الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الاثنين، 1 أبريل 2013

حقيقة التَّقِيَّة



حقيقة التَّقِيَّة



التقية عند القائلين بها تعني أن يخفي المرء عقيدته خوفا من بطش الحكومة أو المجتمع الذي يعيش فيه. بل أن يُظهر مناصرتهم ومحبتهم ومحبة دينهم.

ودليلهم على ذلك هو قوله I : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة. ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) ( آل عمران: 29)

حيث فسروها بأنه تحرم مناصرة الكافرين "إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه، أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك وحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطال العداوة" (تفسير النسفي). أي أنه يجوز أن تكذب على الكافر فتخبره بأنك تحمل عقائد مخالفة لما أنت عليه خوفا منه ومن بطشه.

بيد أن الآية لا تتحدث عن شيء من ذلك؛ ذلك أن الخطأ في تفسيرها جاء من معنى (تتقوا)، ومن معنى (أولياء).

إن لكلمة (اولياء) أكثر من معنى في اللغة العربية، فهي تعني الأنصار، والأصدقاء، والمشتركون في نفس الحلف، وما شابه من معاني المودة والنصرة. وسنفسرها بناء على هذه المعاني.

فإذا كان معنى (أولياء) هو (أصدقاء)، فإن الآية تحرم على المؤمنين أن يصادقوا الكافرين بدلا من المؤمنين، ومن يفعل ذلك فقد جاء بجريمة عظيمة، إلا إذا صان هذا المؤمن نفسه من التأثر بهؤلاء الكافرين، وأن يحذر منهم ومن خداعهم. فعند ذاك يجوز له أن يصادقهم. فالخطأ الذي وقع فيه أهل التقية ظنهم أن (تتقوا منهم تقاة) تعني تخافوا منهم خوفا، ثم ظنهم أن الآية تتحدث عن العقائد.  فخرجوا بنتيجة أنه يجوز إخفاء العقائد خوفا من العدو، ولما كانت قصة عمار بن ياسر وتهديده بالقتل إن لم يشتم النبي r ماثلة في الأذهان، ظنوا أن هذه الآية تشبهها وتزيد عليها، أي أنها تبيح ادعاء ما يخالف الواقع الإيماني للشخص بمجرد خوفه من العدو، وليس من خلال تهديده الحقيقي. ومع إيماننا بصحة قصة عمار وشتمه النبي r أمام الكافرين حتى لا يقتلوه كما قتلوا أبه وأمه، بيد أن هذه الآية لا علاقة لها بهذا الموضوع البتة، ولا تتحدث عن جواز الكفر والكذب خوفا من بطش الأعداء المحتمل. بل ما تفيده هو تحريم مصادقة الكافرين على حساب المؤمنين، ثم تجيز ذلك إن ضمن المؤمن عدم التأثر بفساد هؤلاء الكافرين. بمعنى: كيف لي كمسلم أن أصادق من يواظب على الملاهي؟ وكيف لي أن أصاحب سِكّيرا؟ وكيف لي أن أَدَعَ ابني يلازم مدخنًا؟ وكيف لي أن أسمح لابنتي بمصادقة فتاة كاسية عارية؟

وهناك آيات تماثل هذه الآية، وهي قوله I ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما % الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين % أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا % وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره % إنكم إذن مثلهم % إنه الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) (النساء: 139-141). فهذه الآيات تقول : يمارس المنافقون جريمة بشعة باتخاذهم الكفار أصدقاء وأنصارا من أجل العزة الدنيوية، بدل أن يصادقوا ويناصروا المؤمنين. ولا بأس بمجالسة الكافرين، لكن إذا سمع المؤمن منهم استهزاء بالدين فيجب عليه ترك هذا المجلس، ويجب عليه ألا يعود لمثل هذه المجالس ما دام لا يضمن أنها خالية من السخرية بالدين وقيمه. وإلا فإنه واحد من الكافرين.

فإذا كان معنى (أولياء) هو (أنصار وحلفاء)، فإن الآية تحرم أن يتخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أنصارًا ضد الْمُؤْمِنِينَ، فلا يجوز لفئة مؤمنة أن تعقد اتفاقيات وتحالفات مع الكفرة تضر بالمؤمنين الآخرين. أما التحالف مع الكافرين بشكل لا يضر بمؤمنين آخرين فلا تتعرض له الآية، بل تتعرض له آيات أخرى توجب البِرّ بالكافر المسالم.

وحتى لو أقام المسلمون مع الكافرين تحالفات عسكرية مشتركة، فيجب على المؤمنين أن (يتقوا منهم تقاة)، أي أن يحذروا منهم حذرًا؛ فجانب الكافرين ليس مؤتمنًا دائمًا وأبدًا، لذا وجب التنبه لمؤامراتهم وخُدعهم.

وليس للآية أي علاقة بقوة العدو، بل بمكره وخداعه، فلا تقول الآية: إلا أن تخافوا من قوتهم، بل إلا أن تحذروا مكرهم.

إذن، لا تناصروا الكافرين على المؤمنين، وإلا فلستم مؤمنين. وإذا ناصرتم كافرين وتحالفتم معهم ليس ضد مؤمنين آخرين فلا بأس، بشرط الحذر من مكرهم.

باختصار: لا تدعو الآيةُ المسلمَ إلى الظهور بوجهين حين يعيش وسط كافرين أقوياء. بل الآيات التي تحض على الصدق وتجنب الكذب والغدر والخداع والنفاق أكثر من أن تُحصى، وهي التي يجب الرجوع إليها في هذا السياق.




0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي