الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ

رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ



يقول الله تعالى {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (145) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأَعراف)

هناك العديد من الآيات القرآنية التي يَحمِلها كثير من المفسرين على معاني مادية، فيجسِّدون الله تعالى، ويسيئون إلى أنبيائه، ولا يتنبّهون إلى ما فيها من معاني حقيقة. أما الربط بين الآيات عندهم فدونه خرط القتاد. 

وقبل التفصيل في ذلك تعالوا نقرأ ما جاء في التفسير الوسيط لجماعتنا: 

"من غير المعقول أن نبيا عظيما مثل موسى عليه السلام، بكل ما آتاه الله تعالى من علم بصفاته سبحانه وتعالى، يرغب في أمر يعلم أنه مستحيل الحدوث ولا يليق بالله تعالى. لقد كان موسى عليه السلام يعلم أن ما يمكن له أن يراه هو تجلٍّ لله سبحانه وتعالى وليس الله تعالى نفسه. ولكنه رأى من قبل تجليا لله تعالى في "النار" عندما كان مسافرا من مدين إلى مصر، إذ يقول تعالى فَلَمَا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا، فما هو ذلك الذي عناه موسى بطلبه حين قال رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ؟ يبدو أن هذا الطلب كان يتعلق بالتجلي الأكمل لله تعالى، الذي كان من المقدّر أن يحدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من المقدّر أيضا أن يكون مثيلا لموسى عليه السلام، إذ تلقّى موسى وعدا من الله تعالى بأنه سوف يظهر من بين إخوة بني إسرائيل نبيٌّ مثيل له، وسوف يجعل الله تعالى كلامه في فمه (انظر سفر التثنية 18:18-22). وقد تضمّن ذلك الوعد تجليا أكبر وأعظم مما تجلّى به الله تعالى على موسى، وعلى ذلك كان من الطبيعي أن يكون موسى توّاقا لرؤية المجد والعظمة التي وُعد بها ذلك التجلّي، ولذلك فقد طلب أن يتجلى الله تعالى عليه بشيء من المجد والعظمة التي سوف يتجلى بها على ذلك النبي العظيم الذي سوف يأتي في المستقبل. غير أن ذلك التجلي كان أقوى وأشد من أن يحتمله موسى عليه السلام، وعلى ذلك فلا يمكن أن يحدث ذلك التجلي في قلبه. ولهذا قال له الله تعالى أن يرى هذا التجلي وهو على الجبل".

"وموسى عليه السلام لم يستطع أن يتحمل رؤية ذلك التجلي العظيم للقدرة الإلهية، فخرَّ صَعِقًا رغم أنه تلقى تحذيرا بأن الجبل سوف يتزلزل زلزالا شديدا. وبذلك فقد أدرك موسى عليه السلام أن لا قدرة له على تحمل هذا التجلي العظيم للمجد الإلهي، الذي سوف يحدث فيما بعد على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال بمجرد أن أفاق سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. وتعني هذه الكلمات أنه أدرك أن لا قدرة له على تحمل ذلك التجلي الكامل للمجد الإلهي الذي سوف يتحقق من خلال ذلك النبي الموعود صلى الله عليه وسلم، وأنه لذلك أول المؤمنين بذلك النبي العظيم الذي كان من المقدّر له أن يكون على هذا المقام الروحي الجليل. وقد أشير أيضا إلى إيمان موسى عليه السلام بالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَني إِسْرَآئِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ".

ولكن، هل هدم الجبل واندكّ؟ وكيف كان ذلك؟ 

"إن قوله تعالى جَعَلَهُ دَكًّا يجب ألا يؤخذ حرفيا، وإنما جاء بصيغة المجاز للدلالة على شدة زلزلة الجبل. كذلك يجدر ملاحظة أن الله تعالى قال لموسى انظُرْ إِلى الْجَبَلِ وأخبره سبحانه فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَه فَسَوْفَ تَرَاني. وإنّ وضْع شرطٍ لِتَحَقُّق شيء ما يدل على أن موسى عليه السلام لم يطلب شيئا مستحيل الوقوع؛ لأن وضْع شرط لتحقّق أمر مستحيل هو لغو لا معنى له.

وتشير الكلمات انظُرْ إِلى الْجَبَلِ إلى أنَّ عليه أن ينظر إلى خارج نفسه، لأن ذلك التجلي لم يكن ليتحقق من خلال نفسه. ويدل سقوط موسى صعقا على أنه رأى شيئا من ذلك التجلي الذي كان مجرد قبس غير مكتمل. إن التجلي الإلهي الذي يحدث على القلب يكون مستديما ويستمر أثره، وأما التجلي الذي يحدث في الخارج فيكون لحظيا وعابرا.

وقد أشار الكتاب المقدس إلى طلب موسى عليه السلام لكي يرى الله تعالى في سفر الخروج 33: 18." (التفسير الوسيط).

التفسير التقليدي: 

في التفسير التقليدي تكثر الماديّة العبثيّة، يقول الطبري: "أن الربّ قرّبه حتى سمع صَرِيف القلم، فقال عند ذلك من الشوق إليه: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل)". 

ويقول: "لما تخلف موسى عليه السلام بعد الثلاثين، حتى سمع كلام الله، اشتاق إلى النظر إليه فقال: (ربّ أرني أنظر إليك! قال: لن تراني)، وليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا، من نظر إلي مات! قال: إلهي سمعت مَنْطِقَك، واشتقت إلى النظر إليك، ولأن أنظر إليك ثم أموتُ أحب إليّ من أن أعيش ولا أراك! قال: فانظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف تراني".

ماذا استفدنا من ذلك سوى أن موسى جاهل والعياذ بالله؟ ثم لماذا لم يسأل موسى هذا السؤال في مدين؟ 

وقال ابن كثير: "قال أبو جعفر حدثنا أحمد... عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى ربه للجبل، أشار بإصبعه فجعله دكًا" وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه". 

أما في تفسير الجلالين فجاء: "وَلَمَّا جَآءَ موسى لميقاتنا} أي للوقت الذي وعدناه للكلام فيه {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} بلا واسطة كلامًا سمعه من كل جهة {قَالَ رَبِّ أَرِنِى} نفسك {أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن ترانى} أي لا تقدر على رؤيتي، والتعبير به دون «لن أُرَى» يفيد إمكان رؤيته تعالى {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} الذي هو أقوى منك {فَإِنِ اسْتَقَرَّ} ثبت {مَكَانَهُ فَسَوْفَ تراني} أي تَثْبُت لرؤيتي، وإلا فلا طاقة لك. {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ}.. أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم {لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} بالقصر والمدّ، أي مدكوكًا مستويًا بالأرض {وَخَرَّ موسى صَعِقًا} مغشيًا عليه لهول ما رأى {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سبحانك} تنـزيهًا لك {تُبْتُ إِلَيْكَ} من سؤال ما لم أُومَر به {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} في زماني". (تفسير الجلالين)

أما سيد قطب فيقول: "إنها الوهلة المذهلة وموسى يتلقى كلمات ربه؛ وروحه تتشوف وتستشرف وتشتاق إلى ما يشوق! فينسى مَن هو، وينسى ما هو، ويطلب ما لا يكون لبشر في هذه الأرض، وما لا يطيقه بشر في هذه الأرض.

يطلب الرؤية الكبرى وهو مدفوع في زحمة الشوق ودفعة الرجاء ولهفة الحب ورغبة الشهود.. حتى تنبهه الكلمة الحاسمة الجازمة: {قال : لن تراني}.." (في ظلال القرآن).

ومن أخطاء هذه الفقرة ظنُّ سيد قطب أن موسى عليه السلام لم يتلقّ كلمات ربه قبل هذه اللحظة، مع أن الله كان قد خاطبه عليه السلام وهو عائد من مدين إلى مصر. أما هذه اللحظة فهي بعد خروجه من مصر.. وبين هذا وذاك سنوات، وقد تلقى موسى عليه السلام خلالها كثيرا من الوحي. 
كما أنه نسب الجهل إلى موسى عليه السلام، وكأنه لا يعلم أن الله لا تدركه الأبصار!!

باختصار، هذه الآية تشير إلى عظمة التجلّي الإلهي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لم يقدر موسى عليه السلام على تلقيه. وهذه الآية لا بد من ربطها مع آيات سورة الكهف المتعلقة بالعبد الصالح، أي قصة إسراء موسى عليه السلام، والعبد الصالح هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكشف. 

ذلك أنه "لما تلقى موسى عليه السلام النبأَ عن ظهور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حسب ما جاء في سفر التثنية (أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك)، وعلِم أن نبيًّا عظيمًا سيظهر بعده، تمنى أن يشاهد ذلك التجلي العظيم الذي يظهر به اللهُ على ذلك النبي، فلم يتمالك نفسَه وقال رَبِّ أَرِني أنظُرْ إليك؟ فأجابه الله تعالى: لن تراني..... أي ليس بوسعك أن تراني بالصورة التي يراني بها محمد صلى الله عليه وسلم، لأن رؤية ذلك التجلي تتطلب من الرائي أن يكون حائزًا على المرتبة المحمدية التي لم تَحُزْها أنت. وبالفعل لما تجلّى الله للجبل خرّ موسى صعقًا، وعرَف أنه لم يكن بوسعه تحمل ذلك التجلّي العظيم". (التفسير الكبير)

لو كان سؤال موسى عليه السلام خطأً لوبخه الله تعالى، ولو كان موسى يظنّ أن الله جسم وتراه عيوننا المادية لَعَلَّمه الله وبيّن له هذا الخطأ، بل لما اختاره نبيًّا من البداية، لكننا نرى أن الله تعالى يمتدح موسى عليه السلام؛ فبعد أن أفاق وأكّد أنه أوّل المؤمنين بالنبيّ الكامل صلى الله عليه وسلم قال الله له يا موسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ، أي أن ما طلبه موسى عليه السلام لا يستحق عليه أي ذمّ. "لقد وجّه الله تعالى إلى موسى هذه الكلمات الطيبة المذكورة في هذه الآية بغرض مواساته، بعد أن أدرك موسى أنه لن يستطيع أن يصل إلى ذلك المقام الروحي العالي، الذي كان من المقدّر أن يصل إليه ذلك النبيّ العظيم من نسل إسماعيل، فكان عليه ألا يطمع في الحصول على هذه الكرامة العليا المحفوظة "لذلك النبيّ"، وإنما عليه أن يقنع بالمقام الذي اصطفاه الله تعالى له، وأن يكون من الشاكرين على ما حباه الله تعالى من نعمة وفضل. وتؤكد كلمات الآية فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ على أن موسى عليه السلام لم يطلب أن يرى ذات الله تعالى، وإنما رغب فقط في رؤية تجلٍّ لله تعالى أعلى وأعظم مما ناله".

منقول

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي