الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الخميس، 19 ديسمبر 2013

المهدي و العربية


المهدي و العربية



لقد كان حضرة المهدي عليه السلام يجلّ اللغة العربية كثيرا بصفتها لغة القرآن الكريم. وقد كان يعاني في أول أمره من ضعف فيها لعدم أخذه نصيبا كافيا من المهارة بالتعبير بها والتصرف بفنون القول بها، وكان هذا الأمر سببا في انتقاده من قبل معارضيه. فتوجه إلى الله تعالى شاكيا إليه هذا العيب، فكان أن أصلح الله تعالى هذا العيب، وعلّمه اللغة العربية في ليلة واحدة. فكان هذا الأمر مصداقا للنبأ الذي ورد في الحديث الشريف، الذي رواه سيدنا علي رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله علبه وسلم: "المهدي منا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة."
(رواه أحمد بن حنبل (1/84)، وابن ماجه (4085)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/177)، وابن عدي في "الكامل" (7/185))

يقول حضرته عليه السلام في هذا الشأن ما نصّه:

"ومن آياتي أنه تعالى وهب لي ملكة خارقة للعادة في اللسان العربية، لتكون آية عند أهل الفكر والفطنة. والسبب في ذلك أني كنت لا أعلم العربية إلا طفيفا لا تُسمّى العلمية، فطفق العلماء يقعضون ويكسرون عود خبري ومخبرتي، ويتزرّون على علمي ومعرفتي... وشهروا من عندهم أن هذا الرجل لا يعلم صيغة من هذه اللسان، ولا يملك قراضة من هذا العقيان. فسألت الله أن يُكمّلني في هذه اللهجة، ويجعلني واحد الدّهر في مناهج البلاغة. وألححت عليه بالابتهال والضراعة، وكثر اطراحي بين يدي حضرة العزّة، وتوالى سؤالي بجهد العزيمة وصدق الهمة وإخلاص المهجة. فأُجيب الدعاء، وأُوتيتُ ما كنتُ أشاء، وفُتِحَت لي أبواب نوادر العربية، واللطائف الأدبية، حتى أمليتُ فيها رسائل مبتكرة، وكتبا محبّرة، ثم عرضتها على العلماء، وقلتُ يا حزب الفضلاء والأدباء.. إنكم حسبتموني أُمّيًّا ومن الجهلاء، والأمر كان كذلك لولا التأييد من حضرة الكبرياء، فالآن أُيّدتُ من الحضرة، وعلّمني ربّي من لدنه بالفضل والرحمة، فأصبحت أديبا ومن المتفرّدين. وألّفتُ رسائل في حُلل البلاغة والفصاحة، وهذه آية من ربي لأولي الألباب والنصفة، وعليكم حُجّة الله ذي الجلال والعزّة. فإن كنتم من المرتابين في صدقي وكمال لساني، والمتشككين في حسن بياني وتبياني، ولا تؤمنون بآيتي هذه وتحسبونها هذياني، وتزعمون أني في قولي هذا من الكاذبين.. فأْتوا بكتاب من مثلها إن كنتم صادقين.... وإن كان الحق عندكم كما أنّكم تزعمون، فسيُبدي الله عزّتكم ولا تُغلبون، ولا ترجعون كالخاسرين. فلا يُعاتبكم بعده مُعاتب، ولا يزدريكم مُخاطب، ويستيقن الناس أنكم من الأمناء ومن الصالحين. وإن كنتم لا تقدرون عليه لقلة العلم والدهاء، فانهضوا وادعوا مشهورين منكم بالتكلم والإملاء، والمعروفين من الأدباء. وإني عرضت عليكم أمرا فيه عزة الصادق وذلّة الكاذب، وسينال الكاذبين خزيٌ ونصبٌ من العذاب اللازب، فاتقوا الله إن كنتم مؤمنين.

فما كان لهم أن يأتوا بمثل كلامي، أو يتوبوا بعد إفحامي، وظهرت على وجوههم سواد وقحول، وضمر وذبول، وغشِيَهم حينٌ وإحجام، وجهلوا كل ما صلفوا ولم يبق لهم كلام. وجاءني حزب منهم تائبين، وكثير حق عليهم ما قال خاتم النبيين، عليه الصلاة والتحيات من رب العالمين." 
(نجم الهدى، الخزائن الروحانية ج 14 ص 107-113)


وفيما يلي قصيدة لحضرته عليه السلام وهي من قصائده العربية في مدح سيّده خاتم النبيين صلى الله عليه وسلّم وإظهار آية صدقه عليه السلام :



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



عِلمي من الرحمن ذي الآلاءِ ... بالله حُزْتُ الفضلَ لا بدهَاءِ
كيف الوصول إلى مدارجِ شكرهِ ... نثني عليه وليس حولُ ثناءِ
الله مولانا وكافلُ أمرنا ... في هذه الدنيا وبعد فناءِ
لولا عنايته بزمنِ تطَلُّبي ... كادت تُعفِّيني سيولُ بكائي
بشرى لنا إنا وجدْنا مؤنسًا ... ربًّا رحيمًا كاشِفَ الغَمّاءِ
أُعطيتُ مِن إِلْفٍ معارفَ لُبَّها ... أُنزلتُ مِن حِبٍّ بدار ضياءِ
نتلو ضياءَ الحقّ عند وضوحه ... لَسْنا بمبتاع الدجى ببَراءِ
نفسي نَأَتْ عن كل ما هو مظلم ... فأنختُ عند منوِّري وَجْنائي
غلبَتْ على نفسي محبةُ وجههِ ... حتى رميتُ النفسَ بالإلغاءِ
لما رأيت النفسَ سدّتْ مهجتي ... ألقيتُها كالمَيْت في البيداءِ
الله كهفُ الأرض والخضراءِ ... ربٌّ رحيم ملجأُ الأشياءِ
بَرٌّ عَطوفٌ مأمَنُ الغرماءِ ... ذو رحمةٍ ... وتبرُّعٍ وعطاءِ
أحدٌ قديم قائم بوجوده ... لم يتخذْ ولدًا ولا الشركاءِ
وله التفرّد في المحَامد كلها ... وله علاء فوق كلّ علاءِ
العاقلون بعالَمين يرونهُ ... والعارفون به رأوا الأشياءِ
هذا هو المعبود حقًّا للورى ... فردٌ وحيد مبدء الأضواءِ
هذا هو الحِبُّ الذي آثرتُهُ ... ربُّ الورى عين الهدى مولائي
هاجتْ غمامةُ حُبّه فكأنّها ... ركبٌ على عُسْبُورةِ الحَدْواءِ
ندعوه في وقت الكروب تضرّعًا ... نرضى به في شدّة ورخاءِ
حَوجاءُ أُلْفته أثارت حُرّتي ... ففدا جَناني صولةَ الحوجاءِ
أعطى فما بقيتْ أماني بعده ... غمَرتْ أيادي الفيض وجهَ رجائي
إنا غُمسنا مِن عناية ربنا ... في النور بعد تمزُّق الأهواءِ
إنّ المحبّة خمَّرتْ في مهجتي ... وأرى الودادَ يلوح في أهبائي
إني شربت كؤوس موت للهدى ... فوجدتُ بعد الموت عينَ بقاءِ
إني أُذِبتُ من الوداد ونارهِ ... فأرى الغروبَ يسيل من إهرائي
الدمع يجري كالسيول صبابةً ... والقلب يُشوَى من خيال لقاءِ
وأرى الوداد أنارَ باطنَ باطني ... وأرى التعشق لاحَ في سِيمائي
الخَلقُ يبغُون اللذاذةَ في الهوى ... ووجدتُها في حُرقةٍ وصَلاءِ
الله مقصد مهجتي وأريده ... في كل رشحِ القلم والإملاءِ
يا أيّها الناس اشربوا من قِربتي ... قد مُلئ من نور المفيض سِقائي
قوم أطاعوني بصدق طويّةٍ ... والآخرون تكبّروا لغطاءِ
حسدوا فسبّوا حاسدين ولم يزل ... حسَدتْ لئامٌ كلَّ ذي نعماءِ
مَن أنكر الحقَّ المبين فإنّهُ ... كلبٌ وعَقب الكلبِ سِرْبُ ضِراءِ
آذَوا وسبّوني وقالوا كافرٌ ... فاليوم نقضي دَينَهم برِباءِ
واللهِ نحن المسلمون بفضله ... لكن نزا جهلٌ على العلماءِ
نختار آثار النَّبيّ وأَمْرَه ... نقفو كتابَ الله لا الآراءِ
إنّا بَراءٌ في مناهج دينه ... مِن كلّ زنديق عدوِّ دَهاءِ
إنا نطيع محمّدًا خيرَ الورى ... نورُ المُهَيمن دَافِع الظَّلماءِ
أفنحن من قوم النصارى أكفَرُ ... وَيلٌ لكم ولهذه الآراءِ
يا شيخَ أرضِ الخبث أرضِ "بطالة" ... كفّرتني ... بالبغض والشحناءِ
آذيتَني فَاخْشَ العواقب بعدهُ ... والنّار قد تبدو من الإيراءِ
تبّتْ يداك تبِعتَ كلَّ مفاسدٍ ... زلّتْ بك القدمانِ في الأنحاءِ
أودى شَبابُكَ والنوائبُ أخرفتْ ... فالوقت وقت العجز لا الخيلاءِ
تبغي تباري والدوائرَ مِن هوى ... فعليكَ يسقُط حجرُ كلّ بلاءِ
إني من المَولى فكيف أُتَبَّرُ ... فاخْشَ الغيور ولا تَمُتْ بجفاءِ
أفتضرِبنَّ على الصَّفاة زجاجةً ... لا تنتحرْ واطلبْ طريق بقاءِ
اُتْرُكْ سبيل شرارة وخباثة ... هَوِّنْ عليك ولا تمُتْ بعناءِ
تُبْ أيّها الغالي وتأتي ساعة ... تمسي تعُضّ يمينَك الشلّاءِ
يا ليت ما ولدتْ كمثلك حامِلٌ ... خفّاش ظلماتٍ عدوّ ضياءِ
تسعى لتأخذني الحكومةُ مجرمًا ... ويل لكلّ مزوِّر وَشّاءِ
لو كنتُ أُعطيتُ الولاءَ لعُفْتُه ... ما لي ودنياكم؟ كفانِ كِسائي
مُتنا بموت لا يراه عدوُّنا ... بعُدتْ جنازتنا من الأحياءِ
تُغري بقولٍ مفترًى وتخرّص ... حكّامَنا الظانين كالجهلاءِ
يا أيّها الأعمى أتُنكر قادرًا ... يحمي أحبّتَه من الإيواءِ
أنَسيتَ كيف حمَى القدير كليمَه ... أو ما سمعتَ مآلَ شمسِ حِراءِ
نحو السماء وأمرِها لا تنظُرَنْ ... في الأرض دُسَّتْ عينُك العمياءِ
غرّتْك أقوالٌ بغير بصيرة ... سُتِرتْ عليك حقيقة الأنباءِ
أدخلتَ حزبك في قليبِ ضلالة ... أفهذه من سيرة الصلحاءِ
جاوزتَ بالتفكير من حدّ التقى ... أشَققتَ قلبي أو رأيتَ خفائي
كَمِّلْ بخُبثك كلَّ كَيدٍ تقصدُ ... واللهُ يكفي العبدَ للإزراءِ
تأتيك آياتي فتعرف وجهها ... فاصبِرْ ولا تترُكْ طريق حياءِ
إني كتبتُ الكتبَ مثلَ خوارقٍ ... اُنظُرْ أعندك ما يصوب كمائي
إن كنت تقدر يا خصيم كقدرتي ... فاكتُبْ كمثلي قاعدا بحذائي
ما كنتَ ترضى أن تُسمّى جاهلاً ... فالآن كيف قعدتَ كاللَّكْناءِ
قد قلتَ للسّفهاء إنّ كتابهُ ... عَفصٌ يُهِيج القيءَ من إصغاءِ
ما قلتَ كالأدباء قُلْ لي بعدما ... ظهرتْ عليك رسائلي كقُياءِ
قد قلتَ إني باسل متوغلٌ ... سَمَّيتَني صيدًا من الخيلاءِ
اليوم مني قد هرَبتَ كأرنبٍ ... خوفًا من الإخزاء والإعراءِ
فَكِّرْ أما هذا التخوّف آية ... رعبًا من الرحمن للإدراءِ
كيف النضال وأنتَ تهرُب خشيةً ... اُنظُرْ إلى ذلٍّ مِنَ اسْتعلاءِ
إنّ المهيمن لا يحبّ تكبّرًا ... مِن خلقه الضعفاء دود فناءِ
عُفِّرتَ مِن سهمٍ أصابك فاجئًا ... أصبحتَ كالأموات في الجَهْراءِ
الآن أين فررت يا ابنَ تصلّفٍ ... قد كنت تحسبنا من الجهلاءِ
يا من أهاج الفتن قُمْ لنضالنا ... كنا نعدّك نَوْجةَ الحَثْواءِ
نطقي كَمَوْلِيِّ الأَسِرَّةِ جَنّةٍ ... قولي كقِنْوِ النخل في الخَلْقاءِ
مُزِّقتَ لكنْ لا بضرب هَراوةٍ ... بل بالسيوف الجاريات كماءِ
إن كنت تحسدني فإني باسل ... أُصلِي فؤاد الحاسد الخطّاءِ
كذّبتني كفّرتني حقّرتني ... وأردتَ أن أُسفَى كمثل عَفاءِ
هذا إرادتك القديمة مِن هوًى ... واللهُ كهفي مُهلِكُ الأعداءِ
إني لشرُّ النّاس إن لم يأتِني ... نصرٌ من الرحمن للإعلاءِ
ما كان أمر في يديك وإنّهُ ... ربٌّ قدير حافظُ الضعفاءِ
الكبر قد ألقاك في دركِ اللظى ... إنّ التكبّر أردأُ الأشياءِ
خَفْ قهرَ ربٍّ ذي الجلال إلى متى ... تقفو هواك وتَنزُوَنْ كظِباءِ
تبغي زوالي والمهيمن حافظي ... عاديتَ ربًّا قادرًا بمِرائي
إنّ المقرَّب لا يضاع بفتنةٍ ... والأجر يُكتب عند كُلّ بلاءِ
ما خاب مَن خاف المهيمنَ ربَّهُ ... إنّ المهيمن طالبُ الطلباءِ
هل تطمَع الدنيا مذلّةَ صادق ... هيهاتَ ذاك تخيُّل السفهاءِ
إنّ العواقب للذي هو صالح ... والكَرّة الأولى لأهل جفاءِ
شهدتْ عليه، خصيمِ، سُنّةُ ربِّنا ... في الأنبياءِ وزمرةِ الصلحاءِ
مُتْ بالتغيظ واللَّظَى ياحاسدي ... إنا نموت بعزّةٍ قَعْساءِ
إنّا نرى كلَّ العلى مِن ربّنا ... والخَلْقُ يأتينا لبَغْيِ ضياءِ
هم يذكرونك لاعنينَ وذِكرُنا ... في الصالحات يُعَدُّ بعد فناءِ
هل تَهْدِمَنَّ القصرَ قصرَ إلهنا ... هل تُحرِقَنْ ما صنَعهُ بنّائي
يرجون عثرةَ جَدِّنا حسداؤُنا ... ونذوق نعماءً على نعماءِ
لا تحسبنْ أمري كأَمْرٍ غُمّةٍ ... جاءت بك الآيات مثل ذُكاءِ
جاءت خيارُ الناس شوقًا بعدما ... شمُّوا رياحَ المِسك من تلقائي
طاروا إليّ بألفة وإرادة ... كالطَّيرِ إذْ يَأْوي إلى الدَّفْواءِ
لفَظتْ إليّ بلادُنا أكبادَها ... ما بقي إلا فضلة الفضلاءِ
أو مِن رجال الله أُخْفيَ سرُّهم ... يأْتونني من بعدُ كالشهداءِ
ظهرتْ من الرحمن آيات الهدى ... سجدتْ لها أمم من العرفاءِ
أما اللئام فينكرون شقاوةً ... لا يهتدون بهذه الأضواءِ
هم يأْكلون الجِيْفَ مثل كلابنا ... هم يشرَهون كأَنْسُرِ الصحراءِ
خَشَّوا ولا تخشى الرجالُ شجاعةً ... في نائبات الدّهر والهيجاءِ
لما رأيتُ كمالَ لطفِ مهيمني ... غَاب البلاء فما أحسُّ بلائي
ما خاب مثلي مؤمن بل خصمُنا ... قد خاب بالتكفير والإفتاءِ
الغَمْرُ (يبدي) ناجذيه تغيّظًا ... اُنظُرْ إلى ذي لوثة عجماءِ
قد أسخطَ المولى ليُرضي غيره ... واللهُ كان أحقَّ للإرضاءِ
كسّرتُ ظرف علومهم كزجاجة ... فتطايروا كتطاير الوَقْعاءِ
قد كفّروا مَن قال إني مسلم ... لمقالةِ ابنِ بطالةٍ وعُواءِ
خوف المهيمن ما أرى في قلبهم ... فارتْ عُيونُ تمرّدٍ وإباءِ
قد كنتُ آملُ أنهم يخشونهُ ... فاليوم قد مالوا إلى الأهواءِ
نَضَّوا الثياب ثيابَ تقوى كلُّهم ... ما بقي إلا لِبْسة الإغواءِ
هل من عفيف زاهد ٍ في حزبهم ... أو صالحٍ يخشى زمان جزاءِ
والله ما أدري تقيًّا خائفًا ... في فِرقة قاموا لهدم بنائي
ما إنْ أرى غيرَ العمائم واللحى ... أو آنُفًا زاغت من الخيلاءِ
لا ضيرَ إن ردّوا كلامي نخوةً ... فسيَنجَعَنْ في آخَرين ندائي
لا تنظُرَنْ غَرْوًا إلى إفتائهم ... غُسٍّ تلا غُسًّا بنَقْعِ عَماءِ
قد صار شيطان رجيم حِبَّهُمْ ... يمسي ويضحي بينهم للقاءِ
أعمى قلوبَ الحاسدين شرورُهم ... أعرى بواطنَهم لباسُ رِياءِ
آذَوا وفي سُبل المهيمن لا نرى ... شيئًا ألذَّ لنا من الإيذاءِ
ما إنْ أرى أثقالهم كجديدة ... إني طليح السَّيحِ والأعباءِ
نفسي كعُسْبُرةٍ فأُحنِقَ صلبُها ... مِن حمل إيذاء الورى وجفاءِ
هذا ورَبِّ الصادقين لأَجتني ... نِعم الجنى من نخلة الآلاءِ
إنّ اللئام يحقِّرون وذمُّهم ... ما زادني إلا مقام سَناءِ
زَمَعُ الأناس يحملقون كثعلبٍ ... يؤذونني بتحوُّب ومُواءِ
والله ليس طريقهم نهج الهدى ... بل مُنْية نشأت من الأهواءِ
أعرضتُ عن هذيانهم بتصاممٍ ... وحسبتُ أن الشر تحت مِراءِ
إنّا صبرنا عند إيذاء العدا ... فعَلَوا كمثل الدُّخِّ مِن إغضائي
ما بقي فيهم عفّةٌ وزهادة ... لا ذرّةٌ من عيشةٍ خَشْناءِ
مالوا إلى الدنيا الدنيّة مِن هوًى ... فرّوا من البأساءِ والضرّاءِ
صالوا من الأوباش حزبُ أراذلٍ ... فكأنهم كالخِثْيِ ... للإحماءِ
لما كتبتُ الكتب عند غلوّهم ... ببلاغة وعذوبة وصفاءِ
قالوا قرأنا ليس قولاً جيّدًا ... أو قول عاربةٍ من الأدباءِ
عرب أقام ببيته متسترًا ... أملَى الكتابَ ببكرة ومساءِ
اُنظُرْ إلى أقوالهم وتناقُضٍ ... سلَب العنادُ إصابة الآراءِ
طَورًا إلى عربٍ عزَوه وتارة ... قالوا كلام فاسد الإملاءِ
هذا من الرحمن يا حزبَ العدا ... لا فِعْل شاميٍّ ولا رفقائي
أعلى المهيمنُ شأنَنا وعلومنا ... نبني منازلَنا على الجَوزاءِ
خَلُّوا مقامَ المولويّةِ بعدَه ... وتَستّروا في غَيهب الخَوقاءِ
قد حُدّدتْ كالمرهفات قريحتي ... ففهِمتُ ما لم يفهموا أعدائي
هذا كتابي حازَ كلَّ بلاغة ... بهَر ... العقولَ بنضرة وبهاءِ
الله أعطاني حدائقَ علمهِ ... لولا العناية كنتُ كالسفهاءِ
إني دعوت الله ربًّا محسنًا ... فأرى عيونَ العلم بعد دعائي
إنّ المهيمن لا يُعِزّ بنخوةٍ ... إنْ رُمْتَ إعزازًا فكُنْ كعَفاءِ
واللهِ قد فرّطتَ في أمري هوًى ... وأبيتَ كالمستعجل الخطّاءِ
الحُرّ لا يستعجلنْ بل إنهُ ... يرنو بإمعان وكشفِ غطاءِ
الشمس أُمٌّ والهلال سليلُها ... ينمو وينشأ مِن ضياء ذُكاءِ
إني طلعتُ كمثل بدرٍ فانظروا ... لا خير في مَن كان كالكَهْماءِ
يا ربّ أيِّدْنا بفضلك وانتقِمْ ... ممّن يدُعّ الحقَّ كالغُثّاءِ
يا ربّ قومي غلَّسوا بجهالة ... فارحَمْ وأنزِلْهم بدار ضياءِ
يا لائمي إن العواقب للتُّقى ... فاربَأْ مآلَ الأمر كالعقلاءِ
الله أيّدني وصافى رحمةً ... وأمدّني ... بالنعم ... والآلاءِ
فخرجتُ مِن وَهْدِ الضلالة والشقا ... ودخلتُ دار الرشد والإدراءِ
والله إن الناس سَقطٌ كُلّهم ... إلا الذي أعطاه نعمَ لقاءِ
إن الذي أروى المهيمنُ قلبَه ... تأتيه أفواج كمثل ظِماءِ
ربّ السماء يُعِزّه بعناية ... تعنو له أعناقُ أهل دهاءِ
الأرض تُجعل مثلَ غلمان له ... تأتي له الأفلاك كالخدماءِ
مَن ذا الذي يُخزي عزيزَ جنابِه ... الأرض لا تُفني شموسَ سماءِ
الخَلْقُ دودٌ كلهم إلا الذي ... زكّاه فضلُ الله من أهواءِ
فانهَضْ له إن كنتَ تعرف قدره ... واسبِقْ ببذل النفس والإعداءِ
إن كنت تقصد ذُلَّه فتُحقَّرُ ... وستَخْسَأَنْ كالكلب يوم جزاءِ
غلبتْ عليك شقاوة فتحقِّرُ ... مَن كان عند الله من كرماءِ
صعبٌ عليك سراجنا وضياؤنا ... تمشي كمشي اللُّصّ في اللَّيلاءِ
تهذي وأيمُ الله ما لك حيلة ... يومَ النشور وعند وقت قضاءِ
برقٌ من المولى نريك وميضَه ... فاصبر كصبر العاقل الرنّاءِ
وأرى تغيُّظَكم يفور كلُجّةٍ ... موج كموج البحر أو هَوجاءِ
واللهِ يكفي مِن كُماةِ نضالِنا ... جَلدٌ من الفتيان للأعداءِ
إنا على وقت النوائب نصبرُ ... نُزجي الزمانَ بشدة ورخاءِ
فِتن الزمانِ ولدنَ عند ظهوركم ... والسَّيل لا يخلو من الغثّاءِ
عُفْنا لُقِيّاكم ولا أستكرهُ ... لو حلَّ بيتي عاسِلُ البَيداءِ
اليوم أنصحكم وكيف نصاحتي ... قومًا أضاعوا الدين للشحناءِ
قُلنا تعالوا للنضال وناضِلوا ... فتَكنّسوا كالظبي في الأفلاءِ
لا يبصرون ولا يرون حقيقة ... وتَهالكوا في بخلهم ورياءِ
هل في جماعتهم بصير ينظرُ ... نحوي كمثل ... مبصر رنّاءِ
ما ناضلوني ثم قالوا جاهلٌ ... اُنظُرْ إلى إيذائِهم وجفاءِ
دعوى الكُماةِ يلوح عند تقابُل ... حدُّ الظُباتِ ينير في الهيجاءِ
رجلٌ ببطنِ "بَطَالة" بَطّالةٌ ... تعلى عداوته كرعدِ طَخاءِ
لا يحضر المضمارَ مِن خوفٍ عرَا ... يهذي كنسوان بحجب خفاءِ
قد آثر الدنيا وجيفةَ دَشْتِها ... والموت خير من حياة غطاءِ
يا صيدَ أسيافي إلى ما تأبِزُ ... لا تُنجِينّك سيرةُ الأطلاءِ
نجسّتَ أرضَ "بطالة" منحوسة ... أرض محربِئةٌ من الحِرباءِ
إني أريدك في النضال كصائد ... لا يركَنَنْ أحد إلى إرزاءِ
صدرُ القناة ينوش صدرَك ضربُه ... ويريك مُرَّاني بحارَ دماءِ
جاشت إليك النفس من كلماتنا ... خوفًا فكيف الحال عند مِرائي
أُعطيتُ لُسْنًا كاللقوع مُروِّيًا ... وفصيلُها تأثيرها ببهاءِ
إن شئتَ كِدْ كلَّ المكائد حاسدًا ... البدر لا يغسو بلَغْيِ ضِراءِ
كذّبتَ صدّيقًا وجُزْتَ تعمّدًا ... ولئن سطا فيُريك قعرَ عَفاءِ
ما شمَّ أنفي مرغمًا في مشهد ... وأثَرتُ نقعَ الموت في الأعداءِ
واللهِ أخطأتم لنكبةِ بَخْتِكم ... باريتمُ ابنَ كريهةٍ فَجّاءِ
إني بحقدك كلَّ يوم أُرفَعُ ... أنمى على الشحناء والبغضاءِ
نلنا ثريّاءَ السماء وسَمْكَهُ ... لنردّ إيمانًا إلى الغبراءِ
اُنظُرْ إلى الفتن التي نيرانها ... تُجري دموعًا بل عيون دماءِ
فأقامني الرحمن عند دخانها ... لفلاح مُدّلجين في الليلاءِ
وقد اقتضتْ زفراتُ مرضَى مقدمي ... فحضرتُ حمّالاً كئوسَ شفاءِ
لما أتيتُ القوم سبُّوا كالعدا ... وتخيّروا سُبل الشقا بإباءِ
قالوا كذوب كَيْذُبانٌ كاذبٌ ... بل كافر ومزوّر ومُراءِ
مَن مُخبِرٌ مِن ذلّتي ومصيبتي ... مولاي خَتْمَ الرسل بحرَ عطاءِ
يا طيّبَ الأخلاق والأسماءِ ... أفأنت تُبعدنا من الآلاءِ
أنت الذي شغَف الجَنانَ محبّةً ... أنت الذي كالرُّوح في حَوبائي
أنت الذي قد جذب قلبي نحوه ... أنت الذي قد قام للإصباءِ
أنت الذي بوداده وبحبّه ... أُيِّدتُ بالإلهام والإلقاءِ
أنت الذي أعطى الشريعة والهدى ... نجّى رقاب النّاس من أعباءِ
هيهات كيف نفرّ منك كمفسد ... روحي فدَتْك بلوعةٍ ووفاءِ
آمنتُ بالقرآن صُحفِ إِلهنا ... وبكل ما أخبرتَ من أنباءِ
يا سيدي يا موئلَ الضعفاءِ ... جئناك مظلومين من جهلاءِ
إنّ المحبّة لا تضاع وتشترى ... إنّا نحبّك يا ذُكاءَ سخاءِ
يا شمسَنا انظُرْ رحمةً وتحنّنًا ... يَسْعَى إليك الخلق للإركاءِ
أنت الذي هو عين كل سعادة ... تَهوي إليك قلوب أهل صفاءِ
أنت الذي هو مبدء الأنوار ... نوَّرتَ وجه المدن والبيداءِ
إني أرى في وجهك المتهللِ ... شأنًا يفوق شؤونَ وجهِ ذُكاءِ
شَمْسُ الهُدى طلعتْ لنا من مكة ... عين الندا نبَعتْ لنا بحِراءِ
ضَاهَتْ أَياةُ الشمس بعضَ ضيائه ... فإذا رأيتُ فهاجَ منه بكائي
نَسْعى كَفِتْيانٍ بدينِ مُحَمَّدٍ ... لَسْنَا كرجُلٍ فاقِدِ الأعضاءِ
أَعْلَى المُهَيمِنُ هَمَّنا في دِينه ... نَبني مَنَازِلنا على الجوزاءِ
إنا جُعِلْنا كالسيوف فندمَغُ ... رأس اللئام وهامة الأعداءِ
ومِنَ اللئام أرى رُجَيلاً فاسقًا ... غُولاً لعينًا نُطْفَة السُّفهاءِ
شَكسٌ خَبيثٌ مُفْسِدٌ ومزوّرٌ ... نَحْسٌ يُسمَّى"السَّعْد" في الجهلاءِ
ما فارقَ الكفرَ الذي هو إرثه ... ضاهَى أبَاه وأُمَّه بعماءِ
قد كان مِن دُود الهنُودِ وزَرعهم ... مِن عَبدة الأَصْنَام كالآباءِ
فالآن قد غلَبتْ عليه شقاوةٌ ... كانت مُبِيدةَ أُمِّه العمياءِ
إني أراه مُكذِّبًا ومكفِّرًا ... ومحقِّرًا بالسبّ والإزراءِ
يُؤذِي فما نَشكو وما نَتَأَسّفُ ... كَلْبٌ فيَغْلِي قلبه لِعُواءِ
كحَل العنادُ جفونَه بعجاجة ... فالآن مَن يحميه من أقذاءِ
يا لاعِني إنّ المهَيمِن يَنْظرُ ... خَفْ قهرَ ربّ قادر مولائي
الحق لا يُصلَى بنار خديعة ... أَنَّى مِن الخفّاش خسرُ ذُكاءِ
إني أراك (تميس) بالخُيَلاءِ ... أنَسيتَ يوم الطعنة النَّجْلاءِ
لا تتّبِعْ أَهْواءَ نفسِك شقوةً ... يلقيك حُبُّ النفس في الخَوقاءِ
فرسٌ خَبيثٌ خَفْ ذُرَى صهواتِه ... خَفْ أن تزلّك عدوُ ذي عدواءِ
إنّ السُّمُوم لَشَرُّ ما في العَالمِ ... ومِنَ السُّموم عَداوةُ الصلحاءِ
آذَيتَنى خبثًا فلَسْتُ بصادق ... إنْ لم تَمُتْ بالخزي يا ابنَ بغاءِ (1)
الله يُخزي حزبَكم ويُعزّني ... حتى يجيء الناس تحت لوائي
يا ربَّنا افْتَحْ بيننَا بكرامةٍ ... يا مَن يرى قلبي ولُبَّ لِحائي
يا مَن أرى أبوابه مفتوحة ... لِلسَّائلين فلا ترُدّ دعائي

آمين

________

(1) (ثم بعد ذلك كان مآل هذا العدوّ أنه مات بالطاعون خاسرًا خائبًا، فاعتبروا يا أولي الأبصار. منه.)

( من كتاب الاستفتاء ص 78 )

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي