الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
 





أصح الأقوال أن السبع المثاني هي سورة الفاتحة، وهو من أسمائها المعروفة. وقد ورد هذا الاسم في أحاديث منها:

"عن أبي هُرَيْرَةَ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أَنْزَلَ الله في التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، مِثْلَ أُمّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السّبْعُ المَثَاني، وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ".

وحديث آخر يقول:

"عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِي لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُه"ُ

وقد روى هذه الأحاديث وما يماثلها في تسمية الفاتحة بالسبع المثاني كل من البخاري والنسائي وأبي داود وأحمد بن حنبل.

وترجع هذه التسمية إلى آياتها السبع، كما قد تشير "المثاني" إلى عدة أمور منها؛ أنها تثني على الله تعالى وتحمده، وأنها تثنَّى في الصلاة أي تُكرَّر، وأنها قد ثُنِّيت في النزول حيث ثبت أنها نزلت مرتين، أو أنها (وهو الأهم) تشكِّل خلاصة القرآن الكريم وكل معانيه ومقاصده وما القرآن إلا تثنية لها أي تفصيل لما ورد فيها من معانٍ ومقاصد. 

كذلك قيل إن هذه التسمية تشير إلى أنه لم ينزل مثلها من قبل فيما أنزل على الأمم الأخرى، وأن المسلمين اختُصّوا بها، أي أنها شكلت استثناءً عما نزل من الوحي في السابق. وهو وجه قوي أيضا.

وعلى كل حال، فقد وردت بعض الأقوال الأخرى حول المقصود بالسبع المثاني. فقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السور السبع الطوال؛ أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة وقيل يونس. وقيل هي السور التي تفوق المائة في عدد آياتها، أي أن المائة الأولى من كل سورة مبادئ والثانية مثانٍ. إلا أنني شخصيا لا أميل إلى هذه الأقوال، بل أرى الفاتحة هي الأجدر بالتسمية لخصوصيتها وأهميتها.

وعودًا إلى الفاتحة، فلربما يكون مفيدا اختصار معاني الفاتحة في هذه المناسبة. وهذا لأن الفاتحة هي روح الصلاة الحقيقية، فبغير فهم هذه المعاني، ولو بشكل مبسط، لا تستقيم الصلاة ولا تحقق الغرض منها. كذلك لكي يتضح مفهوم الثنية فيها.

تبدأ السورة بذكر الصفات الرئيسة لله تعالى، التي هي المحور الذي تدور حوله جميع الصفات الإلهية الأخرى، والتي تُعتبر أساس تشغيل الكون وعلاقة الله بالإنسان. وتؤكد السورة في أولها أن كل المحامد هي لله وكل ما يمكن أن ينال الإنسان منها هو من الله وبواسطته. كما أن كل أمر محمود لا يشكل إلا جزءً يسيرا من الحمد الحقيقي الذي يتحلى به رب العالمين الذي يهتم بشئون الإنسان وكافة المخلوقات ويرعاها. وتدل هذه الصفات الرئيسة، أي "رب العالمين" و " الرحمن" و " الرحيم" و "مالك يوم الدين"، على أن الله تعالى عندما خلق الإنسان زوّده بأحسن الإمكانات وأفضل الطاقات، ووفّر له كل ما يحتاج لنموّه وتطوّره المادي والاجتماعي والأخلاقي والروحي، وهذا بصفته "الرحمن". بل أكثر من ذلك، لقد قرر الله للإنسان مكافأة مجزية على كل أعماله وجهوده إن عمل بجد واجتهاد متوجها لله تعالى، وينال ذلك من الله بصفة "الرحيم". 

ثم توجه السورة قلب المؤمن كي يستشعر هذه الصفات الحميدة فيقر بعبوديته لله تعالى، وهذا لأن الإنسان قد خُلق من أجل عبادة الله تعالى والتقرب إليه، وأنه في حاجة إلى عون الله ومساعدته حتى يمكنه تحقيق هذا الهدف الجليل. 

بعد ذلك نجد دعاءً شاملاً فيه تعبير كامل عن كل نزعات النفس البشرية. ويعلمنا الدعاء أن نسأل الله دائمًا ونطلب معونته، حتى يعطينا ما نحتاج إليه لتحقيق النجاح في هذه الحياة الدنيا، وفي الحياة الآخرة. ويستمد الإنسان عزمه ويسترشد في مسيرته بالذين سبقوه من الصالحين الذين نجحوا في السير على هذا الطريق. فتعلم السورة أيضًا دعاء الله تعالى وسؤاله أن يفتح للإنسان طرق التقدم الأخلاقي والروحاني والمادي كما أعان الذين أنعم الله عليهم من قبل من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

وأخيرًا، يتضمّن الدعاء تحذيرًا من أن الإنسان قد يضلّ عن الطريق الصحيح أحيانًا بعد أن يهتدي إليه، وأنه قد يغفل عن هدفه فيصبح متغرِّبا ومتباعدا عن خالقه. ولذلك تحثّنا السورة على أن نبقى على حذر، وأن نطلب حماية الله تعالى على الدوام من أن نبتعد عنه.

وتنبه السورة في هذا التحذير إلى مثال اليهود والنصارى الذين انحرفوا عن جادة الصراط المستقيم. فقد أسرف اليهود في الإفراط فشددوا على أنفسهم ولم يلتزموا بعد ذلك، كما فرّط النصارى وتراخوا وتركوا سبيل الحق وتناسوه. كما أن مسلك اليهود كان دوما مسلك المعاندين الذين جلبوا غضب الله عليهم، فقد ضل النصارى بتراخيهم وتفريطهم في جنب الله وتركهم ما أمر به الله.

وهكذا فإن السورة تنبه أن أمام المسلمين ثلاث طرق فقط، وهي إما أن يكونوا من الذين أنعم الله عليهم، أو أنهم سيكونون من المغضوب عليهم أو من الضالين. لذلك يجب الحذر كي ينحرفوا عن صراط الذين أنعم الله عليهم، كما يجب عليهم السعي دوما كي يبقوا على هذا الصراط الوسط بين الإفراط والتفريط.

وهذه المعاني الواردة في هذه السورة هي مضمون المعاني الواردة في القرآن الكريم كله، فهدف القرآن هو هداية الإنسان إلى هذا الصراط المستقيم لكي يفوز بالفلاح في الدنيا والآخرة.

وقد كتب الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كتابا أسماه "إعجاز المسيح" وهو تفسير عظيم لسورة الفاتحة باللغة العربية يشرح فيه هذه المعاني العظيمة. وقد طرح هذا الكتاب للتحدي على علماء عصره. كما أن الخليفة الثاني رضي الله عنه قد فسر سورة الفاتحة في تفسيره الكبير.

منقول


0 comments :

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

عربي باي