيين ولن تجد لسنّة الله تبديلا.


فائدة خارج الموضوع : نستدل أيضا من النص أن الجن عن العرب كان يطلق على الغرباء من البشر لا الطيف الذي يسميه الناس اليوم بالأشباح. الدليل على ذلك قولهم في النص الأول بان الجن هو الذي يعّلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ؛ "هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئياً تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي"، وقد وضّح النص الآخر طبيعة هذا الجن ؛ "فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن." أي أن الجن الذي زعموا بأنه يعلّم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم القرآن هو رجل من منطقة يقال لها اليمامة ويدعى الرحمن". فبقدر جهلهم الواضح عما يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن ربه -مع ادعائهم بالعلم والخبرة فيه وتفنيده- ألا إن الفائدة هي استخدام العرب للبشر الغرباء لفظ الجن وهو ما أثبتته الجماعة الإسلامية الأحمدية ولله الحمد.


وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 


(مقال مستوحى من كتاب إزالة الأوهام لحضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام)


مسلم لله

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي