الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

التوفي بشرح المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام)


التوفي بشرح المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) 

يقول المسيح الموعود عليه السلام في كتابه إزالة الأوهام: 

الآن، وقد أسهبنا في فعل "التوفِّي"، وتبيّن أنه قد استُعمل في القرآن الكريم من بدايته إلى نهايته بمعنى قبض الروح فقط، بقي أن نرى بأي معنى استُخدِمَ في القرآن الكريم فعل "الرفع" في: (رَافِعُكَ إِلَيّ)؟

ليكن معلوما أنه كلما ورد فعل "رفع" في القرآن الكريم في حق الأنبياء والأخيار والأبرار كان معناه العام هو بيان منـزلةٍ عليا في السماء يحتلها هؤلاء الأخيار عند الله من حيث مكانتهم الروحانية ونقطتهم النفسية، وأيضًا كي يبشَّروا أن روحهم ستُرفع بعد الموت وفراقِها الجسدَ إلى مقام قُربهم عند الله؛ إذ يقول الله جلّ شأنه في القرآن الكريم لإظهار المكانة السامية لنبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ). أي أن جميع الأنبياء ليسوا سواسية من حيث درجاتهم، بل بعضهم نال شرف الكلام وجها لوجه، ورُفعت درجاتُ بعضهم أكثر من غيرهم. 

لقد جاء في الأحاديث تفسير هذه الآية بأن روح كل نبي تُرفع إلى السماء بعد مماته وتنال مقاما في سماء من السماوات بحسب درجتها، فيقال بأنها رُفعت إلى مقام كذا وكذا، وذلك لتستبين درجتها الظاهرية أيضا بحسب درجتها الباطنية. إذًا، فهذا الرفع إلى السماء يكون لتحقيق الدرجات. وأما العبارة: (رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) التي وردت في الآية المذكورة آنفا ففيها إشارة إلى أن رفع النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى ممن رفع إليه غيره من الأنبياء، وأن روحه لم تستقر في السماء الثانية مثل روح المسيح، ولم تستقر في السماء السادسة مثل روح موسى بل هي أعلى وأسمى من الجميع على الإطلاق. هذا ما يدل عليه حديث المعراج بمنتهى الصراحة. بل ورد في "معالم النبوة" حديثٌ بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين تجاوز السماء السادسة ليلة المعراج قال موسى: "ربِّ لم أظنّ أن يُرفع عليّ أحد." لاحِظوا هنا أن فعل "رفع" قد استخدِم لبيان المرتبة فقط. كما تَبَيَّن معنى الآية القرآنية المذكورة آنفًا من خلال الأحاديث النبوية أن كل نبيٍّ يُرفع إلى السماء بحسب درجته، وينال نصيبه من الرفع بحسب مقام قربه. وتبيّن أيضا أن أرواح الأنبياء والأولياء - وإن كانت على الأرض أثناء حياتهم في الدنيا - تكون لها صلة مع سماءٍ تُعتَبر حدًّا أعلى لرفعِها. ثم بعد الممات تستقر روحه في السماء التي جُعلت الحدَّ الأعلى لرفعها. 

فالحديث الذي يذكر رفع الأرواح عموما بعد الممات يؤيد هذا البيان.

ولأن هذا البحث واضح وصريح للغاية، وقد كتبت في هذا الموضوع من قبل أيضا، لذا لا أرى حاجة للإسهاب فيه الآن. 

يجدر بالبيان في هذا المقام أن بعض المفسرين عندما رأوا أن معنى "التوفِّي" في الآية: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) هو الإماتة في الحقيقة، وأن: (رَافِعُكَ إِلَيّ) تدل بقرينة صريحة على رفع الروح بعد الممات، قلقوا نظرا إلى أن ذلك يخالف رأيهم بمنتهى الصراحة، فاقترحوا إصلاحا أن كلمة: (رَافِعُكَ )هنا متقدمة على (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) حاسبين أنفسهم بمنـزلة مصلحي الترتيب الوارد في القرآن الكريم، واختاروا لأنفسهم منصب المعلِّم. ولكن القراء يعرفون جيدا كم يمس ذلك بكرامة كلام الله الأبلغ والأفصح، وإلى أي مدى يحطّ من شأنه! 

هنا يجب أن يكون معلوما أيضا أن ما قاله الله تعالى بحق المسيح عليه السلام: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)، ليس المراد منه قط أن المسيح لم يمت. أليس هناك طريق آخر لموت الإنسان إلا أن يُقتَل أو يُصلب؟ بل المراد من النفي الوارد هنا أمرًا آخر؛ فقد ورد في التثنية 21: 23 أن "المعلَّق ملعون من الله"، واليهودُ الذين قتلوا المسيحَ على الصليب على حد زعمهم، كانوا يظنون لتمسكهم بالآية الواردة في التوراة أن المسيح ابن مريم لم يكن نبيا ولا مقبولا عند الله، لأنه مات على الصليب بحسب مضمون التوراة التي تقول أن الذي يموت على الصليب ملعون، فأراد الله تعالى أن يُظهر الحقيقة للعيان ويدحض زعمهم هذا، فقال: ما صُلب المسيح ابن مريم في الحقيقة، وما قُتل، بل مات ميتة طبيعية. (إزالة الأوهام)

أما روايات قصة الشبيه فلا تصحّ بحال. 

أما الآية الكريمة التي تؤكد تعليق المسيح على الصليب ونجاته من الموت عليه، فهي قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء)

فالآية تقرر ما يلي: 

1: يزعم اليهود أنهم قتلوا المسيح. 

2: الحقيقة أنه لم يُقتل، ولم يُصلب.. أي لم يكُن ميتًا على الصليب قط. 

3: عملية الصلب اشتبهت عليهم، فظنوه قد مات على الصليب، لكنه لم يكن قد مات. 

4: اليهود والنصارى ظلوا في شك من هذا الموت على الصليب، فبعضهم قال: لم يمت على الصليب، وبعضهم قال: بل مات عليه. 

5: القائلون بموته على الصليب يتبعون الظنّ. 

6: لم يُقتل المسيح قط. 

7: لم يُلعن المسيح، بل رفع الله درجته ومكانته. 

الحكمة من إيراد هذه القصة في القرآن الكريم: 

ما المشكلة لو مات على الصليب؟ ولماذا يهتمّ القرآن الكريم بنفي هذه الميتة؟ 

إنما سبب ذلك أن النصارى بنوا عقيدة ضخمة على هذه الميتة، فقالوا: إنه عليه السلام قد مات ميتة ملعونة، وذلك ليكفِّر عن خطايا البشر.. وتطوَّرَ هذا القول حتى وصل الى القول بالثالوث وبألوهية المسيح، فلو نُفي موت اللعنة لانتهت أسس الثالوث من جذورها. 

هذه هي القضية، وهي قضية عظيمة، وفي إيراد ذلك حكمة جدُّ عظيمة. وكان لا بد للقرآن أن يحكم في هذا الأمر الخطير، لينقض عقيدة يتبناها ملايين الناس، وينقذهم من أوهامها ويعيدهم إلى ربهم الواحد. 

بالنسبة إلى القائلين من المسلمين أن الله تعالى قد أصعد عيسى الى السماء، نقول: ما فائدة أن يصعد إلى السماء؟ وما المشكلة لو مات في الأرض؟ وما العار أن يُستشهد النبي؟

ونقول لمن يقول من المسلمين بوفاته لاحقا بعد حادثة الصلب حيث صُلب آخر.. نقول لهم: ما المشكلة لو مات على الصليب حسب تصوركم؟ ولماذا نجّاه الله من الصلب ما دام سيموت بعد حين من غير أن يتصل بأحد من أتباعه، ومِن غير أن يقوم بعمل صالح؟ 

لقد وعد الله المسيح بأن ينجّيه من ميتة الصلب، ووعده بأنه سيهاجر إلى بقية القبائل الاسرائيلية ليبلغ دعوة ربه، ووعده بأن ينصره نصرا عزيزا مؤزرا، وهذا ما حصل.. لذلك فقد هاجر المسيح الى بلاد الشرق وبلغ دعوة ربه. يقول الله تعالى إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ .. فنقول لمن يقول بوفاته لاحقا وهو هارب من بني إسرائيل من غير أن يتصل بأحد: أين النصر الذي حققه الله للمسيح ما دام قد ظلّ هاربا حتى مات؟ هل الهروب نصر؟ كما نقول للقائلين بصعوده إلى السماء: هل الهروب الى السماء نصر؟ 

إن قصة الشبيه تتعارض مع عشرات القضايا ولا تجيب عن عشرات الاعتراضات وتسيء الى الله ورسوله.. 

منقول

0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي